130 عاماً.. بقايا آخر شناشيل مدينة الناصرية

الناصرية- علي الناصري

آخر شناشيل مدينة الناصرية التي تمثل حقبة تاريخية حافلة بالتنوع الاجتماعي والديني والثقافي مازالت شاخصة في أحد المنازل المصنفة تراثيا في زقاق ضيق من ازقة محلة السيف القريبة من نهر الفرات، تحكي قصة 130 عاماً مضت على تلك الحقبة.

 

يجلس الحاج جواد القريشي بعمر 79 عاماً على كرسي حديدي صغير أمام منزله التراثي الشاخص بشناشيله المعروفة لأهالي المدينة بعدما حوّل قسم منه الى مخزن لبيع البلاط الارضي في استراحة آخر العمر بعد أن عمل سنوات طوال حدادا ماهراً.

منزل نادر 

يقول الحاج القريشي إن هذا المنزل التراثي بناه اليهود في سنة 1890 من الخشب (الجاو) الذي يتميز بصلابته وتحمله الظروف الجوية القاسية، وترتكز على أعمدته الخشبية السقوف والأرضيات الطابق الأعلى. 

ويضم يضم المنزل غرفتين للمنام وأخرى للاستقبال ومطبخ صغير وساحة وسط فضاء المنزل، وقد ورثه عن والده وجده الذي اشتراه في حقبة الأربعينيات من القرن الماضي مع بداية هجرة اليهود إلى خارج العراق بسبب الأحداث السياسية آنذاك.

يضم المنزل الكثير من التفاصيل التي يصعب العثور عليها اليوم في الطرز المعمارية الحديثة، كالأقواس والقناطر والرفوف الداخلية ومداخل الغرف والسلم الذي يفضي إلى الطابق الأول والمبني من الطابوق الفرشي ببوابة صغيرة.

وتتميز الجدران المبنية من الطابوق والطين ومادة القوق والخشب (الجاو) بالسماكة فتوفر العزل البيئي صيفاً شتاءً، فيما تتوشح الواجهات بشناشيل من الخشب تحمل أقواس وشبابيك بداخلها قضبان من الحديد.

البيت السادس

يضيف الحاج جواد القريشي أن تسلسل البيت التراثي من حيث الأهمية هو السادس من بين البيوت التراثية آنذاك، وكان الطابق الأرضي فيه يستخدم سكناً للعائلة والطابق الأول للضيافة والعمل.

ويشير إلى أن بيوت الشناشيل “كانت تتوزع على عوائل معروفة مثل بيت زامل المناع وبيت حجي طالب وبيت عزيز العوفة وبيت كاظم الحاج محمد وبيت عبد الياسين وبيت حجي عبود الجازع” حيث يصل عددها إلى 40 بيت وسط مدينة الناصرية .

وبحسب إحصائية صادرة عن مفتشية آثار وتراث المحافظة فإن عدد البيوت التراثية في الناصرية يصل عددها الى أكثر من 70 منزلاً لم يبق منها إلا القليل محافظاً على هيئته فيما اختفت بيوت الشناشيل في أماكن عديدة. 

وقد عملت الهيئة على تنظيم حملة لجرد وتقييم واقع العقارات التراثية وايقاف التجاوزات الحاصلة عليها بعد أن تحول قسم كبير منها إلى عمارات تجارية.

أملاك خاصة 

وعلى الرغم من أن مفتشية الآثار والتراث حاولت تقديم الدعم من أجل تأهيل هذه البيوت التراثية والحفاظ عليها إلا أن الكثيرين يرفضون ذلك من أجل التصرف بها كونها أملاك تعود لأشخاص كحال منزل الحاج جواد القريشي الذي يقول: “رفضت تلك العروض كونها لا تخدمني في حال رغبتي بالتصرف بالمنزل لأنه يقع في منطقة تجارية”.

المهندس المعماري سليم كاظم وهو من المعماريين القدامى يقول إن بناء الشناشيل كان طرازاً فنياً مهماً تميزت به محلة السيف وكان البناء يضم العديد من الشبابيك للتهوية وضمان دخول ضوء الشمس وتنقية المكان باستمرار، توضع عليها أواني الماء الفخارية من أجل تبريدها. 

محلة سيف

أصدقاء الحاج جواد القريشي يتجمعون في منزله التراثي في أمسيات تعاد بها ذكريات الزمن الجميل على حد وصفهم. 

يقول أحدهم الحاج محسن علي إن “هذا الزقاق والمنزل التراثي يعود بنا الى مراحل الطفولة والصبا حيث الضحكات والجيران وأحداث كثيرة شهدتها المدينة”.

الباحث التاريخي محمد الجوراني يتحدث عن تاريخ محلة السيف موضحاً أن ملكيتها كانت لليهود آنذاك حيث سميت بهذا الاسم نسبة إلى باخرة تجارية مساهمة بين العثمانيين والبريطانيين كانت تحمل اسم (save) تأتي محملة بمختلف مواد الطعام. ويتابع: “تميزت هذه المنطقة ببناء الشناشيل على يد أمهر البنائين اليهود الذين عرفوا في تلك الحقبة”.

شناشيل الناصرية التي غابت تدريجياً منذ حقبة الخمسينيات من القرن الماضي يبقى منها منزل الحاج جواد القريشي أيقونة حاضرة تذكر بحقبة سجلت العديد من الأحداث السياسية ويذكر أيضاً بصورة عن التنوع الاجتماعي في جنوبي البلاد ساهمت الحروب والظروف السياسية في انحساره.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى