Site icon المنصة

أضيق شارع في العراق تغلب عليه سيروهوف الألماني

المنصة – أيوب حسن

بدينا كنت أم نحيفا، كبيراً كنت أم صغيراً، سينطبق عليك القانون ذاته في دخول “الدربونة الضيقة” الشارع الأضيق في العراق على الاطلاق الذي لا يتجاوز عرضة (45 سنتمتر) والواقع في منطقة الكسرة وسط بغداد.
الشارع الشهير في المنطقة هو اشبه ما يكون (شرخاً) وسط الجدران المتقاربة والأبنية المتراصة مع بعضها البعض في منطقةٍ قديمة يعود تاريخ جزء من معالمها إلى القرن التاسع عشر الميلادي.
المنطقة التي يقع فيها الشارع هي منطقة شعبية بسكانها ومعالمها، وتمتد بجوار منطقة الاعظمية احدى اقدم مناطق بغداد إذ نافس في دخوله موسوعة غينيس للأرقام القياسية شارعاً شبيهاً له في ألمانيا يحمل اسم سبروهوف بعرض (31) سنتمتراً في أضيق نقطة له هو الأخر.
أسمه الشائع بين أهالي المنطقة هو “الدربونة الضيقة” ويقع وسط سوقٍ شعبي يحمل بين أزقته تنوعاً سكانياً لمختلف شرائح المجتمع، وتشابك في مختلف المِهن وعند المرور فيه يجب الانتباه خشية أن يمر شخص آخر في الاتجاه المعاكس فيضطر احد المارة الى التراجع لحين مرور الشخص الآخر، فالمكان يكفي لمرور شخص واحد فقط.
“ارجوك افسح المجال لمرور جارتي فالمكان لا يتسع لشخصين” قال أبو نور احد سكان الشارع لمراسل المنصة الذي لم ينتبه لوجود السيدة وهي تقف في نهاية الزقاق بانتظار خروج الزائر الغريب.
“الشق العميق” الذي يتوسط بنايات ومحال السوق، يحمل بين انحناءاته الضيقة الرطبةِ عشرات المنازل لعائلات عدة بعضها سكنته لأنها ورثت المنازل عن الآباء والاجداد وأخرى تقطنه بسبب انخفاض اسعار استئجار المنازل الصغيرة فيه، كونها تعود لأصحاب أملاك كانت تسمى في السابق (عرصات)، يسكنها الناس البسطاء مقابل مبالغ زهيدة.
“هل تصدق أني أخرجت والدتي حين وفاتها محمولة بشرشف من باب منزلي حتى الوصول إلى بداية الزقاق” يقول أبو نور بحزنٍ هادئ، فهو لم يستطيع إدخال التابوت والمشيعين إلى منزله لإقامة مراسيم تشييع جنازة والدته إلا بنقلها هو وولده عبر الزقاق الضيق وصولاً إلى شارع السوق ومن هناك بدأت مراسم التشييع.
في هذا المكان تقترب أحجار الطابوق القديم من جسدك وأنت تسير داخله، وتنقل لك بالحرف الواحد كل ما يجري داخل منازله المليئة بالقصص والروايات فانت تسمع كل ما يدور فيها دون قصد، وعند الوصول الى سط الطريق وأثناء المسير بحذر ينتابك الإحساس بضيق التنفس وكأن جدران المنازل ستنطبق عليك.
مشكلات الأثاث والتجهيزات المنزلية هي الأخرى كانت لها حصة من القصص المتعبة والطريفة في الوقت ذاته، لكن متاعبها غلبت على طرافتها في معظم الأحيان كما يروي أبو عدي في حديثه لنا عن قصة ثلاجة منزله، والتي عرف قضيتها القاصي والداني من سكان الحي، حين اضطر إلى نقلها بحملة شعبية عبر أسطح المنازل القريبة من شارع السوق حتى أوصلها سطح منزله، ثم اضطر إلى تهديم جزء بسيط من سطح المنزل لإنزالها إلى الداخل.
الزقاقٌ الضيق، تعلوه أجهزة التبريد التي يسير المارة تحتها فتبدو وكأنها جسور صغيرة، وتتزاحم أسلاك الكهرباء الممتدة من “المولدات” على جدران منازله التي لا تدخلها الشمس حتى باتت امراض الربو وهشاشة العظام والزكام وغيرها مُعتادة لدى ساكنيه.
يتحدث احمد احد قاطني الزقاق الضيق عن يوم زفافه وما سبقه من أحداث درامية قائلاً “غرفة الأثاث التي اشتريتها قبل زواجي استغرق وصولها وتركيبها أربعة أيام، نقلتها قطعاً صغيرة ثم ركبتها داخل غرفتي المتواضعة، اما عروسي فقد سارت خلفي في الزقاق يوم زفافي لعدم قدرتنا على السير معا مثل باقي العرسان”.
تسير حياة سكان “الدربونة” بشكل طبيعي كما هو الحال في بقية المناطق المحيطة بها، لكن بخصوصية عالية وقوانين خاصة يتم فيها الأخذ بالحسبان لكل اجراء وتصرف وعمل وخطوة من الخطوات المعتادة لسير الحياة اليومية.
أبو علي القصاب هو احد سكان الشارع الضيق يقول “كل من في هذا الشارع يعلمون بوقت عودتي من العمل، فما أن اقترب من احد شبابيك أو أبواب أي منزل في زقاقنا حتى اسمع عبارات التحية من الناس، وكأن الجميع يشم ملابسي التي تفوح منها رائحة اللحم ومخلفات العمل، وأصوات العٌدة التي احملها معي من السكاكين والسلاسل ذهاباً واياباً”.
روائح أخرى يمكن شمها داخل الزقاق هي روائح الأطعمة التي يعدها السكان لوجبة الغداء والعشاء بشكل يومي فرائحة الباذنجان والرز واللحم تملأ المكان متسربة من الشبابيك الصغيرة على الجانبين.
وبين تلك المشاهد أبواب مفتوحة للنصف تخرج منها رؤوس مُبتسمة وبسيطة لنساء ورجال يدعون الغرباء للدخول الى منازلهم الصغيرة الحجم والمتواضعة في المحتوى لتقديم الشاي والحديث عن سيرة حياة أضيق شارع في العالم والذي يبدو وكأنه “شرخ” في جدار، وينتهي بفتحة ضيقة لشارع أخر وقصص أخرى.

Exit mobile version