Site icon المنصة

قراءة في مشهد ما بعد التحرير

Black abstract vector circle frame halftone random dots logo emblem design element for technology, medical, treatment, cosmetic. Round border Icon using halftone circle dots raster texture.

على الرّغم من أنّ الوطنَ العربيّ بشكل عامّ، والعراق بشكل خاصّ، لمْ يخلُ دفترُه من (شخابيط) الجماعات الإسلاميّة يوماً،

بل كانتْ متواصلةَ الظّهور بين مدّة وأخرى كلّما سمحنا لها (نحنُ) بالظّهور، إلّا أنّ ظهورَ داعش في العاشر من حزيران 2014، كان ظهوراً مختلفاً، رافقه تغييرٌ جغرافيّ ديموغرافيّ تاريخيّ سياسيّ اجتماعيّ، وبمستويات وتفاصيل مذهلةٍ، أذكرُ بعضاً من مشاهده الحيّة:

أولاً: داعش وضعت (الأمّة) على المحكّ/ أحرجتهم بتاريخهم، إذ أنّ تراثاً هائلاً من التّاريخ والبلاغةِ والشّعر والفلسفة والأدبِ والفنون والنّقد والفيزياء والكيمياء، كلّ هذا لمْ يصمدْ يوماً واحداً أمام داعش، لماذا؟، أظّن الخللَ (موضوعيّ بنيويّ)، يتعلّق بالمادّة نفسها وصولاً إلى المجتمع، وحتّى لا أطيل الحكايةَ، أقول: تراث مشوبٌ بالانشائية والبلاغة والتّضخّم والاستعباد والانتقاص حريّ به أنْ ينهار وهو ممتلئٌ وهماً:

إذا بلغَ الفطامَ لنا صبيّ/ تخرّ له الجبابرُ ساجدينا

متناسين أنّ بيننا وبين (الآخر) أندلساً أخرى، وأنّهم لا ينسون ثأرَهم، أقول هذا ليس لاعتبارٍ دينيّ عقائديّ، وإنمّا لاعتبار سياسيّ تاريخيّ.

ثانياً: كل الجماعات الإسلامية التي ظهرتْ كانتْ خجولةً في تطبيق شريعتها على المجتمع، ذلك أنّ الأزمان السابقة كان فيها ما يمكنُ أنْ أسمّيه (الحصانة الفكرية الاجتماعية)، كوجود القرّاء والمثقّفين الحقيقيّين والأكاديميّين الحقيقيّين والدّولة الحقيقيّة التي تكافح الخرافة، حتى لا يستفحل رجلُ الديّن، إلّا أنّ خروج داعش كان بمثابة رفع (الغطاء) كلّه عن متراكم التّاريخ والسياسة والخرافة واستمناء العقائد والاستغلال.

ثالثاً: داعش حطّمت أكبر الأوهام العربيّة، منها: وحدة الأرض والتاريخ، العروبة، القومية، واستعاضتْ عن ذلك بـ(الاشتراكية)، إذْ أنّ معيار المواطنة وفق تعاليمهم هو (التقوى).

رابعاً: ظهرتْ طائفةٌ من أدعياء الثقافة بعد زوال داعش، تحاولُ وضع (داعش) فكراً وتاريخاً وعقيدةً في خانة ممّن في قلوبهم زيغٌ، فأخذ هؤلاء الأدعياء يمارسون الأصوليّة/ الأسلمةَ على المعرفة والثقافة والفنون، ومنها منظّمات المجتمع المدنيّ التي ترقص مكشوفةَ العورة، تسّوق التنمية البشريّة وتروّج لها، وهي منطلقة في الأصل من إطارٍ معرفيّ بنيويّ (مادّي)، لذا اصطدم كثيرٌ منهم لحظة النتائج، يريدونها (مُتأسلمة)، وهي غير ذلك.

خامساً: انتشار ظاهرة الاستهزاء بالأديان والمقدّسات بلا سببٍ أو منطقٍ، فالمتنوّر الحقيقيّ والمثقّف هو الذي يحترم الجميعَ أدياناً وقوميّات ومذاهب، فأنْ تكون سبّاباً لعّاناً، فهذا أوّل السقوط أمام ماكناتهم العقائديّة، والأخلاقية.

سادساً: ما يجري الآن في الموصل، وأعني حياة المجتمع، فهم بين منفكّ عن الدّين هروباً من تكاليفه، وبين ثائرٍ لا يدري – هو شخصيّاً – لماذا يكره (داعش)، وبين ملحدٍ يكابرُ في إلحادِه، فإذا ما دخلتَ معه نقاشاً حول بدائل إزالة فكرة الإله، اتّهمك بالأصوليّة، وربّما يحاكمك وفق مقدّسه الشخصيّ.

سابعاً: أمواج الشّباب الموصلي، معظمهم وليس كلّهم، لا يميّزون بين ردّ الفعل والانعكاس، لديّ الآن مطرقة وقطعة نحاس، سأضربها، ردّ الفعل: أنْ تعود المطرقةُ إليّ، الانعكاس: أنْ أُحدِث أثراً في قطعة النحاس.

Exit mobile version