المدينة القديمة ونظرية المؤامرة

يكاد يجمع اهالي مدينة الموصل ان المدينة القديمة في جانب الموصل الايمن تعرضت لاحدى اكبر عمليات التدمير الممنهج من قبل التحالف الدولي ابان تحريرها من قبضة تنظيم داعش الارهابي
وان سألت عن سبب تعمد الطيران الدولي قصف هذه المدينة بهذا الكم الهائل من الصواريخ جاءتك اجابة المواطن الموصلي ” ان السبب هو محو تاريخ وحضارة الموصل التي تمثلها المدينة القديمة ”
لا انكر ان المدينة القديمة كادت تمحى من خارطة الموصل بل ويجمع العالم بأسره ان ما حدث هناك كارثة انسانية بكل المقاييس لكن دعوني اطرح بعض التساؤلات المشروعة
كلنا نعلم ان تنظيم داعش وقبل انطلاق معارك تحرير الموصل نقل كل قادته وعوائل عناصره الى الجانب الايمن ولم يترك في الجانب الايسر الا بعضا من العناصر التي كأنها تعمدت الانسحاب امام القوات العراقية والاعتماد على العجلات المفخخة وقذائف الهاون دون مواجهات مباشرة او حرب شوارع بالحجم الذي توقعه المحللون العسكريون الا في مناسبات قليلة
الا تبدو هذه الخطوة وكأنها متعمدة من التنظيم لحصر المعركة الاخيرة في جانب الموصل الايمن ؟
ألم يتساءل احد اين عوائل عناصر داعش ؟ كيف اختفوا من الجانب الايمن وتحول كل القتلى هناك الى مدنيين فقط ؟
الحقيقة ان عوائل داعش كانت من الكثرة بحيث انه من المستحيل ان يكون كل قتلى الحرب مدنيون عزل
ان جثث عناصر التنظيم الهائلة العدد المنتشرة في المدينة القديمة لهي مؤشر ان داعش اراد مشهدا ختاميا سينمائيا كما هي عادته وانه اختار المدينة القديمة كعملية انتحارية ختامية اكمل فصولها بتفجير منارة الحدباء والجامع النوري الذي يتعمد الكثيرون الترويج انه تم قصفه ويتباكون عليه متناسين ان المنارة الحدباء قبل عام ٢٠١٤ كانت مهملة بالكامل وتوشك على السقوط بسبب الاهمال وان المنطقة المحيطة بها كانت من احد جوانبها مكبا للنفايات
ان تكلمنا عن الحضارة فحضارة الموصل في جانبها الايسر وثقلها التاريخي في سورها الاثري ومملكة اشور التي ترقد في اعماق ارضها فلماذا تم تحويل الاهتمام الى منازل الموصل القديمة واعتبارها تراثا عالميا بدل الاثار الحقيقية التي فجرها داعش وهرب الجزء الاثمن منها الى الخارج
المدينة القديمة ليست معقل اهل السنة كما يروج البعض وليست حلب .. المدينة القديمة تحوي نسبة كبيرة من عرب الموصل واكرادها وحتى تركمانها وليس عوائلها الاقحاح فقط فحصر سكانها بالسنة كأنه ترويج انها مدينة دينية رغم عدم وجود اي رمزية دينية لها
لا احد تآمر على المدينة القديمة ولم تتعمد القوات العراقية تدميرها بل انها وبكل بساطة لم تملك خيارا امام تعمد داعش التحصن بها واتخاذ سكانها دروعا بشرية كما ان جغرافيتها المعقدة وتجمع العوائل باعداد كبيرة في مكان واحد جعل القصف هو الخيار الوحيد لزعزعة داعش رغم كون هذا الخيار تدميريا لا نجاة منه . لا ابالغ ان قلت ان القوات العراقية لو دخلت المدينة القديمة دون استخدام الطيران لتمت ابادتها ولاستمر الحصار اشهرا دون جدوى
ان بقينا ننظر للعالم انه متآمر علينا فلن يكون لنا مستقبل فكل العالم يملك حضارة وتاريخا بل ان تراثنا وتاريخنا يحميه العالم اكثر منا ولا احد بحاجة لتدمير منازل قديمة ومجرد التفكير بهذه الطريقة مؤشر على كمية الشر الذي يستوطننا تجاه بقية العالم
هذا العالم الذي نظن انفسنا افضل من بقيه قاطنيه ونعطي انفسنا الحق لنكون متطرفين تجاهه
ان اولى خطوات اعادة الحياة الى الموصل هو غسل كل الافكار المتطرفة من ادمغة ابنائها وهذا لن يتحقق الا بالاعتراف بأننا لسنا ملائكة ولسنا شعب الله المختار وان العالم ليس عدوا لنا واننا نتحمل جزءا من المسؤولية تجاه ما حصل لمدينتنا وعلينا تحمل هذه المسؤولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى