محمد رمضان يوقد صراعاً في بغداد بين التيارين الديني والمدني

بغداد- منتظر الخرسان

لم يستغرب قيس سعيد من سكنة بغداد قرار مدينة “سندباد لاند” الترفيهية تعليق إقامة الحفلات الفنية بعد ردود الأفعال الغاضبة على حفل غنائي أحياه الفنان المصري محمد رمضان.

الفنان المثير للجدل بإطلالاته الجريئة التي تستهدف فئة الشباب، كان قد أحيا حفله قبل أكثر من أسبوع على مسرح مدينة “سندباد لاند” وسط بغداد ضمن موسم تقيمه إدارة المدينة سبقه إليه عدد من المغنيين العرب أبرزهم الفنانة اللبنانية أليسا التي أقامت حفلها في نهاية تشرين الأول الماضي.

لكن حفلة رمضان جاءت على ما يبدو لتكون بمثابة “ضربة قاضية” لهذا النوع من النشاطات الفنية التي يرفضها عدد مؤثر من رجال الدين ومعه أحزاب سياسية إسلامية.

“الترفيه مطلوب”

وكان العشرات من الأهالي قد تظاهروا احتجاجاً على الرقص واختلاط الجنسين في حفل محمد رمضان قاطعين الطريق المؤدية إلى مدينة “سندباد لاند” ومطالبين بمنع هذا النوع من “المهرجانات” باعتبارها “منافية للأخلاق الإسلامية”.

قيس، 27 عاماً، وهو أحد الحاضرين للحفل الغنائي الذي أقامه محمد رمضان بعد أن قطع تذكرة قيمتها 300 دولار أمريكي بما يعادل 440 ألف دينار عراقي لا يرى مبرراًَ لردود الفعل التي ظهرت مؤخراً اتجاه الحفلات والتجمعات الغنائية.

ويجد في إقامة الحفلات “جزءاً من الترفيه المطلوب بشدة، للهروب من ضغط الحياة والمشاكل السياسية التي تعصف بالبلاد، ولعدم وجود متنفس وبديل آخر يمكن للشاب أو الشابة العراقيين أن يلجآ اليه”.

“انحدار وانتكاسة”

سلسلة الحفلات هذه التي أقيمت ببغداد هي الفعالية الغنائية الثانية بعد “مهرجان بابل” خلال العام الجاري. وهي فعاليات لم تأت برعاية حكومية بل بدعم من إدارة المدينة بالتعاقد مع إحدى الشركات المصرية الراعية. 

ورجح مراقبون أن القائمين على إدارة المدينة لم يتوقعوا أن تكون ردة الفعل كبيرة الى هذا الحد سيما بعد عدة فعاليات مشابه سبقتها.

أحد رجالات الدين ظهر في مجلس حسيني متحدثاً بغضب شديد تجاه حفلة محمد رمضان على وجه التحديد واصفاً الحدث بأنه “انحدار وانتكاسة” على المستوى الأخلاقي داعيا “لعدم ترك الموضوع يمر بسلام” لتثار بعد ذلك ردود كبيرة بين رافض لما ردده الخطيب الحسيني وبين مؤيد.

وتزامنت فترة إقامة الحفل الغنائي مع الذكرى السنوية للأيام الفاطمية كما يسميها أتباع المذهب الشيعي في العراق في إشارة لذكرى استشهاد السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي محمد (ص).

وتعد هذه الأيام أشبه بالأعياد المقدسة في وسط وجنوب العراق، لذلك تجمهر المئات من أصحاب المواكب الحسينية ببغداد أمام مدينة السندباد مستنكرين الحدث مطالبين بمنع الحفلات وإقامة صلاة المغرب جماعة أمام مقر الحفلة، ليعقب ذلك إعلان من قبل إدارة المدينة السياحية عن إنهاء وإلغاء العقد المبرم مع الشركة المصرية الراعية لهذه الحفلات الغنائية.

“حالة صحية”

أستاذ علم الاجتماع الدكتور عدي شبيب يرى أن إقبال المئات من الشباب على حضور الحفلات الغنائية المقامة من قبل الفنانين محمد رمضان أو غيره هو نتيجة تحول لدى الجيل الحالي، “فهم يمتلكون توجهات مغايرة لتوجهات الآباء تتصل أكثر بالحياة ولا تنطلق من مقدمات دينية”.

ويتابع شبيب أن الجيل الشاب يعاني من “الكبت والخنق” نتيجة توجه الجماعات المحافظة التي تعمل على حظر هذه الاحتفالات.

ويجد أن ما حصل يعبر عن وجود تيارين هما “التيار الديني المرتبط بشبكة واسعة من رجالات الدين والأحزاب، والتيار المدني في ظل تراجع سلطة الديني في الانتخابات الأخيرة بعدما قدمته الأحزاب الدينية من نموذج فاشل لإدارة الحكم في البلاد”.

لكن شبيب يعتقد أن وجود هذين التيارين في النهاية يعبر  عن “حالة صحية” للتنافس على حيازة مناصرين لهما داخل المجتمع. 

وتصدر ترند عبر موقع تويتر بعنوان “بغداد مدنية” حملة مناهضة للاحتجاجات الدينية المعترضة على إقامة الحفلات الغنائية، وتزامن ذلك مع إلغاء حفل مشابه في مدينة الناصرية تقيمه الجامعة الوطنية التكنولوجيا الأهلية لدعم السياحة والآثار تضمنت إحدى فقراته أغنية للفنانة رحمة رياض. 

إلا أن إلغاءه وفق البيان الصادر من قبل المنظمين جاء بسبب “وجهات النظر التي طرحها أهالي الناصرية على كادر الجامعة الوطنية بخصوص هذا الحفل”.

توظيف سياسي

لا يستبعد مختصون أن يكون هناك توظيف سياسي لحالة رفض إقامة الحفلات، وذلك من خلال مغازلة شرائح واسعة من المجتمع تحركها القناعات الدينية.

أستاذ في كلية الاعلام جامعة ذي قار الدكتور ياسر البراك رجح بأن تكون هناك عملية توظيف سياسي حصلت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق أهداف محددة، إذ تزامنت ردود الفعل مع خسارة كبيرة للأحزاب السياسية الإسلامية لجمهورها في انتخابات البرلمانية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وهي تحاول استعادة جمهورها عبر هذه الوسيلة.

ويرى البراك أن ما يحصل هو صراع ذو توجهين، ديني ويمثله رجال الدين وخاصة الأحزاب الدينية التي تمتلك السلطة، ومدني في الوقت الذي كفل فيه الدستور ونظام الحكم حرية التعبير والتجمع، مشيراً إلى أن “الاحتكام للدستور العراقي هو الأمر الأمثل من الناحية القانونية”.

رجل الدين الشيخ أوس الخفاجي الذي كان أحد أئمة صلوات الجمع خلال فترة مرجعية السيد محمد الصدر وكان مسؤول قوات أبو الفضل العباس القتالية خلال معارك التحرير ضد تنظيم داعش في العراق قبل أن يتم حلها بعد انتهاء المعارك، ظهر عبر إحدى القنوات الفضائية العراقية لينتقد بشكل واضح الطريقة التي دعت إلى محاربة هذه الظواهر ويجد انها “ليست معركة فيها طرف كاسب لها وآخر خاسر فالشيء الأمثل هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة”.

أما الشاب قيس الذي يرغب بحضور الحفلات الغنائية والأماكن الترفيهية، فييدو غير مقتنع أن هذه الأماكن “مفسدة للشباب” بحسب وصف الآخرين، فلكل فرد حسب قوله مستوى من الأخلاق والمعايير المجتمعية التي يعمل بها، مبدياً تخوفه من أن تكون ردة الفعل “خطوة أولى باتجاه المزيد من المنع وكبت الحريات”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى