هواة الفلك في ذي قار: “السماء جمعتنا تحت سقفها”

المنصة- مرتضى الحدود

يتخذ علي أحمد طه هو ورفاقه من متنزه الناصرية مرصدا فلكياً يمارسون فيه هوايتهم في رصد المجرات وحركة الكواكب.

لم يكن صغر أعمارهم ولا مشاغل حياتهم حائلاً أمام اهتمامهم بعلم الفلك الذي سبق  للسومريين قبل خمسة آلاف عام أن أسسوا له متخذين من زقورة أور مرسى مرصداً لهم، فنصب أعضاء فريق الهواة الفلكي في المنتزه آلة رصد “تلسكوب” اشتروها من أموالهم الخاصة بسعر باهظ بالقياس إلى مدخولهم الشهري.

بوابة السماء 

بدأ “علي” ذو العشرين عاماً هوايته متأثراً بأخيه الأكبر المهتم برصد حركة الكواكب والنجوم لكن انطلاقته الفعلية كانت قبل نحو سنة من اليوم عندما انتظم عضواً في فريق هواة الفلك في مدينة الديوانية، ليدفعه حبه لهذا العلم للمشاركة في أول مخيم فلكي انعقد في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي بمدينة الحلة تبعه مخيم آخر في بداية العام الجاري.

وفي نيسان/أبريل الماضي بدأت بذرة التأسيس لفريق الهواة الفلكي، فأسماه علي ورفاقه “فريق بوابة النجوم” مشتقين الإسم من “زقورة أور” التي تذكرها الأساطير السومرية باعتبارها “بوابة السماء”. وبحسب قول “علي” فإن اختيار هذا الإسم هو “محاولة لتقريب مفهوم هذا العلم وربط الماضي بالحاضر”.

يحمل معظم المنتسبين إلى فريق “علي” الذي ناهز عدده اليوم الـ 25 عضواً، شهادات علمية مختلفة وأغلبهم ينتظمون في اعمال حرة “لكن  السماء جمعتنا تحت سقفها لنكون في مكان واحد”، يعلق علي.

تلسكوب مستعمل

قطعة كارتونية كُتب عليها عبارة “بالمجان” لمن يريد رؤية القمر وجهاز “تلسكوب” وضعت إلى جانب طريق المارة، وشباب يرتدون قمصاناً سوداء تحمل شعار فريقهم، وهو عبارة عن زقورة أور وإلى جانبها كوكب زحل ومن تحته رجلين وامرأتين يتوسطهم رجل خامس يرمق السماء بنظرة ثاقبة. 

بهذه الخطوة يبدأ عامة الناس بالسؤال والاستفسار ليحصلوا على إجابات عن وظيفة الفريق وأهمية علم الفلك وكيف يمكن الإطلاع عليه.

يقول علي، “تواجدنا وسط الحديقة العامة عادة ما يكون في منتصف كل شهر عربي كي يكون القمر في تمام بدره أكثر وضوحاً لفوهاته وسطحه ويمكن أيضاً في هذه الفترة رؤية زحل والمشتري”.

الفريق الهاوي يعتمد في تمويله على ما يجمعونه فيما بينهم، ومن هذه المدخرات البسيطة تمكن من شراء ثلاثة أجهزة لرصد السماء. 

يروي “علي” أن الجهاز الذي اشتراه هو الأكثر استخداماً بين الأجهزة الثلاثة كون “علي” يعيش في مركز المدينة ليس بعيداً عن المنتزه، وقد اشتراه بعد أن وجده عن طريق الصدفة في متجر لبيع القطع الالكترونية المستعملة. 

يتابع أن “الجهاز لا يمتلك الكفاءة الكافية لرصد الكواكب جميعا بل القمر والمشتري وزحل فقط”، في الوقت الذي منعت الحكومة العراقية استيراد أي جهاز من هذا النوع منذ عام 2014 لدواعي أمنية كما يقول “علي”.

في بلد البابليين

في منتصف آب/أغسطس الماضي أقام فريق “بوابة النجوم” في زقورة أور أول مخيم فلكي لهم بحضور هواة من عدة محافظات ليرصدوا مجرة “اندروميدا” التي تبعد عن الأرض بمقدار 2.5 مليون سنة ضوئية، وتزامن توقيت نشاطهم مع زخات شهب كثيفة في السماء.

فريق بوابة النجوم لم يتوقف عند التعريف بالعلم وسط عامة الناس بل أقدم على افتتاح مكتبة صغيرة تضم 16 كتاباً تتحدث عن الأفلاك والمجرات والحركة النجمية فضلاً عن إلقائهم محاضرات في إحدى قاعات الرعاية العلمية الحكومية بعد دعوات توجه لأعضاء الفريق ومن تصله الدعوى. 

ويعتزم الفريق مدّ خيوط التعاون مع مديرية التربية للوصول إلى طلبة الدراسة المتوسطة “فهم أكثر ولعاً اتجاه هذه العلوم” بحسب علي.

الجهود الذاتية لشباب طموح لم يلق إلى اليوم سوى تعاوناً حكومياً محدوداً، فعملهم يتطلب أجهزة حديثة وحرية في الحركة لإقامة المخيمات في أماكن غير مأهولة وهذا الأمر لا يمكن الحصول عليه بسهولة، إلا ان علي ورفاقه عازمون على الاستمرار.

يتحدث علي إلى “المنصة” وهو يقوم برصد القمر عبر التلسكوب والحسرة واضحة في كلماته. يقول إن “دولاً فقيرة تمتلك مراصد فلكية ومحطات فضاء.. في المقابل العراق لا يمتلك أي مرصد حكومي وهذا يحز في نفوس هواة العلم في بلد البابليين، أول من اكتشف النجوم ومن رسم حركة الأبراج”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى