في الناصرية.. التصويت العقابي لإزاحة 18 سنة من حكم الفساد

الناصرية- منتظر الخرسان

في مقهى شعبي في ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية يجلس هشام الخفاجي مع أصحابه وأعينهم تتجه صوب شاشة التلفاز المعلق على الحائط، يتابعون لقطات من نشرة الأخبار لقيادات سياسية خاسرة في انتخابات تشرين وهي بانتظار قرار المحكمة الاتحادية للنظر بطعون نتائج الانتخابات. يعلق هشام قائلاً “هذا هو نتاج التصويت العقابي من قبل ساحات تشرين”.

يبدو هشام مرتاحاً لنتائج الانتخابات وانحسار سيطرة الأحزاب التقليدية، فقد واجه هو وأصحابه المتظاهرين ومنذ انطلاق التظاهرات تحديات كبيرة بدءاً من استهداف ساحة التظاهر الحبوبي من قبل مسلحين لعدة مرات ثم تفجير عبوات ناسفة لأكثر من مرة في مواقع المتظاهرين وصولاً لتنفيذ هجوم مسلح تُتهم جهات حزبية نافذة بالوقوف وراءه. يقول هشام “لقد ذقنا الأمرين من هذه الأحزاب ولا بأس أن يذوقوا طعم الخسارة”.

مسمار في نعش الطبقة السياسية

تنافس في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار التي يبلغ عدد ساكنيها أكثر من مليوني نسمة، 137 مرشحاً في الانتخابات البرلمانية التي أقيمت في العاشر من تشرين الأول الماضي لشغل 19 مقعداً هي حصة المحافظة.

وتبعد الناصرية عن بغداد 350 كيلو متر جنوباً وتعد واحدة من أبرز مدن العراق في الحراك الاحتجاجي الذي انطلق في تشرين الأول 2019 وقتل منها على مدار عامين أكثر من 130 متظاهر وجرح الآلاف وجرى تغييب متظاهرين قسرياً دون معرفة مصيرهم إلى اليوم.

ويعتبر مراقبون أن هذه المدينة كانت السبب الرئيس وراء استقالة عادل عبد المهدي من رئاسة الوزراء بعد ما يسمى بـ “مجزرة جسر الزيتون” التي وقعت في 28 تشرين الثاني 2019 اذ عمدت الأجهزة الأمنية آنذاك إلى فض الاعتصام عند الجسر الرابط بين الجزء الجنوبي والشمالي للمدينة فسقط قرابة 45 قتيلاً وأكثر من 350 جريحاً على مدار يومين.

التحديات التي واجهت هذه المدينة بلورت فكرة جديدة لدى المئات من الشباب بالتوجه نحو صناديق الاقتراع والتصويت في العاشر من تشرين الأول الماضي بأسلوب التصويت العقابي او الانتقامي، وهي “محاولة لمعاقبة الكتل السياسية النافذة في السلطة والتي تربعت على سلطة الحكومة العراقية لـ 18 سنة عبر التصويت لكتل سياسية مستقلة او مرشحين مستقلين” يوضح المتظاهر هشام.

ويتابع: “التصويت العقابي مكّن التشرينيين من طرق المسمار الأول في نعش الطبقة السياسية الحاكمة، وقد تغيرت بهذا التصويت المعادلة برمتها على مستوى المحافظة”.

خسارة كبيرة

نتائج انتخابات تشرين التي أعلنت عنها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات آظهرت مفاجآت غير متوقعة إذ استطاعت كتلة امتداد التشرينية إيصال خمسة مرشحين من أصل ستة إلى قبة البرلمان عن محافظة ذي قار بينما حصلت الكتلة الصدرية على تسعة مقاعد وذهبت أربعة مقاعد لائتلاف دولة القانون ومقعد واحد لمرشح مستقل.

بالنسبة لمراقبين كثر، كان اللافت في الانتخابات الأخيرة حصول كتلة “امتداد” على أكثر من 150 ألف صوت انتخابي بفارق 60 ألف صوت فقط عن الكتلة الصدرية التي تمتلك قاعدة جماهيرية واسعة وماكينة انتخابية منضبطة وفعالة، ورغم هذا زاد عدد مقاعد الصدريين عن الانتخابات الماضية مقعداً واحداً فقط.

أما الخسارة الكبيرة فلحقت بكتلة “الفتح” فلم تحصل على أي مقعد، والفتح واحدة من أهم الكتلة السياسية في العراق اذ تمتلك فصائل مسلحة ضمن صفوف الحشد الشعبي وكان دورها واضحاً في عمليات التحرير وأغلب مقاتليها من الناصرية، وسجلت قرابة الـ 1500 قتيلاً في معارك ضد تنظيم “داعش”، إلا أن اعتمادها الوضح على مرشحين سابقين وعدم تقبل الشارع لهم تسبب بخسارتهم للمقاعد الخمسة التي حصدوها في انتخابات 2018.

فارق شاسع

يشير المتظاهر هشام وأصحابه إلى أن القانون الانتخابي الجديد ونظام الدوائر المتعددة الذي رتب المرشحين بحسب عدد الأصوات شكل فرصة مؤاتية لكتلة “امتداد” التشرينية للحصول على أغلب مقاعد المحافظة.

فالمرشح علاء الركابي عن الدائرة الأولى حصد لوحده 34870 وهذا الرقم كان بالإمكان أن يؤهل ثلاثة مرشحين آخرين للفوز، خصوصاً إذا ما قارناه مع عدد أصوات المرشحة أميرة عبد الرسول التي حلت في الترتيب الثاني وحصدت 6805 صوتاً، بفارق شاسع عن الركابي.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة ذي قار الدكتور نجم عبد طارش يرى أن مستوى التحدي الذي واجهه الشباب المحتج خلال عامي 2019 و2020 أسهم في تحفيزهم للمشاركة بالانتخابات، وأضاف “شباب تشرين أرادوا حرق مستقبل الأحزاب السياسية في البلاد عبر التصويت العقابي”.

ويجد طارش أن فكرة التغيير بدأت تتبلور لدى المجتمع في ذي قار وبقية محافظات العراق لاسيما بين شريحة الشباب بعد أن ظهر البديل في الأحزاب التشرينية وبعد أن سمح القانون الجديد للمستقلين بالترشح بشكل فردي بعد رفع الكثير من الشروط عنهم.

هذا الرأي ذهب إليه أيضاً الأستاذ الجامعي ياسر البراك، مشيراً إلى قول المرجعية الدينية بأن “المجرب لا يجرب” الذي تم التفاعل معه من قبل شرائح واسعة من الناخبين، ويضيف البراك أن “قانون الدوائر المتعددة أسهم أيضاً في إضعاف القوى السياسية التقليدية وتقويض نفوذها”.

أما  المتظاهر هشام الذي يتابع مع أصحابه نتائج الطعون التي رفعتها الأحزاب التقليدية أمام المحكمة العليا، فيؤكد أن “سهم تشرين أصاب السياسيين بصدمة” ويضيف: “هناك 45 مستقلاً في البرلمان.. نحن كمتظاهرين ننتظر منهم أن يشكلوا جبهة وطنية معارضة تستعيد لنا حقوقنا وتعيد لنا أموالنا المسروقة”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى