متخصص عراقي في الحساب الذهني.. وطلبته يحرزون مراكز عالمية متقدمة
ذي قار- مرتضى الحدود
ينفرد فهد البدري ذو السابعة والأربعين عاماً بهواية علمية نادرة تركت أثراً في كل من تدرب على يديه، فجعل أطفالاً من مدينته يحصلون مراكز متقدمة في المسابقات الدولية في مجال الحساب الذهني.
الرجل الذي يقيم في محافظة ذي قار يتّبع منهجية خاصة في الحساب تعرف بـ “السوروبان”، مستعيناً بمنصات الكترونية ومواقع انترنت مختصة.
والسوروبان أو المعداد الياباني، أحد مكونات الثقافة اليابانية لما يقارب 500 سنة، وهو عبارة عن آلة خشبية مكونة من أعمدة تفصل بينها عارضة تقسمها إلى قسمين، ولكل قسم عدد من الخرز يمكن من خلالها إجراء عمليات الجمع والطرح والقسمة والضرب.
ويمكن لمتقن الحساب بالسوروبان إنجاز عمليات حسابية كبيرة ومعقدة خلال ثوان معدودة، لكنه يحتاج لتدريبات لمدة طويلة ومتواصلة.
في المنفى
يتحدث البدري ومن أمامه اللوح الأبيض معلق على الجدار مليء بالأرقام الرياضية ممسكاً بيده قلماً أسود اللون، ويستذكر محطات حياته منها كانت الانطلاقة، عندما هاجر الى عمّان عاصمة الأردن هرباً من ملاحقة النظام السابق وهو لم يحصل سوى على الشهادة الإعدادية، وبقي هناك حتى سقوط النظام.
“خلال تلك الفترة في المنفى اطلعتُ على أساليب جديدة في التعليم، منها طرق تعليم الرياضيات والحساب الذهني والذكاء الاصطناعي، وقد بقيت عالقة في ذهني حتى عدت إلى العراق ومدينتي الناصرية”، يقول.
في العراق، ورغم تقدم العمر، انتظم البدري لأربع سنوات في الدراسة في كلية الآداب قسم علوم القران وحصل على شهادة البكالوريوس عام 2016. ورغم أن الفرع بعيد عن دائرة اهتماماته لكنه أراد بحسب قوله، “التسلح بشهادة أكاديمية كي أبدأ طريقي العملي”.
من المسجد
ما أن تخرج البدري حتى بدأ بتجريب فكرة تعليم الأطفال في مدينته الناصرية على آلة السوروبان، وهي طريقة يزداد عدد مستعمليها في العالم وعدد المدارس التي أدخلتها في برامجها نظرا لتأثيرها الايجابي على ذكاء و تحصيل الاطفال.
وانطلق البدري بفكرته هذه بين أولاد حيه السكني حيث اتخذ من أحد المساجد مكاناً للتدريب معتمداً على معداد سوروبان من صنع يديه.
وبنبرة لا تخلو من الفخر يقول، “استفاد العشرات من طلبتي منذ الأيام الأولى للتدريب حتى ذاع صيتي بين الأوساط التدريسية وكذلك تواصل معي المئات على صفحتي على الفيسبوك”.
منذ ذلك الوقت ينتظم معلّم السوروبان العراقي في مدارس ابتدائية أهلية بعد أن طلبت منه إداراتها فتح دورات في هذا المجال العلمي مقابل أجور رمزية. ويعلق بالقول: “كان هدفي أن تعم الفائدة وتتاح للطلبة أطول فترة ممكنة للتدريب تمكنني من بناء قدرات خاصة”.
بطولات عالمية
على مدار السنوات الخمس الماضية تمكن البدري من تدريب قرابة الـ 250 طالب، بينهم “نخبة عالية المستوى” على حد وصفه، من طلبته، لم تتجاوز أعمارهم العشر سنوات، نالوا مراكز متقدمة في المسابقات الدولية بعد ان اتقنوا حل معادلات صعبة قياساً بأعمارهم الصغيرة.
11 طالباً من بينهم كانوا النخبة التي اشتركت في بطولة للرياضيات Euro math 2021 أقيمت في ألمانيا بمشاركة دول منها أمريكا واليابان وهولندا وفرنسا والمانيا وكندا وتركيا ودول عربية.
وتمكن سبعة من الأطفال العراقيين من نيل المراكز الأولى والثانية في أكثر من فئة في المسابقة، وتفردت إحدى الطالبات، نرجس خالد، في استخراج نتيجة لـ73 عملية ضرب معقدة، أي رقمين مع رقمين آخرين فأكثر، في غضون 180 ثانية فقط.
أحلام ربما تتحقق
بالنسبة لـ “فهد”، فإن المنهجية الحسابية التي يتبعها لا تقتصر فقط على طريقة الحساب اليابانية، فهو متابع ومطلع على منهجيات تعود لمدارس مختلفة للعلوم الحسابية في دول العالم، “أبرزها المدرسة الهندية التي تتبع طريقة مختلفة أكثر سهولة” بحسب قوله، ويضيف: “المهم بالنسبة لي أن يكون عقل الطفل أكثر حيوية وحركة و بديل عن آلة الحاسبة”.
وإلى جانب نشاطه في مجال التعليم، مثّل البدري بلده في العديد من المسابقات العربية والدولية، بوصفه أحد الأسماء القليلة والرائدة في مجال الحساب الذهني على مستوى العراق.
وبينما يتجول بين طلبته داخل قاعة التدريب متابعاً واجباتهم الدراسية يكشف البدري عن طموحه بإنشاء مركز يأخذ على عاتقه تدريب الأطفال، “كي يكونوا مشاريع علمية مستقبلية ترفد البلد بالطاقات الفكرية”. لكن هكذا مشروع قد يبقى “قيد الورق” ما لم يجد رعاية حكومية أو دعم دولي، على حد قوله.