هل تشعر الموصل بالإدانة بسبب جائزة نوبل؟
ليكن السؤال صريحا، لماذا يشعر البعض أن منح نادية مراد جائزة نوبل للسلام يعد إدانة للموصل؟
في زحمة الضجيج العالي لأصوات المحتفلين بهذه المناسبة والمرتابين، يضيع مثل هذا التساؤل، نعم ثمة مرتابون عبروا عن آرائهم بأساليب شتى، لكنهم متفقون في النهاية على ضرورة تبرئة الموصل من التهمة، تهمة الدعشنة بكل ما فيها من جرائم قتل وخطف وإغتصاب وسرقة والتي سوقتها “الدولة الإسلامية” بسليفون محاربة الكفار والمرتدين والسبي والغنائم.
قبل كل شيء هل الموصل بريئة حقا؟
أية محاولة للإجابة تشبه التحليق في جو عاصف، في المحاولة الكثير من المطبات الهوائية التي يفغر لها ركاب الطائرة أفواههم من الخوف.
الجواب: نعم ولا.
لقد أصبحت الموصل بوصفها حجر الدومينو الأول، إذ سقطت في حزيران/يونيو 2014 بيد داعش لتتهاوى وراءها عشرات المدن والبلدات، والنعم هذه تأتي قبل هذا السقوط وبعده.
لا حاجة لإستعراض مرحلة التحول الدراماتيكي سياسيا وأمنيا واجتماعيا واقتصاديا بعد عام 2003، يكفي أن نشخص ظاهر رفض كل ما جاء به “الإحتلال الامريكي”، رفْس العملية السياسية برمتها، هذا موقف حزب البعث والغالبية العظمى من ضباط الجيش العراقي السابق (50 ألف من الموصل وحدها) والأجهزة الأمنية المنحلة، ومن خرج عن هذا الاستثناء وانخرط في العمل السياسي أو انتمى للحرس الوطني (نواة الجيش العراقي الجديد) أو الشرطة وغيرها من الأجهزة والقوات الأمنية، أصبح في مرمى النيران.
وهنا اللوم لا يقع على الموصل وحدها، إنما السياسات الإنتقامية التي أفرزتها الطبقة السياسية الجديدة التي قبضت على الحكم في “العراق الجديد”، خاصة حل الجيش والأجهزة الأمنية وسياسية الإجتثاث التي أكلت الأخضر واليابس معا، بالتالي أُُخذ الكثير من الأبرياء بجريرة المجرمين، ما أثار ردات فعل ضد الوضع الجديد في البلد. هناك جانب كبير من الصحة في القول إن الموصل دُفعت نحو هذا الموقف وفي رأيي هذا لا يبرء المدينة من المسؤولية، لقد سيطرت العاطفة علينا، وطالما عُلقت سمعة أبرياء على شماعة العمالة للإحتلال، ثم انتهى بهم المطاف الى القتل.
من هذه الثغرة تسلل التطرف الديني الى المدينة حتى سيطر عليها تماما، فالوضع السياسي والفراغ الأمني والمزاج الإجتماعي قد وفر بيئة مناسبة لنمو واستفحال الإرهاب، وأصبحت المجاميع الإرهابية دولة عميقة بعد انسحاب القوات الأمريكية عام 2011، ومنذ ذلك الحين قالت الدولة الاسلامية (داعش) كلمتها على الجميع، وبعد سيطرتها على المدينة وتوابعها، وقعت المكونات الدينية (المسيحيون والأيزيديون والشيعة) ضمن اطار استهدافها، لكن هذا لا يعني أن السُنة من الفرقة الناجية، البلاء أتاهم مضاعف، مرة على مقصلة إقامة الحدود ومرة على مقصلة العمليات العسكرية.
وحتى لا نبتعد أكثر عن قضية نادية مراد، أحاول أن أضع نفسي في موقفها، هي فتاة إختطفها مقاتل “مسلم سني” واغتصبها في أحد منازل الموصل، ثم إكتشفت لاحقا أن والدها وعددا من أفراد عائلتها قتلوا وأختطفوا على أيدي التنظيم، تنظيم إسلامي سُني أيضا وبعض عناصره من العشائر العربية والتركمانية القريبة من سنجار.
كيف تقنعها إذن ببراءة هذه المدينة، لا يمكن ذلك، ما لم تثبت المدينة لنادية ولجميع المختطفات والمسيحيين والشيعة الذين فقدوا ممتلكاتهم، أنها قادرة الآن على استيعاب المختلف، ليس بالشعارات فقط. وأعتقد أننا نحتاج الى أشواط طويلة لنعيد الثقة مرة أخرى.
الموصل الآن مشغولة بلعق جراحها ولن تقف على قدميها مجددا قبل مرور بضع سنوات، وحتى ذلك الحين يجب أن نتخلى نحن أبناء المدينة، عن فكرة نظرية المؤامرة، منح نادية مراد جائزة نوبل للسلام لا أراها إدانة للموصل وأهلها ولا مؤامرة ضد الإسلام، حتى الشاب الذي إنتشرت صوره فيسبوكا تحت عنوان منقذ نادية، وقد تعالت الأصوات المطالبة بمنحه الجائزة لأنه أحق بها، جاءت رواية أخرى لتقول إنه داعشي! فصمت الجميع فجأة. لقد ضاع قدر كبير من الحقيقة في هذه المعمعة.
الغالبية العظمى من المختطفات تم تحريرهن بالمال، اي شراءهن بأموال باهظة، وهذا الملف ربما يفتح مستقبلا.
أما نادية فلا أشك في شجاعتها وقضيتها الإنسانية، ونجحت في إيصال صوتها وأصوات آلاف المختطفات. نحتاج أن نتبنى قضية محاربة التطرف في الموصل بشجاعة لكي نربح السلام لا الجوائز.