مرشحون لرئاسة الوزراء في الوقت الضائع
المنصة -علي الناصري
يبدو أن حالة الانسداد السياسي في العراق منذ تسعة أشهر وعجز البرلمان عن تسمية رئيس وزراء خلفاً لمصطفى الكاظمي أنعشت طموح شخصيات من خارج اللعبة لطرح أسمائهم لتولي المنصب.
أبرز هؤلاء كان عادل الكنزواي (47 عاماً) المهندس الذي يحمل الجنسيتين العراقية والفرنسية، والذي سبق وأن شغل منصب القنصلٍ الفخريّ لدى السفارة الفرنسية في محافظة ذي قار.
يمكن اعتبار الكنزاوي إحدى أكثر الشخصيات إثارة للجدل كمرشح لرئاسة الحكومة، فالرجل يمتلك شركة للمقاولات متعاقدة مع الحكومة سبق وأن طاولتها اتهامات فساد خلال تنفيذها لمشروع “جسر الحضارات” وسط مدينة الناصرية، كما أن هناك تعاقدات أخرى مع الحكومة لتنفيذ مشاريع خدمية واستثمارية فرنسية في ذي قار أعلن القنصل السابق عنها ولم يكتب لها النور، وتبين لاحقاً أن عدداً من هذه الشركات وهمية بحسب تقارير إعلامية.
ولا يتمتع الكنزاوي بحسب مراقبين بوزن شعبي يؤهله لترشيح نفسه، والعديد منهم يعتبره “ظاهرة إعلامية”، لكن وبالرغم من انخفاض حظوظه السياسية يقول الكنزاوي إنه يمتلك برنامجاً اصلاحياً “يمكن أن يحقق تطلعات الشعب العراقي”، ويسمي نفسه “مرشحّ ثورة العشرين”.
ويضيف أن سبب اختياره لحملته الدعائية عنواناً يقترن بثورة العشرين يعود إلى أن “هذه الثورة انطلقت من المحافظات الجنوبية في عشرينيات القرن الماضي وكانت من أجل الخلاص من الإحتلال العثماني آنذاك، لذلك فهي تعبير حقيقي عن تطلعاتنا في بناء عراق جديد بدعم من أبناء العشائر في هذه المحافظات”.
ورقة محروقة
محافظة ذي قار التي تمثل ثقلا مهماً في الحراك الشعبي بعد تصدرها مشهد تظاهرات تشرين 2019، والتي ينحدر منها القنصل الفرنسي السابق، يقول محتجّوها إنهم يترقبون المشهد السياسي دون أن يطرحوا أسماء من ساحات الاحتجاج للترشح للمنصب، على الرغم من وجود ممثلين عنهم تحت قبة البرلمان.
الناشط سلوان محمد يرى أن الشخصيات التي تطرح نفسها حاليا لشغل المناصب العليا عبارة عن “أوراق محروقة” تحاول الكتل السياسية التلويح بها ودعمها دون أن تتبناها بشكل علني للضغط على الغرماء السياسيين للقبول بأسماء بديلة.
ويؤكد محمد أن اسم المرشح عادل الكنزاوي “مازال بعيداً عن تطلعات ساحة الحبوبي” فهو “شخصية تغرد خارج السرب” بحسب وصفه.
أما مهند حسن، وهو من شباب الحراك، فيرى أن على أيّ مرشح لمنصب رئاسة الوزراء أن يمتلك مواصفات “مارد سحري” كي يستطيع التعامل مع المشكلات العالقة بعد 19 عاماً من حكم المحاصصة والفساد بقيادة الأحزاب السياسية التقليدية، مضيفاً أن هكذا مواصفات وقدرات بعيدة جداً عن الكنزاوي.
العشائر.. موقف المتفرج
يتزعم القنصل الفرنسي السابق مشيخة واحدة من العشائر الجنوبية المعروفة في ذي قار، لكن تصريحاته لا تخلو من مشاحنات كلامية مع رؤساء عشائر أخرى، ومع ذلك هو يطرح نفسه كمرشح “قادة ثورة العشرين” لرئاسة الوزراء ويقود بشكل شخصي حملة دعاية يعتبر البعض أنها فقط “من أجل الشهرة”.
وسبق لأحد زعماء العشائر الجنوبية أن ردّ على تصريح للكنزاوي إبان توليه منصب القنصل الفخري، قائلاً إن “القنصل الفرنسي يمارس دور القوات المحتلة بتفكيك اللحمة العشائرية بالمحافظة”. وأضاف شيخ عام عشائر الحسينات بمحافظة ذي قار، قيصر آل عجيل الحسيناوي أن “القنصل اتهم في أكثر من مجلس بعدم وجود أصل لقبيلة الحسينات وأنها مجرد تجمع”، معتبراً بأن “القنصل الكنزاوي تجاوز كل الحدود المسموحة لعمله بالمحافظة وتدخل في شأن لا يعنيه إطلاقاً”.
ولم يبرز موقف واضح من عشائر محافظة ذي قار لدعم حملة أي من المرشحين لشغل أي منصب سيادي حتى الآن بعدما شارك أغلب أبنائها في الاحتجاجات الشعبية عام 2019 للمطالبة بالإصلاح والتغيير.
الشيخ فرهود لفتة يقول إن “العشائر في المناطق الجنوبية خرجت من جلباب السلطة بعد الاحتجاجات الأخيرة نتيجة الحرمان والتجاهل الحكومي لمطالبها في تحسين واقع الحال لذلك تقف اليوم موقف المتفرج على غرار موقف المرجعية الدينية الرافضة للعملية السياسية بواقعها الحالي”.
ويضيف أن “لجوء أي مرشح لشغل منصب حكومي لاستمالة العشائر لن يلقى استجابة حقيقية”.
الإطار.. يدعم أم لا يدعم؟
لا يفصح الكنزاوي عن الأطراف السياسية التي تدعم ترشيحه، لكن بعض التحليلات ذهبت إلى أنه يرتكز على وعود من أحزاب يقودها الإطار التنسيقي، في مقابل آراء أخرى تقول إن الكنزاوي “شخص محبّ للتواجد تحت الأضواء” ومواصفاته لا تسمح بأن يحظى بدعم جدّي من أي قوة سياسية.
عضو الإطار التنسيقي في البرلمان داخل راضي يقول إن الإطار حدد عدة شروط لمرشحه أمام الكتل المنضوية للتحالف من أجل شغل منصب رئيس الحكومة وأهمها “قوة الشخصية والوطنية وقدرته على تقديم الخدمات وقريبا سيتم الاعلان عن الأسماء المرشحة التي تنطبق عليها هذه المواصفات سواء كانت مطروحة من داخل او خارج سقف الإطار”.
ويشير راضي في حديثه للمنصة انه بإمكان تقديم أي مرشح اسمه إلى الإطار ليكون من بين الأسماء التي سيصوت عليها وضمن الضوابط والآليات، نافياً علمه بتقديم المرشح عادل الكنزاوي إسمه رسمياً في الوقت الحالي.
ووفق تصريحات سابقة لقيادات في “الإطار التنسيقي”، فإن قوى الإطار وضعت معايير لاختيار رئيس للحكومة من أجل إدارة البلاد في المرحلة المقبلة، أهمها أن يكون مقبولاً من المرجعية الدينية في النجف وغير مشمول بقانون المساءلة والعدالة ومن غير المتهمين أو المدانين بقضايا فساد.
الناشط والأكاديمي في العلوم السياسية نجم الغزي يرى أن هذا النوع من المرشحين هو عبارة عن “بالون اختبار” أو “مرشح في الوقت الضائع”، مضيفاً أن الكتل السياسية تتعمد إثارة هذه الأسماء لجس نبض الشارع المحلي في حين تتفاوض على أسماء أخرى بعيدة عن التوقعات التي يجري الحديث عنها.
ويرى الغزي أن حالة الانسداد السياسي التي بدأت صفحتها الثانية إثر انسحاب 73 نائباً عن التيار الصدري من البرلمان وعجز الأطراف الأخرى عن إنتاج نظام سياسي، قد تمهد جميعها لاستمرار حكومة مصطفى الكاظمي في الوقت الحالي كحكومة تصريف أعمال.