آخر المصابين بالجذام في العراق يروي ذكرياته عن اقدم مستعمرات العزل

 

 

المنصة – مهدي الساعدي

 

اسعفته الذاكرة على تذكر الكثير من المواقف، رغم انه ربط السنوات بحوادث اشتهرت بها لعدم معرفته التواريخ الرقمية، فيما تركزت ذاكرته على حوادث مرت في بيئته المنعزلة لأنه قضى الجزء الأكبر من عمره فيها، انه آخر المصابين بالجذام في العراق.

غزاي ناصر ضاحي كان الشاهد الحي الوحيد على اول واقدم مأوى صحي في الشرق الاوسط لعزل و معالجة المصابين بأخطر الأمراض الجلدية في زمانه، وهو مرض الجذام إذ كان يوصف المصابين به بأبشع الأوصاف.

الرجل المسن المولود في مدينة الناصرية لا يعرف تاريخ ميلاده بالتحديد فهو لا يملك هوية رسمية تثبت ذلك، إذ أصيب بمرض الجذام و نقل على اثره إلى مستعمرة الجذام في مدينة العمارة، و التي شيدت عام 1920 لعزل المصابين بالمرض فيها خوفا من انتشار المرض آنذاك.

غزاي الذي رسمت على وجهه علامات فتك الجذام، و أولها فقدان البصر و الأطراف و التشوهات التي بقيت أثارها على وجهه، يقول “اصبت بالمرض في منتصف ستينيات القرن الماضي وعشت في مستعمرة العزل منذ ذلك الوقت”.

يقول الدكتور راضي الساعدي اخصائي الأمراض الجلدية في مدينة العمارة، الجذام من الأمراض المزمنة، يصيب جميع اجزاء جسم الانسان و يتركز في الجلد، تسببه بكتريا عصوية تنتمي لنفس العائلة التي تسبب مرض التدرن تدعى عصيات الجذام.

المرض يسبب تآكل أجزاء الجسم مثل الأنف و الأطراف بسبب تأثيره على نهايات الأعصاب، و يسبب عتمة العين يعزل المصاب به في الحالات الحادة أو البدائية التي

تسبب انتقال المرض، الذي كان علاجه بدائيا و الان تتواجد له علاجات حديثة، بحسب الساعدي.

يقول غزاي “عشت محنة حقيقية ونجوت من موت مؤكد انا ورفاقي من كبار السن و فاقدي البصر، وعددهم عشرين مصابا، بعد مهاجمة المدينة من قبل قوات الحرس الجمهوري عام 1991 أيام انتفاضة أهالي المدينة ابان حرب الخليج، إذ تم تهريبنا خلسة من المستعمرة من قبل أحد أهالي المناطق المجاورة”.

ويضيف “لم اكن اعرف شيئا عن مصير رفاقي الذين بقوا داخل المستعمرة، والذين يقدر عددهم بالمئات من جنسيات مختلفة، اسوة بالكثير من أهالي المدينة و بقي مصيرهم مجهولا حتى هدم المستعمرة بعد الحرب ثم التقينا بعد ذلك”.

مستعمرة الجذام في منطقة البتيرة شمالي مدينة العمارة، التي تقع في جزرة وسطية اعتلت النهر، تحولت لاحقا الى أراضي زراعية بعد هدم المستشفى عام 1991 .

نقل غزاي و رفاقة رجالا و نساء، بعد أن ابلغ المواطنون عن وضعهم الصحي و حاجتهم إلى الرعاية إلى محافظة البصرة، التي بدورها اعتذرت عن استقبالهم بدعوى عدم توفر مستشفيات لعلاج الجذام.

عدم وجود مأوى صحي لهم في المحافظة أدى الى تشييد بيوت حديدية (كرفانات) في أطراف مدينة العمارة من جانبها الشرقي ثم الى منزل شيده أهالي المدينة قرب ثكنة عسكرية عام 1993.

خطر آخر هدد حياة غزاي و رفاقه، تمثل بقصف طائرات التحالف للثكنات العسكرية القريبة منهم في أحداث عام 2003، و ما سببته من خوف أهالي المدينة من سقوط البيت عليهم بسبب شدة القصف.

بعد سقوط النظام و توافد المنظمات المجتمعية الدولية، قامت إحدى المنظمات اليابانية بأجراء فحوصات للمصابين، فاكتشفوا انتهاء إمكانية الاصابة بالعدوى منهم.

تقدم المصابين بالسن و ضعف بنيتهم وآثار المرض، كانت عوامل مشتركة بينهم وأدت الى وفاتهم الواحد تلو الآخر ولم يبقى منهم سوى غزاي، تاركين خلفهم الذكريات و المواقف الجميلة مع صديقهم و رفيق دربهم ليبقى وحده، في منزل حمل أجمل مواقف محاربة المرض و الانعزال بحب الحياة.

لم يكن لغزاي سوى قرار الرحيل والعودة إلى أهله و ذويه بعد رحله دامت أكثر من خمسين عاما وانتهت فصول مرحلة طويلة من حياته، أما عائلته التي بدت سعيدة بلقائه فأمامها شوط طويل من أجل الحصول على هوية رسمية تثبت وجوده في الحياة.

 

مقالات ذات صلة

‫22 تعليقات

  1. Very good blog you have here but I was curious about if you knew of any forums that cover the same topics discussed here?
    I’d really love to be a part of community where I can get feedback from other knowledgeable individuals that share the
    same interest. If you have any recommendations, please let me know.

    Appreciate it!

  2. Hi, I do think this is an excellent web site.
    I stumbledupon it 😉 I will return yet again since I book-marked it.

    Money and freedom is the best way to change, may you be rich and
    continue to help other people.

  3. Hi! I’ve been reading your web site for some time
    now and finally got the courage to go ahead and give you a shout out from Lubbock Texas!
    Just wanted to say keep up the good work!

  4. Great post. I was checking continuously this blog and I am impressed!
    Extremely helpful information specially the last part 🙂 I care for such info much.
    I was looking for this certain info for a long time. Thank you and best
    of luck. quest bars http://bit.ly/3C2tkMR quest bars

  5. An impressive share! I have just forwarded this onto a co-worker who had been doing a
    little homework on this. And he actually ordered me lunch because
    I found it for him… lol. So let me reword this…. Thanks for the
    meal!! But yeah, thanx for spending some
    time to talk about this issue here on your web site.
    ps4 https://j.mp/3z5HwTp ps4

  6. I blog often and I truly appreciate your content.

    Your article hhas rewally peaked my interest. I’m going to book mark your
    site and keep chrcking for new details about once a week.

    I subscribed to your Feed ass well.

  7. Excellent beat ! I would like to apprentice while you amend your website, how could i
    subscribe for a blog website? The account helped me a acceptable deal.
    I had been a little bit acquainted of this your broadcast provided bright
    clear idea

  8. Hi there, just became aware of your blog through Google, and found that it’s really informative.
    I am going to watch out for brussels. I’ll be grateful if you continue this in future.
    Numerous people will be benefited from your writing.
    Cheers!

  9. I like the helpful info you provide in your articles.

    I will bookmark your weblog and check again here
    regularly. I am quite certain I will learn many new stuff right
    here! Good luck for the next!

  10. My brother recommended I might like this blog. He was totally right.
    This post actually made my day. You can not imagine simply how much time I had spent for
    this information! Thanks!

  11. Great beat ! I would like to apprentice while you amend
    your site, how can i subscribe for a blog web site? The account aided me a acceptable deal.
    I had been a little bit acquainted of this your broadcast provided bright
    clear idea

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى