الرسم بالبكتيريا أسلوب جديد يمزج بين الطب والفن 

بغداد – سارة القاهر

الفن الحيوي أو الـ “بيو آرت”، نمط فني جديد في العراق يقتصر على قلة قليلة من الرواد، يستخدمون الأنسجة الحية ووسائط البكتريا والعلوم الوراثية والعمليات الحيوية كأدوات فنية، بدلًا من الريشة والألوان.

مصطفى خالد الياسري، 25 عاماً، أحد أبرز رواد هذا الفن الذين يجربون الرسم بالبكتيريا، مازجاً بين مهنته الطبية وموهبته الفنية.

“بذلت جهوداً كبيرة من أجل تحقيق نتائج جيدة ودقيقة على مستوى هذا الفن”، يقول الياسري.

ويضيف، “بدأ نزوعي للرسم بالبكتيريا خلال مباشرتي العمل في أحد مختبرات البكتيريا، كنت أراقب أشكالها، وتنطبع في ذهني تصورات كثيرة، وشعرت أنها تلهمني أفكاراً عديدة حول قضايا مفصلية في الوجود، فقررت وقتها أن أصب موهبتي الفنية عبر التجريب بالرسم بالبكتيريا، لتكون بديلاً عن الأدوات السائدة في الرسم”.

عملية معقدة 

أحضر الياسري أطباقاً كانت تنمو عليها بكتيريا المكورات العنقودية staphylococcus وهو نوع يوجد بشكل طبيعي على بشرة الإنسان، وأحضر أيضاً طبقاً نظيفاً إلى جانب طبق البكتريا من أجل زرع البكتريا بشكل فني بسيط، وفكر بعد ذلك برسم البكتريا على شكل زهرة صغيرة. 

أخذ حلقة الأسلاك loop، وهي أنبوبة رفيعة وطولية تحتوي نهايتها على رأس مجوف بشكل حلقة لحمل البكتريا وزراعتها ثم أخذ عينة من البكتريا العنقودية، وبدأ الرسم من خلال الـ (loop) لزرع البكتريا على شكل زهرة. ثم وضع العينة في حاضنة البكتريا من أجل أن تنمو. 

يؤكد الياسري أن “العملية كانت معقدة، وكان علي الانتظار مدة 24 ساعة لتظهر نتائج الرسم”. 

رسم على الهواء

يصف الياسري العملية بأنها أشبه بالرسم على الهواء عبر الهواء ذاته، وأن الأمر بحاجة إلى مخيلة واسعة وقدرة معرفية كاملة من أجل نجاح العمل.

تاريخياً اشتهر هذا الفن في نهاية القرن العشرين وأول من قام برسم صور حيوية العالم الاسكتلندي ألكسندر فلمنج، الذي كان يهوى الفن، فمن خلال رسمه لأحد الوجوه اكتشف البنسلين صدفة، فساهم في إنقاذ ملايين البشر. 

كان فلمنج يرسم الجنود، والأمهات تغذي الأطفال، والمنازل، وغيرها من المشاهد باستخدام البكتريا. وكان ينتج هذه اللوحات من خلال تلوين بعض البكتريا بالأصباغ الطبيعية، ثم يملأ الأطباق الزجاجية بوسيط يساعد على نمو البكتريا (Agar)، وهو مادة شبيهة بالجيلاتين، ثم يستخدم أداة مختبرية ليقوم بالزراعة بأنواع مختلفة. 

كانت هذه الطريقة صعبة للغاية؛ فكان على فلمنج العثور على البكتريا والميكروبات بأصباغ مختلفة .وكان نجاح الرسوم الأولى وراء تطور اسلوب الرسم بالبكتيريا.

ترويض البكتريا 

يصف الياسري شعوره بالفرح الغامر خلال نجاح رسوماته الأولى، وتمكنه من “إقناع” الأحياء المجهرية التي لا يمكن إخضاعها بسهولة، بأن تنمو بالشكل الذي أراده لها، وعلى وفق رغبته برسم اللوحة.

“كان ذلك منطلق رحلتي بالرسم بالبكتيريا، ودفعني هذا النجاح للقيام بأمور كثيرة، واقتنعت بقدرة الانسان على ترويض الكائنات المجهرية”. يوضح الياسري.

 بدأ الياسري باستحضار المعلومات الخاصة بالبكتيريا ومهاراته في فن الرسم من أجل ابتكار اساليب جديدة ومختلفة لإنتاج رسومات في البكتيريا تقود إلى نتائج أكثر دقة.

يلفت إلى أن “العمل كان شاقاً، كون البكتيريا كائنات دقيقة وسريعة الانتشار، وكان علي توفير بيئة معقمة لزرع البكتيريا، ضمن سلسلة من الإجراءات الدقيقة والمتعبة”، منوها إلى أن “أي خلل يحدث يتسبب بفشل الرسم”.

وتوصل الياسري إلى ابتكار طرق جديدة في زراعة البكتيريا وتسنى له من خلال ذلك رسم الخطوط بدقة عالية في مستعمرات البكتيريا.

يقول، “زراعة البكتريا لدي شملت أنواعاً عديدة ومختلفة، منها بكتيريا إشريكية قولونية (E .coli) وهي بكتيريا تعيش داخل أمعاء جسم الانسان، وتسبب أحياناً التهابات معوية حادة، وبكتيريا زائفة زنجارية (pseudomonas) وهذه بكتيريا سامة، وتوجد في الماء والتربة، إضافة الى أنواع أخرى مختلفة من البكتيريا أنتج منها رسومات مختلفة من حيث الشكل واللون”.

صور فوتوغرافية 

يتسم الرسم بالبكتيريا بصعوبات بالغة للغاية، كما أن الأمر لا يخلو من الخطورة الصحية احياناً، باعتبار أن هذا الفن يحتاج إلى مهارة فنية عالية ومعلومات طبية واسعة، فضلاً عن توفير ورشة مختبرية محمية وآمنة، وذلك بحسب الياسري، “هو السبب وراء قلة رواد هذا الفن، إذ  ليس من السهل أن تجتمع جميع متطلبات هذا الفن بشخص واحد”.

ويضيف أن العمل في مشغله “تطور حتى أصبح بالإمكان طباعة صورة فوتوغرافية للبكتريا بدقة عالية وبشكل مستعمرات بكتيرية حية من خلال الأشعة فوق البنفسجية”.

معرض فني 

امتياز رسوماته ووصولها الى مستوى عال من الدقة، يدفع الياسري للطموح بإقامة معارض فنية وتوعوية بواسطة بالبكتيريا. وبهذا الشأن أشار الياسري إلى أنه يقوم  حالياً بالتنسيق مع المستشفيات من أجل إقامة معارض فنية بالبكتيريا تهدف الى النهوض بالواقع الصحي العراقي.

يعتقد الياسري أن المستشفيات والمؤسسات الصحية مكان مناسب لمعرضه، كون رسوماته تحتاج الى بيئة آمنة من جهة، ولأن خطابه الفني في هذا المعرض سيقتصر على القضايا التوعوية التي تصب في صالح تعريف المواطنين بأنواع البكتيريا وأشكالها المختلفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى