اكتشاف علمي فريد من نوعه يسجل بإسم باحثة من ذي قار

ذي قار- مرتضى الحدود

لم تكن الظروف التي مرت بها “بسعاد العبودي” ملائمة كي تتابع مسارها العلمي إلا أن عزيمتها مكنتها من طيّ خطوات كانت تبدو بعيدة لتسجل اكتشافاً علمياً في مجال علم الأحياء والطفيليات، هو الأول من نوعه على مستوى العالم.

مسيرة شاقة

السيدة الخمسينية نبغ ميولها العلمي منذ صغرها إذ برز اهتمامها بعلم الأحياء والمعادلات الحسابية وما أن بلغت مرحلة السادس العلمي حتى سجلت معدلاً دراسياً كان يعتبر عالياً آنذاك، يؤهلها لدخول مختلف كليات الهندسة.

تتحدث بسعاد وهي ترتدي الصدرية البيضاء داخل المختبر العلمي، تنتقل بين أروقته وتتذكر أولى مراحل قبولها الجامعي في عام 1990. فرغم معدلها العالي إلا أن “بسعاد” توجهت آنذاك إلى كلية التربية قسم البنات “إرضاءً لوالدي الذي لم يكن يحبذ اختلاطي بالرجال في أروقة الجامعات”، تقول.

ما لبثت “بسعاد” مدة قصيرة في الجامعة حتى صدر قرار آنذاك يمنعها من إكمال دراستها لأن ابن عمها كان معارضاَ سياسياً أعدمه نظام صدام حسين. تقول “تم معرفة ذلك من خلال التحري عنّي، لذا وضعت بين خيارين إما الذهاب إلى كلية الهندسة أو إلى كلية العلوم فاتجهت نحو كلية العلوم، قسم علوم الحياة”.

خيّاطة وباحثة

تزامن دخول بسعاد كلية العلوم مع فترة الحصار الاقتصادي الذي خنق البلاد، ولولا وقوف شقيقتها التي تعمل في مهنة الخياطة معها لما تخرجت في العام 1994 بدرجة تفوق.

عادت “بسعاد” وهي تحمل البكالوريوس إلى المنزل ولم تتوقع أن يرن الهاتف الأرضي ليتم استدعاءها من قبل مشرفتها على البحث للتقديم كمعيدة في الكلية نتيجة لمعدلها العالي فعادت من جديد الى الحياة الجامعية مع مرتب شهري يعينها إلى حد ما على متابعة دراسة

خلال تلك الفترة تعلمت بسعاد من أختها مهنة الخياطة، “كنت أخيط الملابس للزبائن لأموّل دراستي وفي الوقت نفسه أدرس في الجامعة”، تروي السيدة التي أنهت الماجستير في صنف الطفيليات عام 2001.

طموح الدكتوراه

في عام 2003 بدأت بسعاد حياة جديدة عندما تزوجت وانتقلت إلى الناصرية حيث مارست عملها البحثي في جامعة ذي قار.

تروي بسعاد أن زوجها كان داعماً لها في مسيرتها العلمية، وفي انتقالها إلى بغداد لنيل شهادة الدكتوراه وللعيش في منزل أهلها مع طفليها، لطن خطتها الدراسية لم تكلل بالنجاح لصعوبة توفيقها بين عملها وأسرتها. “في بغداد وجدت نفسي في ظروف أشد صرامة ما بين تربية الأطفال والحياة المنزلية والأبحاث العليمة فاعتذرت بعد شهرين وعدت إلى بيتي”.

طموح الدكتوراه لم يتوقف لتعاود من جديد ولكن هذه المرة بعد أن بلغ طفليها أعماراً تؤهلهما للاعتماد على نفسيهما، فتابعت دراستها وأبحاثها العلمية حتى نالت درجة البرفيسور عام 2019 في علم الطفيليات.

اكتشاف جديد

قبل نحو ثلاث سنوات التحقت بسعاد بجامعة البصرة وخلال تلك المدة تعمقت في دراسة الطفيليات لتحقق اكتشافاً علمياً جديداً نقل اسمها إلى مصاف الباحثين الدوليين.

توضح بسعاد وهي جالسة أمامها المجهر أن العراق لم يسجل تاريخياً عزل “الأميبا” من السائل الدماغي للمصابين بالسحايا، والأميبا هو كائن يصنف كأحد الطفيليات.

خلال بحثها المستمر على تلك العينات التي حصلت عليها من مصابين بالسحايا لم تجد “أميبات” بل وجدت طفيلياً يعود الى صنف الهُدبيات وهذا الصنف معروف عنه لدى الأوساط العلمية بأنه لا يصيب الإنسان ماعدا جنس واحد منه يتطفل على القناة الهضمية هو “بلانتيديوم كولاي” وبقية الأجناس منه تعيش في بيئات مختلفة خارج جسم الإنسان.

تشرح بسعاد أن “الجنس الذي تم تسجيله من قبلي يعيش حراً في المياه المالحة وأيضاً العذبة وممكن أن يصيب الحيوانات المائية مثل السرطان أو الأسماك والنواعم ويسبب لها الموت أما عزله من الإنسان فهذا هو التسجيل الأول عالمياً”.

وتضيف الباحثة العراقية، “للتأكد من أنه جنس مرضيّ تم تطبيق فرضية كوخ من خلال حقن الحيوانات المختبرية وتأكدت الاصابة بهذه الحيوانات بعد تشريحها وتم العودة بهذه النتائج إلى عدد من الأساتذة المشرفين على أبحاثي ليخرجوا بنتيجة أن لدينا اكتشافاً جديداً”.

إنجاز لكل النساء

استغرقت التجارب على هذا الطفيلي ستة أشهر للتأكد من صحة البحث، لترسل بعدها العينات إلى بنك الجينات العالمي مرفقة بالبحوث العلمية والدلائل، وليسجل بعدها هذا الاكتشاف باسم بسعاد العبودي، على أن هذا الطفيلي الهُدبي يصيب الإنسان ويسبب له المرض.

الاكتشاف العلمي عده البروفيسور مسلم عبد الرحمن، أستاذ في كلية العلوم بجامعة البصرة، أنه فريد من نوعه على مستوى العراق.

“هذه الدراسة العلمية جاء بإضافة جديدة، وأهمية هذا الاكتشاف للطفيلي الهُدبي يكون في أن هناك نوع طفيلي يصيب الانسان تم اكتشافه قديما وما تم اكتشافه من قبل بسعاد العبودي يعدّ النوع الثاني الذي يمكنه أن يصل إلى سحايا الدماغ عن طريق إصابة الإنسان بالجروح لذا تعد الدراسة حوله من قبلها هي اصيلة بامتياز”، يوضح د. عبد الرحمن.

من جهتها تؤكد للمنصة أن هذا الإنجاز “يحسب للمرأة العراقية” وليس فقط لها شخصياً، فهي ليست المرأة الوحيدة في العراق التي تتمكن من تحقيق إنجاز علمي كبير رغم كل الضغوطات الممارسة عليها خلال مسيرتها الشخصية والمهنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى