إقطعوا الحبل السري لداعش

ملعب تنظيم “داعش”
منه قدموا على ظهر سيارات بيك اب تويوتا (المعروفة بالمرزي)، الى مدينة الموصل في 6 حزيران/يونيو 2014 ليميطوا اللثام عن وجوههم المغبرة ويسكنوا في أفخم المنازل ويأكلوا ما لذ وطاب من طعام!

وإليه عاد من نجح في الفرار من القتل على أيدي القوات العراقية وطيران التحالف الدولي، بعد انتهاء معارك التحرير في الموصل (10 تموز/يوليو 2017) وتلعفر (60 كم غرب الموصل) في 31 اب/ أغسطس 2017، وقبل ذلك في البعاج (120 كم غرب الموصل).

أتحدث هنا عن الصحراء.

عناصر هذا التنظيم قادرون على التكيف مع الوضع الجديد، بالإفادة من الخاصرات الرخوة أمنيا وضعف القدرة الاستخبارية للقوات العراقية، ولا شك أن الوضع السياسي في البلد الذي كثيرا ما تمتد جذوره الى خارج الحدود خاصة دول الجوار، قد يوفر مناخا مناسبا لفلول داعش لإعادة تنظيم أنفسهم من جديد.
لن يكون في استطاعة داعش أو اية جماعة إرهابية أخرى، مهاجمة المدن والسيطرة عليها كما حدث من قبل في الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة، لكن يبقى خطرها قائما على الطرق الرئيسة التي تربط بغداد وسامراء وتكريت وبيجي والشرقاط والقيارة وصولا الى الموصل، فضلا عن البلدات النائية المكشوفة كالبعاج والحضر وتل عبطة، جنوب غرب الموصل.

بعد عام 2003 أصبحت الطريق من بغداد الى الموصل (نحو 400 كم) مصيدة للقوات الأمريكية والعراقية، و بعد انحساب القوات الامريكية عام 2011، بدأت اللعبة تدور على مسافة 150 الى 200 كم، أي الطريق الرابط بين بيجي والموصل (مرورا بالشرقاط والحضر والكيارة).

من نهاية عام 2012 حتى منتصف عام 2014، كانت الطريق تخرج عن سيطرة القوات العراقية، العشرات من نقاط التفتيش ومفارز المرابطة المنتشرة تنسحب قبل حلول الظلام الى مقار الأفواج والألوية، لكيلا تكون صيدا سهلا لمسلحي داعش، وإذا لم يجد أبناء الصحراء صيدا ثمينا لهم على الطريق، فإنهم يزرعون العبوات الناسفة هناك ليفجروها في الصباح على أرتال القوات العراقية ومواكب المسؤولين.

كان الجنود وعناصر الشرطة يستقلون سيارات مدنية ويحاولون أن يندسوا بين المدنيين عند الإلتحاق الى الدوام أو العودة منه، لكن النجاة ليست حليفهم دائما فكثيرا ما يقعون في مصائد السيطرات الوهمية، أتذكر جيدا ذلك الشاب الذي يرتدي ملابس مدنية، لهجته وملامحه تفضحه، الخوف والارتباك واضحان، ادعى انه مدني ذاهب لزيارة شقيقه السجين في سجن بادوش الإصلاحي.

“لا تقف يمعود”، صرخ الشاب لا إراديا على السائق الذي ركن السيارة الى جانب الطريق في الجزء الخطر، ليتبول! ثم انتبه الشاب الى نفسه وتلعثم وهو يبرر سبب صراخه هذا. بقي مخطوف اللون حتى وصلنا سيطرة العقرب في الموصل، عندها كشف هويته، وتبين أنه جندي في الفرقة الثانية!
هكذا إذن جرت الأمور على هذا الشريان الرئيس، حتى إنقطاعه تماما بعد سيطرة التنظيم على الموصل وهذه الطريق، الى سامراء وما بعدها.

مر عام كامل على إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي تحرير الموصل من تنظيم داعش، منذ ذلك الحين لم يحدث سوى خرقان او ثلاثة على طريق موصل – بغداد آخرها حدث منتصف حزيران الفائت، عندما تم اختطاف وقتل مجموعة مدنيين من قرية قرب تلال مكحول، لكن ما يجري على طريق كركوك-بغداد، أثار المخاوف من جديد.
المناطق التي تقع بين ديالى وصلاح الدين وكركوك حيث المناخ السياسي – الأمني متشنج هناك بسبب الخلاف بين الكرد والعرب والتركمان، ما زالت رخوة، خاصة وان هناك حاضنة جغرافية تتمثل بالجزرات الموجودة في نهر دجلة والبساتين والمناطق الوعرة كمرتفعات مكحول وغيرها.

لعل الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية هشام الهاشمي، يفصل الموقف اكثر، إذ أن فلول داعش تتركز على مناطق رئيسية جنوب وغرب كركوك وصولا الى ديالى من جهة وصلاح الدين من جهة اخرى، وتنتشر على شكل مفارز جوالة تتكون الواحدة منها من 9-11 إرهابيا.

وتتواصل هذه المفارز فيما بينها عبر سعاة بريد غير مؤشر عليهم أمنيا ويقدمون لهم الدعم اللوجستي واستخبار الطريق والأخبار، ويتنقلون في هذه المناطق الواسعة ليلا او عند اول الفجر، ويستخدمون دراجات نارية، المحليّون من هذه المحافظات الثلاثة ممن كانوا يقاتلون تحت إمرة داعش وبدون لثام، وكانوا يعملون في الكتائب الخاصة واللجان الأمنية وملف الحسبة.

أخطرها التي تتواجد على جانبي طريق بغداد-كركوك في المنطقة المحصورة بين شمال الخالص وحتى نهاية حوض العظيم قرابة 50-60 كم، اذ عادت للنشاط الإرهابي في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2017، واضطرت القيادة المشتركة العراقية ان تقوم بـ 5 حملات كبيرة لكنها لم تحقق أهدافها بسبب ضعف التقارير المعلوماتية الصادقة، وقلة المراقبة الجوية وايضاً ضعف الإمكانيات المالية للاستخبارات لتجنيد واختراق هذه الفلول، وإهمال تقارير المواطن، وعدم وجود قوة استجابة سريعة.

الموقف إذن حتى الان افضل على طريق بغداد – الموصل، لكن ليست من ضمانات لمنع عودة السيطرات الوهمية التي تخطف الان دون تمييز بين مدني وعسكري، وهذا يتوقف على مدى انتباه وتركيز القوات العراقية المنتشرة في المنطقة من حشد شعبي وقوات شرطة محلية واتحادية وجيش.

لن يتم القضاء على داعش التنظيم الذي أسس دولته المزعومة في الصحراء أولا، مالم تتم السيطرة على تلك المساحات الشاسعة التي تشكل ربما اكثر من ثلث مساحة العراق، ليس بانتشار القوات لان ذلك مستحيل، لكن بالجهد الاستخباراتي والمخابراتي، عناصر داعش خسروا كل شيء وما زالوا مستعدين للموت، لذا يلوذ بعض من فر منهم بالصحراء ليعيدوا تنظيم أنفسهم إذا ما توفرت لهم الظروف والأموال الكافية، لا سيما وان هناك مؤشرات لذلك، لعل آخرها اعتقال عصابة خطفت رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الانبار الشيخ نعيم الكعود في مدينة طرابزون التركية، وتبين أن الخاطفين من مقاتلي داعش في الموصل ثم فروا ووصلوا الى تركيا، بعد بدء استعادة القوات العراقية السيطرة على المدينة.

لذا يجب أن ننتبه جيدا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى