الانتحار أو العنف أو الطلاق: عن حياة النساء الإيزيديات في المخيمات

تقرير: ميسر الاداني

حوالي سبعة أعوام مرت على ارتكاب تنظيم داعش جريمة إبادة جماعية بحق الإيزيديين في قضاء سنجار ولا تزال عوائل إيزيدية تعيش مأساة النزوح في مخيمات تفتقد لأدنى مقومات الحياة، ما دفع عدد من النساء إلى الانتحار وأخريات إلى الطلاق.

ابنتها بعد زوجها

دلال حجي (42 عاما) تعيش منذ اكثر من ست سنوات في مخيم مام رشان للنازحين في قضاء شيخان، قتل التنظيم زوجها في آب/إغسطس 2014 ثم انتحرت ابنتها سهام ذات الـ 16 عاماً بعدها بأشهر في مخيم النزوح.

تقول دلال “كانت أحلامنا بسيطة لكن الحياة اتجهت بنا نحو الأسوء.. نحو المجهول..  لم نفكر ولو للحظة واحدة ان يحدث ما حدث لنا.. بعد أن قتل زوجي تأتي ابنتي لتعلق نفسها بحبل الخيمة وتنتحر دون معرفتنا بالأسباب”.

تتذكر دلال حياتها في سنجار، “زوجي كان فلاحا ويزرع الطماطم في كل سنة في مناطق متفرقة.. بعد زواجنا بأشهر انفصلنا عن عائلة زوجي وشيّدنا منزلاً من الطين في أطراف مجمع خانصور .. كانت السعادة تملأ حياتنا و كنا معاً طوال الوقت”. 

تكمل دلال حديثها وعيناها لم تجف من الدموع بعد: “اليوم خسرت كل شيء.. لم يبق بي سوى هذه الخيمة”.

واقع المخيمات

يقول جلال حسن (37 عاماً) وهو نازح يعيش في أحد مخيمات محافظة دهوك، بنبرة ملؤها الحزن: “عندما نزحنا من سنجار كنت أتوقع أن المدة ستكون أياماً معدودات ومن ثم نعود إلى منازلنا مرة اخرى، لم نفكر أبداً ان نبقى لسنوات في مخيمات لا توفر لنا العيش الكريم ولم نكن ندرك أن حياتنا رخيصة هكذا بالنسبة للعالم بأسره”.

يشرح جلال ظروف عيشه بالقول: “لا كهرباء، ولا ماء، وقماش خيمنا تعرض للتلف بسبب أشعة الشمس في الصيف والمطر في الشتاء، ولم تعد الخيمة قادرة على حمايتنا”.

زينة قاسم (24 عاماً) وهي طالبة جامعية تدرس علم الاجتماع تعيش في مخيم “بيرسفي”، تصف هي الأخرى حياة النزوح بالقول:“نعيش أصعب مراحل حياتنا.. المخيمات كأنها معتقلات لا منفذ للحرية فيها.. اي عقاب هذا؟ أي ضمير يملكه العالم؟ الاصعب هو التأقلم مع حياة الخيم وأن يكبر الاطفال في ظل الاعتماد على المعونات”.

تتابع زينة أن المقيمين في المخيم فقدوا منازلهم في سنجار، والبطالة متفشية بين صفوفهم، وآلاف العوائل بلا أي دخل شهري، “لولا مساعدات من منظمات المجتمع المدني سوف تكون حياتنا جحيما بكل معنى الكلمة.. بدأ دوام الجامعة وأنا لا املك مصروفاً للذهاب إلى المحاضرات واغلب زملائي وزميلاتي من الطلبة الايزيديين مثلي”. 

تضيف قاسم “والدي كان مقاتلاً متطوعاً استشهد في جبل سنجار في أواخر 2014.. أخي الذي يكبرني بثلاث سنوات ترك دراسته من أجلي ويعمل بأجر يومي في دهوك حتى أكمل دراستي”. 

آثار الإبادة

يقدر عدد الايزيديين في العراق قبل عام 2003 بنحو نصف مليون نسمة كان غالبيتهم يعيشون في سنجار.

وبحسب إحصائيات المديرية العامة لشؤون الايزيديين في وزارة الاوقاف بحكومة اقليم كردستان، فإن هجوم داعش على سنجار في الثالث من آب/أغسطس 2014 واستهدافه الايزيديين في سهل نينوى أدى إلى تشريد نحو 350 الف ايزيدي من مناطق سكناهم، يعيش أغلبهم في مخيمات بمحافظة دهوك.

كما ان المديرية نفسها أعلنت أن “داعش” قتل نحو 1500 ايزيدي في الأيام الأولى من الابادة الجماعية واختطف 6417 من كلا الجنسين وخلّف 80 مقبرة جماعية وهدم 68 مزاراً ومعبداً دينياً للايزيديين فضلاً عن تدمير البنية التحية لمدينة سنجار بسبة 80 %.

وتوزع النازحون على 15 مخيم في اقليم كوردستان بالاضافة الى مخيمات في تركيا وسوريا وفي سردشتي بجبل سنجار.

وحسب مرويات الإيزيديين فقد تعرضوا خلال وجودهم في المنطقة إلى 74 حملة إبادة جماعية بسبب اختلافهم الديني عن محيطهم.

تزايد حالات الانتحار

منذ بداية العام الجديد 2021 سجل النشطاء الايزيديون خمسة حالات انتحار أربعة من بينها لنساء بأعمار مختلفة والخامسة لشاب في مقتبل عمره فضلاً عن نحو عشر حالات الطلاق في مخيمات النازحين بمحافظة دهوك.

أسمهان خدر (20 عاما ) انفصلت عن زوجها قبل نحو عام  في مخيم ايسيان وذلك لأسبابٍ غير معلومة، وفي الرابع من كانون الثاني/ يناير الماضي شنقت نفسها بحبل وأنهت حياتها. يقول شقيقها الياس “في المساء أكلنا معاً.. كانت في خيمتها ولم يكن هنالك أي مشكلة.. بعد ذلك وجدناها قد أنهت حياتها.. كانت صدمة كبيرة بنسبة لنا”.

زريف الياس (32 عاما) منذ أسابيع طلقت زوجها وكانت قد تزوجت في عام 2013, تقول “إن سبب الطلاق يعود لمشاكل اجتماعية أخرى زادتها محنة النزوح تعقيدا كما ان زوجي كان عاطلا عن العمل وكان يضربني بين فترة وأخرى”.

احلام خيرو (16 عاما ) التي تعيش في مجمع شاريا بقضاء سيميل أنهت حياتها في خيمتها بعد صراعها مع حالة نفسية استمرت لأكثر من ثلاث سنوات وكانت عائلتها قد تعرضت لصدمة جراء أحداث تلعزير في عام 2007 بعد مقتل افراد من العائلة إثر انفجار سيارتين مفخختين في تلك المنطقة، ثم تعرضت نفس العائلة لصدمة أخرى في عام 2014 بعد هجوم داعش على مناطقهم واختطاف مجموعة من اقرباء أحلام.

مأساة مستمرة 

حسب فراس سليمان، طالب ماجستير في علم النفس، فإن الأسباب الرئيسة لظاهرتي الانتحار والطلاق هي “الإبادة التي حصلت للمجتمع الأيزيدي فضلاً عن العادات والتقاليد الاجتماعية الصارمة التي لا تتناسب مع الواقع الحالي والزواج المبكر للقاصرات، بالإضافة الى ان الناس في النزوح لا تقاوم الصدمات المتعددة، لهذا تزداد هكذا ظواهر في المجتمع بكثرة”. 

سليمان منذ خمس سنوات يعمل مع النازحين في المخيمات كمعالج نفسي، يقول: “الوضع الاقتصادي أيضا له تأثير سلبي على النازحين في المخيمات.. الناس تريد ان تهرب من هذا الواقع المأساوي.. ولهذا يجب وضع حلول مناسبة والا سوف تصبح هذه الظواهر خارجة عن السيطرة”. 

إحصائیات “خطیرة”

يقول قائمقام قضاء سنجار محمد خليل إن “اسباب الانتحار تعود للوضع الذي يمر به الايزيديين واستباحة داعش لمدينتهم في الثالث من اغسطس عام 2014 واختطاف المئات من الايزيديين والإيزيديات وقتل الرجال وسبي الكثير من النساء والاطفال”. 

ويبين محمد خليل أنه ومنذ الابادة التي وقعت على الايزيديين أقدم نحو 250 شخص على انهاء حياتهم في المخيمات، ومنذ بداية هذا العام رصدنا خمس حالات للانتحار”. 

ويطالب قائمقام سنجار الحكومة العراقية والمجتمع الدولي بوضع حل لمدينة سنجار وأهلها، وايجاد معالجة فورية لهذه الظاهرة التي تهدد مستقبل الشباب الايزيديين وكذلك انقاذ ما تبقى من المختطفين الايزيديين من قبضة تنظيم داعش وتقديم الخدمات للنازحين وتوفير مستلزمات الضرورية لهم لعيش حياة كريمة.

النساء الضحية الكبرى

أنفصلت خالدة خلف (17 عاماً) عن زوجها بعد نحو شهرين فقط من زواجها لتترك خلفها طفلة تبلغ اليوم عاماً واحداً من العمر. وكانت تعرفت على زوجها عبر منصات السوشيال ميديا.

تقول خالدة وهي تتردد اسم ابنتها مرات كثيرة “تعرفت على زوجي من خلال السوشيال ميديا وأحببته كثيراً على رغم أن اهلي كانوا يعارضون فكرة زواجي بشدة وكنت في سن المراهقة.. بعد أشهر من العلاقة قام بخطفي وتمت المصالحة بين العائلين حسب الأعراف والتقاليد الايزيدية”. 

تضيف خالدة “السبب الرئيسي لإنهاء العلاقة الزوجية يعود لعدم فهمنا لبعضنا البعض، فقد كانت حياتنا جحيماً، ولم يكن يمر يوم من دون مشاكل.. الآن اعيش بعيداً عن ابنتي في مخيم للنازحين مع والدتي”.

يقول المحامي حسن سامان  (اسم مستعار): “في سنة واحدة وثقنا 350 حالة الطلاق لأهالي سنجار في احدى المحاكم في كوردستان، ناهيك عن بقية المحاكم في سنجار وفي شيخان ودهوك”. 

يضيف سامان: “الايزيديون في فوضى، اذا استمر الوضع على ما هو عليه اخشى ان يتضاعف عدد حالات الطلاق في سنوات أخرى”.

سعود خلف، محامٍ يعمل في محاكم سنجار ودهوك يقول “منذ الابادة التي تعرض لها الايزيديون في سنجار  سنة 2014  لحد الآن وصل عدد حالات الطلاق الى حد غير معقول.. هذه الظاهرة تهدد وبشكل كبير المجتمع الايزيدي وتفكك كل يوم المزيد من الأسر”.

ويضيف خلف “قبل الإبادة الجماعية كانت الحالات قليلة جداً، مقارنة مع فترة ما بعد النزوح”، داعياً المجلس الروحاني الأعلى للإيزيديين والمثقفين الايزيديين إلى وضع استراتيجية تناسب الواقع الحالي ودراسة هذه الحالات قبل فوات الأوان، ويقول خلف: “نحن حقا في خطر، فالعائلات في تفكك مستمر، هنالك 90 % من حالات الطلاق هم في عمر المراهقة وفتيات قاصرات تزوجن قبل بلوغهن سن الرشد، فضلاً عن حالات اخرى انتهت بالطلاق بسبب الفقر والمشاكل الاجتماعية والتشتت داخل الاسر والنزوح”. 

صدمة ما بعد الصدمة

سوزان خيري، ناشطة نسوية وحقوقية تعمل على ملف النساء الايزيديات تقول إنه خلال هذه الفترة بدأت ظاهرة الانتحار تطرق نواقيسها في كل بيت، بل في كل خيمة تعود للإيزيديين، فضلاً عن ظواهر الطلاق والعنف.

وتضيف أن على “الحكومة العراقية أن تتحمل المسؤولية الكاملة وعليها ان تبحث عن حلول جذرية لهذه المشاكل وان تهيأ ارضية خصبة مشجعة للنازحين للعودة الى مناطقهم وغلق ملف النزوح بأسرع وقت” وتتابع محذرة: “كلما طالت مدة النزوح والبقاء في المخيمات تكون العواقب وخيمة على المجتمع ولن تتوقف حالات الانتحار والطلاق والعنف”.

أما حسو هورمي، وهو رئيس “المؤسسة الإيزيدية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية”، فيقول إن المجتمع الإيزيدي يعيش في مرحلة صدمة ما بعد الصدمة إثر تعرضه للإبادة “ولو تمعنا النظر بشكل علمي في الوضع العام للإيزيديين فمن الطبيعي ان يفرز المجتمع حالات اجتماعية سلبية تتطور بتوالي الأزمات”.

وبحسب صحافي متخصص بقضية الإيزيديين فإن ازدياد هذه الحالات سببه “عدم وجود رادع ولا معالجة، لا من الحكومة ولا من المجالس الاجتماعية ولا من العوائل نفسها”.

ويضيف كاروان باعدري: “الجهات السياسية لم تستطيع قراءة الواقع الايزيدي بالشكل الصحيح والمجتمع الايزيدي بحاجة إلى راحة وليس إلى المزيد من الصدمات والحكومات المتعاقبة لم تتعاطى بمسؤولية ومهنية مع ملف سنجار قبل وبعد 2014”. 

ويختم كلامه بالقول: “في الوقت الحالي هناك خطط دولية واقليمية تخص مناطق الايزيديين وخاصة سنجار، لكن الأزمة الموجودة منذ سنوات سوف تستمر لمدة طويلة ويجب على المجتمع الدولي أن يوجد حلاً  لسنجار ويعيد النازحين إلى ديارهم بأسرع وقت ممكن”. 

ــــــــــــــــــــــــ

كتبت هذه القصة ضمن مشروع لمنظمة أنترنيوز لتدريب الصحفيين حول كتابة وإنتاج القصص الصحفية عن القضايا الحساسة المتعلقة بالنوع الاجتماعي (الجندر) في العراق.   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى