الدعشنة وخطاب الكراهية

التعايش المستدام قائم على ثالوث قيمي من التسامح والتفاهم والتعاون، بيد أنه ثمة عوائق تهدم بعض قيمه وأركانه.

أول تحديات التعايش المستدام هي خطاب الكراهية التي تتحول الى أوجه جديدة أو تبدي مقاومة لأي تجربة للتعايش ما بعد داعش.

وخطاب الكراهية يأتي بمعنى: التحريض ، الانتقاص ، التحقير من فرد أو مجموعة من أفراد تجاه مجموعة أخرى تحمل عرق أو دين أو دين أو مذهب أو نوع اجتماعي (جندر) أو رأي سياسي أو طبقة اجتماعية أو فئة اجتماعية ، وتلك المفردات تعطي مخزون كبير من الحقد والضغينة واستباحة الدماء.

وفي ظل الوضع القائم يرتبط بهذا الخطاب “الدعشنة”، ولنقول: انها منهجية فكرية يتبعها “سلوك” في الغالب يكون عنفيا، يحاول عبرها احتكار الحقيقة أو فرضها على الاخرين بما يمثله من رغبة تسلطية تبدأ أولا بمنع التفكير المستقل وتنتهي الى استعباد عقولهم. وهي صدى لماض غير منظور ولم تكتمل رواياته، والامر يحتاج قبل هذا وذاك الى آليات يعمل بموجبها خطاب الكراهية المدعشن.

آليات اشتغال دعشنة الكراهية

ويعمل هذا الخطاب على دك قيم التعايش المستدام عبر آليات عدة تقع اولاها في استنهاض مواريث التاريخ واحتكار الذاكرة عبر تفسيرها واضفاء صفة القدسية عليها.

العبرة الكبرى التي يمكن استخلاصها من تاريخ النزاع والاقتتال الاهلي، هي الحاجة الى التذكير بضرورة تجاوز ذلك وتجنب تكراره، الا ان خطاب الكراهية يعمل على دعشنة الرواية والذاكرة التاريخية للمجتمع وحصر امتلاك الفضاء العام بمجموعات معينة دون أخرى.

اخطر ما في هذه المنهجية الخطابية والسلوكية هي أن امتلاك الرواية التاريخية الدينية وتفسيرها يتبعه تحديد معايير لما يسمح بتذكره ومناقشته وتفسيره، وهو حال قد تستفحل لتؤدي الى هدم كيان التعايش، ما يجعل المجتمع كما يشير بعض المختصين والباحثين، بلا ذاكرة أو مؤسس على ذاكرة الاخضاع والقسر والاقصاء لتواريخ وذاكرة الاخرين.

واذا كان ابرز ما في التعايش المستدام من محاسن تقوم على ذاكرة وموروث تاريخي يتسم بالتنوع والتعدد فانه يتجسد فيه القيمة الكبرى للسلم الاهلي بتأسيسه على تاريخ يجمع هذه الذاكرة المتنوعة.

وقد لا يكتفي خطاب الكراهية بالذاكرة التاريخية وحصر توزيع ارثها على البعض واستبعاد البعض الاخر، بل يعمل الى اجتزاء الحقيقة بما يحاول عرضه من روايات وأحاديث اجتماعية ودينية، وابرز ممثلي هذه الالية حاملو لواء الخطاب الديني الذي يحاولون عبره حصر واحتكار الطريق الى الجنة ومعرفة الله بهم دون غيرهم، والمخالف لهم قد لا يحظى بمفازة معرفة الخالق أو دخول جنته.

لذلك عمل الخطاب الديني على حصر بعض الحقائق به دون الاخرين عبر منح امتياز لمريديه بأفضلية على الاخرين من حيث المغانم والحسنات وهو ما ينعكس سلبا على اي نية لبناء مجتمع متعايش مع ذاته، من هنا فان اخطر ما في هذا الخطاب ان مساجلته ومجادلته قد تنتهي بالمخالفين الى القتل واستباحة الدماء والاموال والاعراض.

والمعالجة الواقعية لهذا الخطاب تكون عبر ضخ الرؤى الجديدة فيه التي تؤكد يتنوع طرائق الوصول الى معرفة الله بتعدد الرؤى الدينية وأن المفازة بالجنة هي ليست من مشمولات فئة دون اخرى، بل ضرورة ادراك ان للجنة ابواب ومراتب وهو ما يجعل من الخطاب الديني ان يهدئ من احتقانه ورؤيته للآخر المخالف له .

واذ ينتهي الخطاب الديني “الداعشي” بمخالفيه بالقتل واستباحة الدوم فان الكراهية ستعمل بالية ثالثة تستنهضها عبر تقديس البطولات التي انتهت الى القتل والابادة ومحاولة تسويقها وتبريرها عبر ضخها بمفعول ايديولوجي ديني أو بشري، اذ هذا التقديس يفعل فعله بفئات الشباب والمراهقين الذين لم يخوضوا حربا او يجرب مرارتها واثارها المدمرة او بما يسميها احد الباحثين بإعادة انتعاش الذاكرة بعد النسيان ، وهي المرحلة التي تهيء فيها ارضية للقتال الاهلي الذي ينتهي موجبه عقد التعايش الاجتماعي.

الامر الملح هنا يستدعي جهدا مضاعفا ليس مواجهة ذلك التقديس فحسب بل محاصرته وكشف عيوبه وثغراته واعادة إنعاش الذاكرة باتجاه بث صور التعايش ومزاياه ومحاسنه وقيمه.

بالنتيجة فان خطاب الكراهية، سيتبلور على شكل قتل على الهوية وابادات جماعية وتهجير قسري، وسبي وانتهاك للحرمات وما ينتهي اليه نتائج تقصم ظهر التعايش المستدام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى