الخان والمقبرة والتوراة… أماكن تروي تاريخ اليهود في الكوت

المنصة – محمد الزيدي

 

وسط قضاء الحي الواقع جنوبي مدينة الكوت يقع “خان اليهود” آخر ما تبقى من آثار يهود العراق الذين كانوا يسكنون القضاء في وقت سابق ، بناية الخان المتأكلة من الخارج تعكس طرازاً معمارياً للحياة الثقافية والدينية السائدة آنذاك وعراقة الارث الحضاري لبلاد الرافدين.

لا يخفِ الحاج الطاعن في السن “فرهود الريس” تأثره وهو يتذكر كيف كان زميله الطالب اليهودي “عزرا” يجلس إلى جانبه على مقاعد الدراسة الابتدائية في مدارس قضاء الحي (30 كلم) جنوبي الكوت، لا شيء كان يفرق بين أبناء الطائفتين اليهودية والمسلمة آنذاك

“صداقات وعلاقات اجتماعية وتزاور تعايشنا معهم وهذا التعايش امتد لسنين طوال، وسط الحي الذي يحنُّ له من اغترب من يهود المدينة ” يقول الريس الذي يبلغ من العمر سبعين عاماً.

ربما لم يكن يتصور من بنى الخان، بأن أيادي الزمن ستهدمه بعدما احتضنت جدرانه باطن الأرض وانخفض مكانه بشكل ملحوظ عن السابق، وهذا المكان هو احد ثلاثة شواهد مما تبقى من آثار اليهود في قضاء الحي التي تحولت إلى خربات.

هاجر يهود الحي من المدينة أواخر أربعينيات القرن الماضي بعدما اسقطت جنسيتهم العراقية، وتركواً مقبرة وخاناً ومعبداً يسمونه “التوراة” يحتوي على اكثر من محراب باتجاه الشرق، وكان بجانبه داران يقطنهما الحاخام وخادم المعبد.

أما المقبرة المذكورة فدفن فيها رفاة خمسين يهوديا وهي تقع في الحي العصري ولا تزيد مساحتها عن مائة متر مربع، وهي مفتوحة من جميع الجهات إذ لا يحيط بها أي سياج من جانب من جوانبها الأربعة وتنتشر فيها الازبال والاوساخ.

الآثار اليهودية التي أتى عليها الزمن وأخذ منها بريق رخامها الأبيض الناصع، أمست بنياناً مجهولا ًبلا هوية ومنها نجمة داود والعمارة اليهودية العتيقة داخل الخان اليهودي.

وبعد عشرات السنين من تهجير اليهود لاتزال بناية “خان اليهود” قائمة حتى اليوم، بعدما كانت عبارة عن محال تجارية مخصصة لبيع أنواع الأصواف والحبوب، وقتما كانت هي التجارة الرائجة آنذاك، فيما لايزال مالك الخان حياً حتى يومنا هذا بحسب عبد الله البندر المؤرخ الذي ينحدر من قضاء الحي .

وبينما يؤكد البندر اندماج العائلات اليهودية مع المجتمع الاسلامي آنذاك يقول بأن” الخان المكون من اثنى عشر محلاً تجارياً استؤجر في ثمانينيات القرن الماضي من قبل العمال المصريين الذين تواجدوا في الحي، وكانت مبالغ الإيجار تودع في حساب خاص لدى مصرف الرافدين باسم الأموال المجمدة ” مشيراً بأن العوائل كانت” تتزاور فيما بينها ولا تفرق بين يهودي ومسلم”

واسقطت الجنسية عن اليهود العراقيين وفقاً للقانون رقم 1 لعام 1950 ورقم 12 لعام 1952، ورغم أن الدستور العراقي الحالي في المادة 18 منه حضر إِسقاط الجنسية وأجاز استعادتها، الا أن قانون الجنسية العراقية لعام 2016 استثنى المشمولين بأحكام هذين القانونين، ما يعني عدم موافقته لاستعادة الجنسية لليهود العراقيين .

وبعد سبعين عاماً على ترحيلهم لايزال أبناء مدينة الحي يتذكرون بعضاً من الشخصيات اليهودية “عزرا وعبد الله سمرة، ومشعل، وميخا، وشاهول” أسماء لتجار يهود كانوا يعرفون على صعيد السوق، ويمتلكون خبرة كبيرة في تجارة الاصباغ المستخدمة في صناعة السجاد، حسبما يقول المؤرخ الواسطي.

ويبلغ عدد العائلات اليهودية التي تسكن في الكوت ثمانين عائلة موزعة بين مدينتي الكوت والحي، وفقاً لما يقوله العطار الطاعن في السن حميد التميمي ، والذي يشير الى أن رجال معظم تلك العائلات كانوا يتخذون من العطاريات مهنة لهم، فيما تمتهن نسائهم خياطة الملابس النسائية .

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. I believe this is among the most vital information for me.
    And i am glad reading your article. However should observation on some general things, The
    website taste is ideal, the articles is truly excellent :
    D. Good job, cheers

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى