جامع لا “سوبرماركت”

لماذا نعارض تدخل الجوامع في الانتخابات النيابية عبر توجبه نداء للناس في بعض احياء مدينة الموصل: “شاركوا في الانتخابات لأنها واجب شرع”؟
المعارضة هنا تنطلق من مبدأ رفض حشر أنف الدين في السياسة، خاصة عندما يصل الأمر الى وصف المشاركة بـ (الواجب الشرعي)، بمعنى ان الانتخاب أمر رباني من يخالفه يؤثم!!
قد يجادل البعض انه امر جيد سيما في مدينة كان لها موقف سلبي من العملية السياسية في العراق بعد 2003، وان المشاركة في هذه المرحلة مهمة، كما أن نداء الجوامع جاء تحفيزيا وغير انحيازي (لم يوجه الناخبين لمرشحين معينين).
هذا التبرير ليس في محله، فكرة تصوير الجامع على انه صالح لكل شيء خاطئة، ومردودة، الجامع ليس “سوبر ماركت” تجد فيه كل ما تحتاج! يجب حصر وظيفته بالتعبد (صلاة)، أما الانتخابات فهي شيء آخر تماما، جزء من عملية ديمقراطية/ سياسية، تناسب نظاما علمانيا، يفصل الدين عن الدولة، ولا يلغي الدين بالتأكيد، إنما ينأى بالدين عن السلطة وادارة الدولة، لأنه سفسدها وتفسده.
تبدو الفكرة في ظل الوضع الذي يعيشه العراق مثاليا، لكن هذه البداية الحقيقية لإصلاح حاله، خاصة في الموصل التي تلقت درسا قاسيا على مدى 15 عاما الماضية.
واذا كان الجامع في بداية الإسلام “بتاع كلو” كما يقول المصريون، فذلك لانه لم تكن هناك مؤسسات دولة، كان الجامع ، إذاعة وبرلمان ومقر قيادة ومحكمة ومدرسة … اما اليوم فالأمر مختلف تماما، لا يمكن ابدا التوقف عن تلك اللحظة لنعود ونضفي عليه تلك الصفة الشمولية.
لا تجفلوا يا سادة، إن من يدعو الى تحديد دور الجامع، ليس معاديا للدين، بقدر ما يدعو الى فصل الدين عن السياسة، بعدما أكلنا “نوتيلا” على يد الإسلام السياسي وحتى أكون منصفا، ساعدهم ايضا غير اسلاميين.
لا تجفلوا أبدا، ارفعوا الآذان في الجوامع بأعلى ما تسمح به حناجركم وصلوا آلاف الركعات، وعطروا المنابر والمحاريب وأفرشوا افخر السجاد تحت أقدامكم، ولوّنوا القباب بالطلاء التركي الأخضر والأبيض، لن يمنعكم أحد، لكن آن الأوان ان تتقبلوا رأيا آخر لا يعجبكم، وأن تسمعوه من دون ان تصرخوا وتخوّنوا وتكفّروا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى