انتخابات تشرين بين التغيير السياسي والعودة إلى أحضان التوافق
بغداد – سارة القاهر
تدعو نتائج الانتخابات النهائية كما أعلنتها المفوضية إلى طرح أكثر من سؤال عن شكل الحكومة المقبلة وآفاق التغيير المنشود من عملية الاقتراع.
هذا ما كان يفكر به أستاذ العلوم السياسية في جامعة ذي قار الدكتور نجم طاهر عبد طارش الغزي، وهو يطوي الصحيفة الرسمية التي نشرت النتائج النهائية.
يصف الدكتور الغزي نتائج الانتخابات النهائية التي تنتظر المصادقة عليها من قبل المحكمة الاتحادية، بانها “مفاجأة من العيار الثقيل للكتل والأحزاب المهيمنة على المشهد السياسي، وتفرض معادلات جديدة على التحالفات السياسية لتشكيل الحكومة المقبلة، الأمر الذي قد يؤدي الى تأخير تشكيلها لعدة أشهر بسبب الجدل حول الكتلة الأكبر”.
الحلقة الأضعف
أفرزت نتائج انتخابات التي جرت في 10 تشرين الأول الماضي تراجع أحزاب السلطة، وحل التيار الصدري في المرتبة الأولى بواقع 73 مقعداً برلمانياً من أصل 329، ثم النواب المستقلين بواقع 43 مقعداً، وحصل تحالف دولة القانون على 33 مقعدا، فيما لم لحقت هزيمة كبيرة بتحالف الفتح الذي لم يحصل إلا على 17 مقعدا فقط.
وتخطت النساء في هذه الانتخابات عدد مقاعد الكوتا المخصصة لهن والبالغ 25 بالمئة من إجمالي مقاعد البرلمان، اذ بلغ عدد الفائزات 97 امرأة، وحصلت الحركات السياسية الجديدة ومنها حركة “امتداد” على 9 مقاعد، وحصلت “اشراقة كانون” على 6 مقاعد، وتحالف “تصميم” 5 مقاعد، وتحالف “العقد الوطني” 4 مقاعد.
وتؤشر هذه النتائج على تراجع الأحزاب الإسلامية في عدد من مدن الوسط والجنوب وعلى انهيار قاعدتها الشعبية، بينما يعكس صعود أحزاب ناشئة تغييرا واضحا في مزاج الناخب العراقي الذي عانى من فساد أحزاب السلطة والحكومات السابقة.
غير أن مراقبين من بينهم الغزي، أستاذ العلوم السياسية، يخشون ان يكون المرشحون المستقلون، هم الحلقة الأضعف، فاستقلاليتهم قد تكون “خدعة لاصطياد الناخبين”، خصوصاً أن عدداً منهم لجأ إلى تقديم نفسه على أنه “مستقل” بهدف النأي عن إخفاقات حزبه، و”هم يحاولون تقديم صورة جديدة عن أنفسهم تخرجهم من نطاق المسؤولة عن الفساد وسوء الإدارة خلال السنوات الماضية”.
مصدر خشية العزي هو ما حصل في دورات انتخابية سابقة بين المستقلين وأحزاب السلطة، إذ سرعان ما كان “المستقلون” ينضمون للحكومة ما يدل على تبعيتهم الحزبية الواسعة التي تشمل أطرافا وكتلاً سياسية مختلفة.
وقد لا يختلف الأمر كثيراً في انتخابات 2021، بالنسبة للمستقلين، فقد أعلن عدد منهم انضمامهم الى كتل وأحزاب سياسية، ومنهم المرشح المستقل عن محافظة الأنبار، أحمد رشيد السلماني، الذي أعلن فور فوزه عن انضمامه إلى حزب “تقدم” برئاسة محمد الحلبوسي.
خيارات متعددة
فضلا عن بروز “المستقلين” شهدت انتخابات تشرين المبكرة التي فرضتها ساحات التظاهر، للمرة الأولى صعود 4 مرشحين من التكنوقراط مدعومين من المرجعية الدينية، الأمر الذي يدل على رغبة المرجعية في تغيير المشهد العراقي الذي ينخره الفساد.
في المقابل تتحرك الكتل الشيعية التي رفضت نتائج الانتخابات لتشكيل كتلة أكثر عدداً من الكتلة الصدرية، لكن ذلك قد يحتاج إلى قرار من المحكمة الاتحادية العليا.
وأمام النتائج المعلنة يمكن تحديد ملامح الحراك السياسي عبر الخيارات الممكنة لتشكيل الحكومة، وأول تلك الخيارات قيام الكتلة الصدرية بتشكيل الحكومة بالتعاون مع حركة “تقدم” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” وبعض المستقلين.
أما الخيار الآخر، فهو أن يقوم “ائتلاف دولة القانون” بتشكيل تحالف مع الفتح وبعض الكتل الشيعية الأخرى لتشكيل كتلة أكبر عدداً من الكتلة الصدرية، تسمح لهم بأجراء تفاهمات مع الكتل السنية والكردية لتشكيل الحكومة.
على أن السيناريو الذي يبدو أكثر واقعية هو العودة الى تشكيل حكومة توافقية واختيار مرشح تسوية لرئاسة الحكومة، وسيكون السنة والاكراد أكثر قدرة على التحكم في اختيار المرشح الشيعي لرئاسة الحكومة بسبب عمق الخلافات بين الكتل الشيعية.
ومع سهولة حل مشكلة الكتلة الأكبر بالتحالف بين الصدريين ودولة القانون وبعض المستقلين والكتل الفائزة، الا ان هذا الامر صعب للغاية بحسب الغزي، وذلك بسبب الخلافات العميقة بين الصدريين ودولة القانون.
فاجتماع الاطار التنسيقي الشيعي الذي جمع السيد صدر مقتدى الصدر لأول مرة مع رئيس دولة القانون نوري المالكي، لم يتطرق الى التحالف من أجل تشكيل الحكومة على الاطلاق، وإنما تركز على مواضيع عامة مثل التصدي للفساد ورفض المحاصصة والتوافقية، مما يؤكد أن مجريات الأمور ومفاوضات تشكيل الحكومة قد تمتد حتى منتصف العام المقبل وتسفر عن حكومة توافقية، فيما ستشكل الكتل والاصوات الجديدة معارضة قوية في البرلمان، خاصة بعد تصريحاتهم التي شددت على رفضهم المشاركة في اي حكومة توافقية.
نظام التوافق
ذلك كله بحسب الغزي، قد يجعل بصيص الأمل ضعيفاً في التغيير السياسي المنشود، فالحكومة المقبلة لا تخرج على الأرجح عن نطاق التوافق على الرغم من وصول كتل سياسية جديدة وأصوات عديدة من النساء والتكنوقراط وبعض المهنيين.
وعلى الرغم من تصريحات بعض الأطراف السياسية حول تشكيل حكومة ذات أغلبية وطنية، لكن الحكومة الجديدة لن تكسر بحسب مراقبين، شوكة التوافق، بسبب الخارطة السياسية المعقدة، ولان حكومة الأغلبية الوطنية التي تلبي طموح الشارع العراقي ستبقى في الأساس بحاجة إلى توافق القوى الكبرى.
لذلك يرى الغزي أن من الضرورة بمكان أن تنأى الكتل الجديدة والمستقلون بأنفسهم عن الحكومة ويقومون بتشكيل معارضة داخل البرلمان كخطوة أولى باتجاه إصلاح الخلل المزمن في العملية السياسية.