مقهى المسافرين: هواة السفر يجمعون العراقيين بشعوب العالم

بغداد – سارة القاهر

“مقهى المسافرين العراقيين” هو الاسم الذي أطلقه شباب عراقيون من هواة السفر على منصتهم في موقع فيسبوك التي أطلقوها قبل عامين، لتكون أداة ربط بين العراقيين داخل العراق وخارجه، فضلاً عن التواصل مع السياح الأجانب، لتكون المنصة “دليلاً مختلفاً عن شركات السفر السياحية المعتادة” بحسب رؤيتهم.

ديار طلال أحد مؤسسي المقهى يقول إن “مبادرة إنشاء مقهى المسافرين العراقيين، تهدف إلى بناء جسور التواصل لربط المواطنين العراقيين مع الناس من مختلف بقاع العالم”، مبينا، أن “الغرض من المقهى تسليط الضوء على العديد من القضايا الانسانية، ومنها رسم صورة توضح عمق الثقافة والحضارة العراقية الراسخة، وتسهل عملية الاندماج الانساني مع شعوب العالم، والتعرف على الثقافات المختلفة”.

أما أسامة موسى أحد اعضاء المقهى فيشير إلى أن “فكرة إنشاء المجموعة، تسعى لحل مشكلة  سفر العراقيين”، لافتاً إلى أن  “طريقة السفر  المتعارف عليها تتم بواسطة الشركات السياحية”، وأن مقهى المسافرين يجمع هواة السفر بطريقة مختلفة”، مؤكدا أن “السفر عبر مقهى المسافرين، هو وسيلة وليست غاية، وأن المقهى يضم شباباً من مختلف أنحاء العراق، إضافة إلى وجود أعضاء من جنسيات مختلفة، منها سويسرا وفرنسا وسواهما”.

محافظات عراقية

من بداية تأسيس المقهى وانشاء صفحة لها على “الفيس بوك” الى الان، لدى المقهى مجموعة من الأعضاء من هواة السفر  يبلغ عددهم 30 ألف عضو من داخل العراق وخارجه.

ومن بين اهداف مقهى المسافرين العراقيين، التواصل بين ابناء محافظات العراق للتعرف على لهجاتهم وعاداتهم وتقاليدهم وسلوكياتهم، إذ أن “لكل مدينة عراقية خصوصيتها وهويتها الثقافية والاجتماعية” بحسب أعضاء المقهى، فضلاً عن التعرف على حضارة وثقافة البلدان الأخرى.

ويعرض الاعضاء في “مقهى المسافرين العراقيين” من مختلف أنحاء العالم،  تجاربهم عبر مشاركة منشورات على “فيسبوك”، تتحدث عن السفر وزيارة البلدان، ومشاركة صور وفيديوهات من الدول والمدن التي يزورونها.

جذب السياح الأجانب

يبدو أن ثمار هذا المقهى أتت أكلها في تغيير نظرة المواطنين الأجانب إلى الحضارة العراقية، ولفت نظرهم إلى بساطة الشعب العراقي وحبه للحياة، على العكس من الانطباع السلبي الراسخ عند كثير من الناس، الذين لا يرون في العراق سوى صور الحروب الدمار والخراب والارهاب.

بيورن، مؤلف ومسافر ومتحدث عام، وأصغر نرويجي يزور  كل دول  العالم، وصل إلى مطار بغداد بداية هذا العام، وزار جميع محافظات العراق الـ 18 للتعرف على الثقافة بشكل أفضل.

استكشف بيورن الحضارات القديمة والمواقع الدينية المقدسة في العراق. وسكن في بيوت عائلات عراقية، ويصفهم بأنهم “أكثر العائلات أصحاب كرم في العالم”، وجرب الأكلات العراقية، منها الباجة  والدولمة والسمك المسكوف، وكون صداقات كثيرة في العراق.

وتقول السائحة السويسرية “سيلين” 26 عاماً، العضوة في المقهى: “حين وصلت إلى العراق كانت تشع في ذهني الصورة النمطية، التي رسخها الإعلام الذي يظهر الجوانب السلبية في العراق فقط”، مشيرة إلى أن “العراقيين رائعون ويتمتعون بالكرم والضيافة، وأن الشعب العراقي يستحق أن يظهر للإعلام بجانبه الايجابي، ونحن نستحق أن نرى الصور الجميلة فيه”.

ولفتت سيلين إلى “بساطة العائلات العراقية، ونمط الحياة الهادئ، وإلى سهولة التواصل مع الناس في العراق”.

البلاد ضحية الإهمال

من جانبها، لم تخف السائحة الايرلندية جانيت  من خلال مقطع فيديو نشرته في المجموعة إعجابها بالقهوة العربية، اذ عرجت هذه السائحة من خلال “مقهى المسافرين العراقيين” على مناطق الأهوار، وزارت آثار بابل، والعديد من المناطق السياحية الأخرى في العراق، بعد أن مهد لها شباب المقهى سبيل السفر.

على أن الرحالة الشهير drewbinsky، وهو أحد اعضاء المقهى، انتقد الإهمال الواضح للأثار، وكتب على حسابه في “الانستغرام”: “أقف في مدينة أثرية في بلاد ما بين النهرين، تسمى  أوروك يعود تاريخها الى عام 3100 قبل الميلاد، وكان يسكن هذهِ المدينة أكثر من تسعين ألف شخص، مما جعلها في ذلك الوقت أكبر وأول مدينة متحضرة في تاريخ البشرية”.

وأضاف، “لو كان هذا الموقع الاثري في إيطاليا أو فرنسا فسيكون سعر تذكره الدخول اكثر من 100 دولار وسيصطف طابور طويل من الانتظار، يضم الآلاف من الاشخاص ليدخلوا ويمشوا في أحد اقدم وأهم المواقع الاثرية في العالم”.

وتابع الرحالة قائلاً: “في العراق يهمل أهم المواقع الاثرية، فلا شيء غير الصحراء وحارس الأمن الذي سمح لنا بالدخول، ثم اكمل قيلولته بسبب قله السياح”.

رحال ويوتيوبي دينماركي زار العراق رافقه طيلة الرحلة أحد أعضاء ذلك المقهى شارك جمهوره رحلته في العراق، يقول إن تجربته في العراق من أفضل عشر تجارب عاشها بعد سفره إلى أكثر من 152 دولة.

وقال بأن أكثر 10 تجارب أحبها هي حرارة الجو في الصيف وكرم شعب العراق وتنوع البلد إذ يحتوي على العديد من الطوائف والقوميات والتاريخ والارث الحضاري المتميز، ولاحظ وجود نقاط التفتيش بكثرة، وهو يرى أن المطبخ العراقي من أشهى المطابخ داعياً جميع الرحالة والمسافرين إلى زيارة العراق وتجربة السياحة فيه.

مبادرات فردية

استفاد الشاب مصطفى عباس الفرطوسي، من مقهى المسافرين العراقيين ، وسعى عبر التنسيق مع أعضاء المقهى، إلى إبراز الوجه الجميل لبلاد الرافدين، عبر إطلاقه مبادرة تتمثل باستقبال السائحين الأجانب، واصطحابهم إلى المواقع التراثية، والمعالم السياحية في بغداد والمحافظات الأخرى.

الفرطوسي ما يزال طالباً بكلية الطب بجامعة بغداد، جعل بيته فندقاً لاستقبال الضيوف الوافدين من خارج العراق.

يؤكد الفرطوسي، أن “التعريف بمعالم بلدي السياحية، وقيمه الحضارية، واجب وطني”، مضيفا أنه “دائم التنسيق مع السائحين عبر الإنترنت، من خلال مقهى المسافرين العراقيين، ومن خلال تطبيقات سياحية أخرى، إضافة إلى التواصل مع الأصدقاء من السياح الذين أتعرف عليهم عبر الإنترنت”.

وأوضح الفرطوسي، “استقبل الوافدين في المطار، وأصحبهم إلى منزلي، وننطلق بعد ذلك في جولات سياحية إلى مختلف محافظات العراق”.

وتابع “استقبلت مؤخرا سياحاً من ألمانيا وبلجيكا وهونغ كونغ، وما زلت أواصل هذا النشاط الذي يهدف إلى تقديم العراق للعالم بصورته المشرقة”.

يبدو أن ما عجزت الدولة بمؤسساتها وإمكانياتها عن تحقيقه، حققه هؤلاء الشباب الهواة المفعمين بالحيوية والطموح، وأسهموا عبر مقهاهم في إيصال رسالة شفافة عن حضارة العراقيين، وتمكنوا من كسر حاجز الاختلاف الديني والثقافي، وتذويب ذلك الاختلاف، وتقديم صورة مشرقة عن العراق وسكانه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى