كورونا يزيد المخيمات بؤسا… امراض وفقر وحبس قسري خوفا من العدوى

تحقيق – شهاب احمد

بعد منتصف الليل، تصاعد أنين صالح (55 عاما) ليصبح مسموعا حتى خارج خيمته الصغيرة في مخيم “مام رشان” بأطراف دهوك، فيما وقف باشا الأبن البكر لصالح حائراً ويداهُ ترتجفان في الظلام مع تردي صحة والده المصاب بورم في الدماغ والذي يحتاج إلى أدوية وتداخل جراحي غير متاح في ظل انقطاع الطرق وغلق الحدود نتيجة انتشار فيروس كورونا.

تدهورت صحة صالح في الأيام الأخيرة، وفقد قدرته على الحركة بشكل شبه كامل، يقول باشا (24 عاماً): “صحة والدي تتدهور يوماً بعد آخر رغم أننا قمنا بإجراء عملية جراحية لهُ في إيران قبل أشهر… لقد فقد قدرتهُ على الحركة إضافة إلى فقدان ذاكرته ولم يكن لنا خيار إلا مراجعة مستشفى ازادي على أمل استقباله لكنهم اخرجوهُ بعد وصف العلاج له”.

يضيف باشا: “كان من المقرر أن نراجع إيران مرة ثانية نهاية الشهر الحالي ولكن بسبب الظروف الحالية من انقطاع الطرق وغلق الحدود يستحيل ذلك.. والدي يموت شيئاً فشيئاً بعد أن صرفنا ما بحوزتنا دون أن يطرأ اي تحسن على حالته”.

وفرضت حكومة اقليم كردستان منذ آذار الماضي إجراءات وقائية مشددة لمواجهة تفشي فيروس كورونا تمثلت بغلق المطارات والطرق بين المدن كما الأسواق التجارية الى جانب فرض حظر التجوال الشامل ليلا، لتبرز معها إلى الواجهة من جديد معاناة النازحين داخل مخيمات شمال العراق.

أحدى أبرز المشاكل التي تواجه ساكني المخيمات في محافظة دهوك، وأغلبهم من نازحي مدينة سنجار هي فقدان الغالبية منهم لفرص عملهم، حيث تعمل شريحة واسعة منهم في قطاع الخدمات ويعتمدون في معيشتهم على ما يجنونه من دخل يومي وهو ما انقطع منذُ منتصف آذار الماضي في الوقت الذي لم تقدم الحكومة أي مساعدات مادية لهم .

يقول فيصل حيدر (37 عاماً ) الساكن في مخيم خانكي للنازحين: “انا المعيل الوحيد لعائلتي ولديّ أطفال صغار، كنتُ اعمل في إحدى شركات البناء في أطراف مدينة اربيل واكسب منهُ ما بين (20-25) الف دينار عراقي أي بين (18 – 20) دولارا يومياً قبل ظهور الفيروس”.

يتساءل حيدر: “أنا بلا عمل، كيف بإمكاني إعانة عائلتي اذا ما أستمر الوضع على هذا الحال مع توقف معظم النشطات الاقتصادية بسبب الفيروس؟”.

بدوره يقول صباح حسن (25 عاماً) الساكن في مخيم “مام رشان” والذي نزح قبل خمس سنوات من جنوبي مدينة سنجار “اعيش مع شقيقتي التي تكبرني بعامين والتي كانت تعمل في مشغل صغير للخياطة… اعتمادنا الكلي في معيشتنا كان على ما تجنيه من عملها”.

ويضيف:”أنا عاطل عن العمل منذ أن أكملت دراستي الجامعية.. انتظر التعيين أو الحصول على فرصة عمل في أي مكان لتخفيف العبء عنها”.

ويرى حسن ان “فرض قيود صارمة على الحركة وإغلاق المحلات بما فيها ورشة الخياطة التي تعمل أختي فيها يعني حرمان معظم النازحين من مصادر قوتهم اليومية .. لن نتحمل اذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن”.

ويعاني النازحون بشكل أكبر من غيرهم بسبب إجراءات مواجهة كورونا نظراً لتلاصق الخيم بعضها ببعض واكتظاظها، وانعدام الخدمات الطبية في المخيمات، وحظر التنقل الذي حرم الكثيرين منهم من مراجعة المراكز الطبية والخدمية التي تتمركز في المدن ما تسبب ذلك بتأثير مباشر على صحتهم النفسية والجسدية في ظل المعدلات العالية من الفقر والبطالة داخل المخيمات.

تقول حياة أمين (44 عاماً) وهي مقعدة على كرسي متحرك: “لديّ أربعة أطفال، نسكن مخيم جم مشكو للنازحين في زاخو منذ خمس سنوات، حياتنا تمضي من أزمة الى أزمة، ومن خطر إلى خطر كوننا نعيش في مساحات ضيقة ومحصورة”.

وتضيف أمين: “ابنتي الكبرى (16 عاماً) تعاني من صدمة نفسية تلازمها منذُ وفاة شقيقها قبل شهور اثر تعرضه لصعقة كهربائية.. منذ ذلك الوقت هي تحضر جلسات نفسية بشكل دوري على أمل تجاوز الصدمة، ولا شك أن إغلاق المخيم وتعطيل الدوام في الدوائر الرسمية أثر سلباً على حالتها وهذا ما يظهر جلياً على سلوكها في تعاملها مع أخواتها الصغار “.

منظمات تحذر من خطر وشيك

آلاف ممن يسكنون في المخيمات مهددون بخطر وشيك بسبب فيروس كورونا حال انتشاره في المخيمات وهذا ما دفع منظمات ومؤسسات دولية إلى الإسراع بإصدار بيان مشترك في نيسان (ابريل) الماضي حول التداعيات الإنسانية والأمنية لأزمة كورونا، حذرت فيها من خطر وشيك في المخيمات، داعية منظمة الصحة العالمية إلى القيام بتقيم عاجل في جميع المخيمات.

يقول الناشط فاضل القيراني (31 عاماً) ان الخدمات الصحية “تكاد تكون معدومة في بعض المخيمات رغم وجود المراكز الصحية فيها والتي تنعدم في العديد منها المعقمات والأدوية والمستلزمات الضرورية اللازمة للوقاية من الفيروس، الى جانب افتقارها للكوادر المختصة وتقليص ساعات الدوام فيها”.

القيراني يضيف “رغم الكثافة السكانية داخل المخيمات والتزام النازحين بالتباعد الإجتماعي قدر المستطاع وكذلك محاولة الساكنين في المخيمات تعقيم البضائع عند شرائها أو تعريضها لأشعة الشمس لساعات بهدف تعقيمها إلا أن الخطر قائم وينذر بكارثة اذا ظهر الفيروس في المخيمات”.

ماتزال الحدود مغلقة، والحياة شبه متوقفة، فيما تتدهور سريعا صحة صالح، ولم يعد صوت البزق التي ظل يعزف عليها لسنوات كل صباح تسمع هناك، بينما التف حوله أفراد عائلته يشلهم العجز عن القيام بأي شيء مع قناعتهم بأن الموت يترصد والدهم وسيخطفه من بينهم في أي لحظة.

هذا العمل من نتاجات مشروع (التربية الإعلامية) الذي نفذته منظمة (MICT) الألمانية بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية (IOM) عام 2020.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى