انتحار وبطالة وعنف اسري وتخلٍ عن أطفال … ماذا فعل “كورونا” بنا؟

“اسمه ديار، عمره شهر واحد، لا أستطيع تربيته لأنني لا أملك نقوداً”. هذا مضمون ما كُتب باللهجة العراقية على قصاصة ورق دُست في بطانيةٍ قُمِط بها رضيعٌ في أسبوعه الرابع، عثرت عليه الشرطة ملقى على الأرض في زقاق ضيق في حي الشفاء الشعبي في المدينة القديمة في الموصل شمال العراق صباح 20 نيسان/ أبريل المنصرم.

حظر التجوال لمواجهة فايروس “كورونا”، ضيّق الخناق على حوالى مليون و800 ألف مواطن يعيشون في تلك المدينة التي تعاني في الأصل من تعطل شبه كامل للحركة الاقتصادية جراء غزو “داعش” لها ومن ثم حرب تحريرها منه والتي انتهت منتصف 2017 بدمار كبير طاول غالبية بناها التحتية.

ضابط برتبة نقيبٍ في شرطة نينوى المحلية، ذكر أن أوراق الطفل ديار أحيلت بناءً على أوامر قضائية إلى مديرية حماية الأسرة والطفل لمتابعة الإجراءات القانونية بشأنه. لكن لتوفير العناية المناسبة له تم تسليم حضانته موقتاً إلى مستشفى البتول التعليمي للنسائية والتوليد.

يقول الضابط، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إنه شهد بحكم عمله خلال الأشهر المنصرمة حالات نبذ لأطفال في المدينة، كلها كانت لحديثي ولادة لم يتجاوزوا بعدُ يومهم الأول أو الثاني والتخمين يكون في العادة أن الطفل ولد خارج فراش الزوجية وتم التخلص منه بتلك الطريقة. غير أن حالة الطفل ديار مختلفة لأن عمره شهر ومعه دليل إثبات كتابي بخط أحد الوالدين بأن سبب التخلي عنه معيشي لعدم قدرتهما على تحمل تكاليف رعايته.

حالات متكررة

وبأسلوب النبذ ذاته، باستثناء قصاصة الورق، عثر عناصر من فوج الطوارئ التاسع في منطقة الموصل الجديدة في وقت مبكر من صباح يوم الثلاثاء 28 نيسان على طفلة رضيعة لا يتجاوز عمرها أسبوعاً واحداً. لفت هي الأخرى ببطانية ووضعت في مكب للنفايات.

يقول رجل الأمن الذي عثر على الطفلة بحزن بالغ: “كانت نائمة بوداعة عندما وجدتها فوق أكياس النفايات بالقرب من جدار فصل الشارع عن أرض متروكة تكثر فيها الكلاب السائبة… لا أعرف ماذا كان سيحدث لها إن كنت تأخرت قليلاً في الوصول اليها”.

وذكر أن زملاءه خاضوا تجربته هذه قبل نحو شهرين مع طفلة رضيعة عثروا عليها مرمية على الأرض في حي التنك غرب الموصل، وكانت القطط نهشت وجهها فاضطروا إلى نقلها إلى المستشفى العام وقد تعافت ونقلت من هناك قبل يومين إلى دار الأيتام في منطقة الزهور.

ثم استدرك بنبرة قلق: “لا أفهم لمَ يلقون بأطفالهم في مكبات النفايات وعلى الأرصفة. ألا ليس في قلوبهم ذرة رحمة تجعلهم في الأقل يضعونهم أمام باب دار للأيتام أو جامع؟”.

مديرية الرعاية الاجتماعية في محافظة دهوك في إقليم كردستان أعلنت عبر مديرها شيرزاد حميد، استعدادها لإيواء الطفلة الرضيعة ودعا الحكومة المحلية في نينوى إلى تسهيل نقلها الى دائرته لتقدم الرعاية اللازمة لها.

يأتي ذلك بسبب عدم امتلاك دار الأيتام في الموصل المقدرة على حضانة اطفال بمثل هذا العمر ولهذا تجري العادة بتسليم من يعثر عليهم إلى مستشفى النسائية والتوليد لرعايتهم موقتاً، لكن يكتنف هذا خطورة في الوقت الراهن بسبب فايروس كورونا.

إثر تداول الأخبار بشأن الأطفال المنبوذين في الموصل ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بدعوات موجهة إلى الحكومتين المحلية في نينوى والمركزية في بغداد بضرورة، قيامهما بإجراءات لتخفيف القيد الصارم على الحركة، كرفع حظر التجوال الاحترازي من “كورونا” ومنح مساعدات عاجلة للعائلات المعدمة والإسراع بتعويض المتضررين جراء الحرب الأخيرة والتي تقدر المعاملات المروجة بشأنها والتي لم يحصل أصحابها على أجوبة بحدود الأربعين ألف طلب تعويض.

أبدى نوابٌ ومسؤولون عبر حساباتهم الرسمية استعدادهم لتبني الأطفال، ما أثار جدلاً واسعاً، ووجهت إليهم انتقادات كثيرة لمحاولتهم التعامل مع النتائج من دون تقديم مقترحات لمعالجة الأسباب خصوصاً أنهم قادرون على اتخاذ القرارات أو تشريع القوانين اللازمة بذلك.

واستغرب المحامي باسل مختار المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية من جهل بعض النواب الممثلين لمحافظة نينوى وهم أعضاء في أعلى سلطة تشريعية في البلاد بالقوانين السارية، كونهم لا يعرفون بأن القانون العراقي لم يقر التبني وإنما أقر(الضم) وبشروط عدة بحسب قانون رعاية الاحداث رقم (76) لسنة 1983 النافذ.

وهو يختلف عن التبني من حيث أن المضموم لا يدخل ضمن العائلة بكل الحقوق، فهو لا يرث كالابن المتبنى في قوانين أخرى وإنما يوصي له الضامان وصية ويشترط بها أن تكون أقل من الحصة المفترض للابن العادي في التركة، وهذا بحسب المادة (43/ثانياً) من القانون ذاته.

بطالة غير مسبوقة

قبل الإجراءات الاحتياطية لمواجهة “كورونا” كانت الموصل تعاني من ارتفاع غير مسبوق في مستوى البطالة زاد عن 70 في المئة، بحسب هيام إلهام عضوة مجلس محافظة نينوى المنحل، بسبب تدمير الحرب للأسواق الرئيسية إضافة الى تعطل المعامل والمشاريع الانتاجية الحكومية والخاصة وتأثر قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والمواصلات.

جميلة غازي، أرملة في عقدها الرابع تعيش مع أطفالها الثلاثة في بيتٍ متهالك بحي العكيدات غرب المدينة، لم تكن دفعت بدل الإيجار للشهر الثاني على التوالي وتعتمد على السلال الغذائية التي يجود بها المُحسنون في إطعام صغارها والصمود بوجه الفقر المدقع، تنهدت وهي تسمع بقصة تخلي عائلة أخرى عن رضيعها، وقالت وهي تتأمل صغارها المنخرطين في اللعب: “لا يمكن أن أتصور حياتي من دون أي واحدٍ منهم”.

وأضافت وهي تهم بالوقوف بصعوبة على قدميها: “لقد نجونا معاً من الموت خلال الحرب، وسننجو معاً من الجوع وكورونا أيضاً”.

وتواجه حوالى مليوني أرملة ومطلقة في بلد مرَ بسلسلة حروب خارجية وصراعات داخلية أوضاعاً معيشية قاسية في ظل غياب دعم الدولة وقلة رواتب الرعاية الاجتماعية التي تبلغ 100 ألف دينار للفرد شهرياً أي نحو 84 دولاراً وتعطل توزيعها بين فترة وأخرى.

تزايد حالات الانتحار

مصادر العيش التي تعرقلت مساراتها والحجر القسري للعائلات في مساكنها لما يقرب من شهرين، تمخضت عنها حالات انتحار في أوقاتٍ متقاربة، ليس في الموصل وحسب، وإنما في مدن عراقية أخرى، بقي بعضها طي الكتمان ولم تتجاوز نطاق جدران المنازل أو الأحياء التي وقعت فيها وأخرى تردد صداها على مستوى البلاد.

ففي الموصل وبعد أكثر من شهر على فرض حظر للتجوال الذي تراوح بين كلي وجزئي والتوقف التام للغالبية العظمى من قطاعات الأعمال تمكنت الشرطة النهرية يوم 21 نيسان الفائت من إنقاذ رجل يبلغ من العمر 49 سنة، بعد لحظاتٍ من إلقاء نفسه في نهر دجلة من فوق الجزء غير المدمر من الجسر الخامس.

أبو محمود الذي نجا من الانتحار، أبٌ لأربعة أبناء دُمر منزله في المدينة القديمة خلال الحرب ولا يعرف كيف يوفر بدل إيجار المنزل الذي يسكنه في منطقة الزنجلي ويكره أن يمد يده ليتصدق عليه الآخرون.

أبو محمود، الذي كان بناءً أصيب بمرض السكري ويواجه نوبات كآبة شديدة جراء الخوف والقلق اللذين لازماه خلال السنوات الأخيرة، قال إن الدولة “لم تعوضه عن الضرر الذي لحق بمنزله الذي لم يكن يملك شيئاً آخر سواه على رغم أنه قدّم معاملة بذلك قبل سنتين”.

المقدم فيصل الجحيشي آمر مفارز الشرطة النهرية التي انتشلت أبا محمود صباح ذلك اليوم، قال إن مفرزة أخرى فعلت الشيء نفسه بعدها بساعات قليلة فقط مع امرأة في عقدها الرابع أيضاً ألقت نفسها من فوق أقدم جسور الموصل (الجسر العتيق).

وظن عناصر الشرطة أن ما أقدمت عليه المرأة كان نتيجة فورة غضب وما أن وجدوا أنها قد هدأت حتى تركوها ليفاجأوا بعد دقائق بأنها تخوض في مياه الضفة اليسرى محاولة الانتحار مجدداً فهرعوا ناحيتها وأخرجوها عنوة من المياه.

وذكر المقدم فيصل أنها سُلمت إلى مركز شرطة الثقافة شمال المدينة لحجزها احترازياً، خشية إقدامها على محاولة انتحار جديدة لا سيما أنها كانت مصممة على ذلك بسبب ما قالت أنها خلافات مع زوجها.

ونوه إلى أنه أمر العناصر العاملة تحت أمرته بالانتشار مع زوارقهم في مناطق قريبة من جسور المدينة الخمسة تحسباً لوقوع حوادث أخرى، وقال: “أصبحنا نتابع بقلق ممرات المشاة على الجسور، لأننا لا نعرف في أي وقت سيحاول أحدهم القفز من هناك”.

هذا الإجراء الاحترازي ساهم في إنقاذ حياة رجل (44 سنة)، اطمأن لإسدال ليلة الثاني من أيار/ مايو الجاري ستارها على المدينة وقفز من فوق الجسر العتيق محاولاً إنهاء حياته لكن عنصراً متأهباً من الشرطة النهرية تلقفه قبل اختفائه في عتمة النهر وأخرجه إلى الضفة وسُلم هو الآخر إلى مركز الشرطة لمنعه من تكرار المحاولة.

كانت الموصل شهدت قبل ذلك بأقل من أسبوع حادثتي حرق راحت ضحيتهما امرأتان، الأولى في حي العيكدات يوم 16 نيسان، إذ أفاد مصدر في شرطة نينوى بأن امرأة قضت حرقاً داخل منزلها وأن تحقيقات تجرى لمعرفة إن كان ما حصل حادث انتحار أم غير ذلك.

ولم تعلق الشرطة بشأن حادث ثانٍ تناقلته وسائل إعلام محلية وتلخص في إقدام فتاة شابة على إحراق نفسها في حي البكر شرق الموصل.

ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حذروا من تداول الأخبار بشأن حالات الانتحار أو نبذ الأطفال خوفاً من أن تكون حافزاً لآخرين يفكرون بالأمر ذاته، واستدلوا على ذلك بتتابع الوقائع في أوقات متقاربة. وأشار كثر منهم إلى أن الخشية من “كورونا” غطت على مشكلات ربما تكون أكبر بكثير.

وكتب مدون موصلي منشوراً على “فايسبوك” تم تداوله على نطاق واسع قال فيه: “نينوى خالية تماماً من فايروس كورونا لكنها تسجل باستمرار حالات انتحار وتخلٍ عن أطفال”.

أول حالة انتحار سجلت في الموصل بعد تفشي جائحة “كورونا” واتخاذ السطات إجراءات مشددة لمواجهتها كانت لشاب يدعى عبد الله كاظم، عثر عليه متدلياً بحبل مربوط إلى سقف غرفته يوم 29 آذار الفائت.

المعلومات الأولية التي توفرت للشرطة أنه كان تحت ضغط ظرف اقتصادي صعب، جراء فقدان عمله في أحد مطاعم المدينة التي سرح منها مع زملائه بسبب حظر التجوال وقد هجرته زوجته تاركة له بناتهما الثلاث ليعيلهن.

وذكر شقيقه الأكبر أن عبد الله تبادل ليلة انتحاره رسائل مع زوجته التي رفضت رفضاً قاطعاً العودة إليه كونه بلا عمل. وأرسل اليها صوراً ومقاطع فيديو للحبل الذي أعده ليشنق به نفسه، لكنها لم تُعلم أحداً بذلك.

وتابع: “لم يتحمل الضائقة المالية التي عانى منها أخيراً، نتيجة فقدانه عمله… الضغط النفسي كان هائلاً لم يصمد أمامه”.

العنف الأسري

الفقر والبطالة اللذان يتصاعدان في نينوى، لم يرفعا من نسب الانتحار والتخلي عن الأطفال فحسب بل زادا من حالات العنف الأسري بخاصة مع فرض حظر التجوال، فسجلت محاكم تحقيق الموصل ارتفاعاً ملحوظاً في الشكاوى المتعلقة بالعنف الأسري خلال شهر نيسان مقارنة بالأشهر السابقة.

وذكر قاضي المحكمة عامر الربيعي أنه نظر في 85 شكوى تتعلق بجرائم عنف منزلي وقعت كلها منذ فرض حظر التجوال في 16آذار.

وهي نسبة مرتفعة جداً قياساً بالفترة نفسها قبل سنة، إذ لم تتجاوز العشرين حالة.

لكن تظل تلك الأرقام محدودة ولا تشكل سوى جزء صغير من الأرقام الفعلية، بحسب معنيين، لأن المرأة في العادة لا تلجأ إلى القضاء للشكوى من زوجها أو أي قريب لها، كون المجتمع في نينوى يتسم بطبيعته العشائرية أو كما يصفه ناشطون في مجال حقوق الإنسان بالذكوري.

ضياء فتاح، يعمل ميكانيكياً ويسكن في حي الكرامة شرق الموصل. مثل أمام قاضي التحقيق بناءً على شكوى تقدمت بها زوجته اتهمته بضربها ما تسبب لها بعاهة دائمة في عينها. بدا مرتبكاً وهو ينتظر دوره للمثول أمام القاضي المختص بقضاياً حماية الأسرة والطفل وفقاً للمادة (413) من قانون العقوبات 111 لسنة 1969.

فتاح توقع أنه سيواجه عقوبة تصل إلى الحبس لسنة. “لكن ليس هذا ما تهدف إليه زوجتي” قال بصوت خافتٍ ثم تابع وهو يتلفت حوله: “أخبرني المحامي الخاص بي أن محامية زوجتي تريد أن تستند على شكوى العنف الأسري التي سيحققون معي بخصوصها بعد قليل لإقامة دعوى تفريق في محكمة أخرى. فإذا أثبتوا هنا أنني اعتديت عليها بالضرب المبرح سيحكم القاضي في تلك المحكمة بالتفريق بيننا وستحصل على حقوقها كاملة مع حق حضانتها لطفلينا”.

وأقر ضياء بأنه تمادى في شجاره مع زوجته، لكنه يصر على أن ذلك حدث للمرة الأولى، أي الضرب. وعلل الأمر بضغوط نفسيه مر فيها لتوقفه عن العمل ومكوثه الطويل في المنزل بسبب “كورونا”. ثم قال بنبرة جادة: “عليهم أن يجدوا حلاً للبطالة بسبب كورونا لا أن يتدخلوا في شؤوننا العائلية”.

ويؤكد محامون أن قضايا التفريق في المحاكم والطلاق خارجها زادت في السنوات الأخيرة، في حين كانت محدودة قبل سنوات في مجتمع عشائري منغلق كمجتمع الموصل.

الناشطة في مجال حقوق المرأة سهى عودة، تقول إن جهل المرأة بالقانون وعدم وجود حماية قانونية كافية أصلاً لها في العراق رفعت نسبياً معدلات الاعتداء عليها في الفترة الأخيرة، بعد ضغط عام واجه المجتمع بسبب تداعيات “كورونا”.

وترى سهى أن الاعتداءات قائمة منذ زمن بعيد والأمر لا ينتهي عند حد قيام المرأة بتقديم شكوى قضائية أو حتى حصولها على حكم قضائي إيجابي ينصفها “لأنها ستحصل أيضاً على وصمة عار من المجتمع الذي سينظر إليها على أنها الجاني وليست الضحية”.

وتردف: “ونتيجة لذلك فإن المرأة التي تتعرض للاعتداء نادراً ما تلجأ إلى المحاكم للحصول على حقها. والتي تفعل ذلك تجازف بكل شيء وتكون مصممة في الغالب على إنهاء حياتها الزوجية”.

وتنبه سهى إلى أن ما يسمع من حوادث الانتحار أو العنف الأسري في الفترة الأخيرة “ما هو إلا رأس جبل الجليد، وتحت الماء تكمن عذابات وموت يومي لكثيرات غير قادرات حتى بالتفوه ولو بكلمة عما يحدث لهن”.

وذكرت أن الاعتداء على المرأة لا يقع من الزوج فقط، بل من الآباء والأشقاء وحتى الأبناء في بعض الحالات. وكلهم يفرغون بها شحنات غضبهم بسبب مشكلات معظمها اقتصادية لا دخل لها فيها في أغلب الأحيان.

الطبيبة أسماء غانم، الاستشارية بالصحة النفسية، ذكرت أن الفقر المدقع لشريحة واسعة في نينوى، يكمن وراء تزايد حالات العنف الأسري والانتحار ونبذ الأطفال. لأن عجز الشخص عن الايفاء بمتطلبات الحياة له ولأسرته وانتفاء الحلول أمامه تجعله يستسلم للإحباط واليأس والاكتئاب فيقدم على أشياء دون تقدير عواقبها.

وتقول أسماء، إن الموصل مرت بظروف صعبة جداً خلال السنوات الأخيرة نجمت عنها أضرار نفسية بالغة للسكان، “وينبغي أن يكون هنالك وعيٌ بضرورة المعالجة النفسية وعدم ممارسة المجتمع لدور النعامة بإخفاء الرأس في الرمل تجاهلاً للمشكلة القائمة”.

ويبلغ سكان نينوى زهاء أربعة ملايين نسمة ومع ذلك لا يوجد فيها سوى 14 طبيباً متخصصاً بالصحة النفسية والسبب في ذلك بحسب الطبيبة أسماء أن الكثيرين ما زالوا يطلقون على الطبيب النفسي “طبيب المجانين” تقليلاً من شانه، فضلاً عن قلة الدعم الحكومي لهذا التخصص وعدم الاهتمام به”.

لا يقتصر العنف على النساء فقط، فللرجال حصتهم أيضاً. إذ اعلنت محكمة تحقيق الكرخ في بغداد يوم 28 نيسان تصديق أقوال متهمة بجريمة إحراق زوجها داخل منزله في حي الجامعة بالعاصمة بعدما سكبت عليه البنزين خلال نومه وأحرقته بعدما أخرجت أطفالها من المنزل.

وذكر قاضي التحقيق أن المتهمة أحيلت إلى محكمة الجنايات وفق المادة (406- أ.ب) من قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969، لأنها قامت بالفعل بعد التخطيط له وأرادت النتيجة – سبق إصرار وترصد- وستنزل بها العقوبة وهي الموت شنقاً إذا أدينت بجرمها.

وكانت منظمة “اتحاد رجال كردستان” أعلنت إحصاء للعنف ضد الرجل في الإقليم لسنة 2020. سجلت زيادة في حالات العنف ضد الرجال بالإقليم خلال فترة حظر التجوال بسبب فايروس “كورونا” قياساً بالفترة ذاتها في العام المنصرم. إذ تلقت مراكز الشرطة 175 حالة شكوی من الرجال الذین تعرضوا للعنف وسجلت 17 حالة انتحار وحالة قتل من قبل النساء بمساعدة الاقرباء.

وعبرت بعثة الأمم المتحدة في العراق، في بيان أصدرته في منتصف نيسان، عن قلقها البالغ إزاء “تفشي العنف الأسري” في العراق نتيجة زيادة التوتر بين أفراد العائلات في ظل الحجر المنزلي جراء “كورونا”.

وأورد البيان أمثلة للعنف منها “اغتصاب امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة، واعتداء زوجي، وانتحار امرأة جراء العنف الاسري، وقيام أخرى بإشعال نفسها للسبب ذاته، وكذلك أذية النفس بسبب الإساءة الزوجية المتكررة، والتحرش الجنسي بشخص قاصر”.

ودعا البيان إلى الإسراع في إقرار قانون مناهضة العنف الأسري لأن من شأنه محاسبة مرتكبي جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي، بمن فيهم “مسببو الأحداث البشعة”.

وبخلاف إقليم كردستان الذي شرع قانوناً لمناهضة العنف الأسري يحمل الرقم (8) سنة 2011، فإن بقية مناطق العراق ما زالت تنتظر مصادقة مجلس النواب على تشريع قانون “مناهضة العنف الأسري” الذي أحاله رئيس الجمهورية برهم صالح في أيلول/ سبتمبر 2019 بعد الانتهاء من إعداده.

ياسر اسماعيل رئيس مركز نايا للتدريب الإعلام،ي أكد أهمية إقرار القانون للحد مما سمّاه تفشي العنف الأسري وأنه سيضمن تماسك العائلة وتحقيق الاستقرار في المجتمع.

وأشار إلى أن مركز نايا مشارك حالياً في حملة وطنية لدعم ومناصرة القانون إلى جانب منظمات مجتمع مدني وصحافيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان يجمعون على أن زيادة معدلات العنف داخل الأسرة العراقية، سببها غياب نصوص قانونية واضحة تحمي أفراد الأسرة خصوصاً المرأة والأطفال والفتيات.

وحمل نواب متحمسون لمشروع القانون، كتلاً كبيرة في المجلس مسؤولية المماطلة في المصادقة عليه، مشيرين الى أن خلفياتها مذهبية وقبلية ولا يروق لها أن يكون للمرأة حق حماية نفسها من الضرب والإهانة وتهديد حياتها.

انجز هذا التحقيق من قبل شبكة نيريج للصحافة الاستقصائية وتنشره المنصة بالتعاون مع الشبكة.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. Wow, awesome blog structure! How long have you ever been running a blog for?

    you make blogging glance easy. The entire look of your site is great, let alone the content!
    You can see similar here e-commerce

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى