نجح رئيس البرلمان فهل يتكرر الأمر مع رئاستي الجمهورية والحكومة؟
بغداد- منتظر الخرسان
انتهت الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي قبل أيام بسابقة تحصل للمرة الأولى منذ عام 2005 بتجديد الثقة لرئيس المجلس السابق محمد الحلبوسي لولاية ثانية ما يشكل بحسب مراقبين “رسالة اطمئنان” لرئاستي الجمهورية والوزراء بإمكانية تجديد الولاية لهما أيضاً من دون فيتو.
ويقضي العرف السياسي في العراق منذ عام 2003 وحتى الآن بتقسيم الرئاسات الثلاث بين المكونات الأكثر عدداً في البلاد لتكون بذلك رئاسة مجلس النواب للمكون السني فيما تكون رئاسة الجمهورية للمكون الكردي ورئاسة الوزراء للمكون الشيعي كونه يمثل الأغلبية في إحدى عشر محافظة عراقية، لكن مع حصول بعض الاستثناءات في توزيع المناصب وفق هذا العرف.
ويتم تقاسم الوزارات والدرجات الخاصة وفق العرف نفسه بين المكونات الثلاثة الكبيرة حسب الاستحقاق الانتخابي، مع مشاركة بسيطة للمكونات الصغيرة من الايزيدين والمسيحيين والشبك والصابئة وغيرهم.
رئاسة مجلس النواب منذ عام 2005 وحتى عام 2018 لم تشهد تجديد ولاية ثانية لقيادي سني كما حصل في الدورة الخامسة الحالية إذ تم التصويت في التاسع من كانون الثاني/يناير على تجديد الثقة مرة ثانية للحلبوسي كرئيس لمجلس النواب، وجاء هذا التصويت بعد اتفاق الكتل السنية في “تحالف العزم” الذي طرح مرشحه الوحيد داخل المجلس ليحصد بذلك 200 صوتاً.
“تحالف العزم” ضم أكبر كتلتين سنيتين في المنطقة الغربية، الأولى كتلة “تقدم” برئاسة الحلبوسي وحازت على 38 مقعداً في انتخابات تشرين أول/ أكتوبر 2021 فيما ضمت كتلة “عزم” بزعامة خميس الخنجر “حزب الجماهير” و”حركة حسم للإصلاح” و نواب من “كتلة العقد الوطني” و “التحالف العربي” في كركوك فضلاً عن عدد من النواب السنة الفرادى، وبلغ عدد مقاعدها 34 مقعداً.
رعاية عربية
يرى مراقبون أن تحالف الخنجر مع الحلبوسي جاء برعاية من دول عربية ليكون امتداداً لها في الداخل العراقي في مواجهة التدخلات الإيرانية بالعملية السياسية.
مدير مركز الجنوب للدراسات صلاح الموسوي يجد في تجديد ولاية الحلبوسي لرئاسة البرلمان “امتدادات ورعاية عربية”، فقد سبق إعلان تحالف الحلبوسي وخنجر زيارة أجراها الاثنان معاً إلى الأردن والإمارات وتركيا ومصر، فضلاً عن أن عدد المقاعد البرلمانية التي حصدها حزب الحلبوسي دعمت من فرص إعادة ترشيحه وأهلته للحصول على المنصب.
ويرى الموسوي أيضاً أن العملية السياسية بمجملها شهدت منحى آخرل يختلف عن الانتخابات السابقة كونها جاءت في أعقاب تظاهرات تشرين أول/اكتوبر 2019، “فرغم تركز حركة الاحتجاجات في محافظات الجنوب والوسط وفي العاصمة بغداد إلا أنها وصلت أيضاً لشمالي العراق وغربه”.
ويضيف الموسوي أن كلمة الحلبوسي بعد انتخابه واضحة عندما قال “ما نحن إلا نتاج للمظاهرات التي حدثت في عام 2019” في إشارة واضحة إلى أن الوضع السياسي في العراق تغير والمرحلة المقبلة يجب ان تتضمن ترميم التصدع الحاصل بين الشعب وقياداته السياسية.
الكاتب قيس سعيد يرى أن رعاية الدول العربية للتحالفات السنية كانت حاضرة وبقوة في دخول الأحزاب السنية مؤتلفة وحسم ملف رئاسة البرلمان بشكل سريع لصالح الحلبوسي في حين احتفظ خنجر برئاسة التحالف وقيادة المفاوضات المقبلة “نظراً لعلاقاته العربية وقدرته على التناغم مع القوى الشيعية، فهو كان حليفاً لها في حكومة عام 2018 وشارك في التصويت آنذاك على تشكيلها برئاسة عادل عبد المهدي وجلس جنباً إلى جنب مع نوري المالكي بعد أن كان نداً له”.
فوز الحلبوسي بالرئاسة دفع العشرات من أهالي الانبار إلى الخروج باحتفالات في سياراتهم التي جابت شوارع المدينة فيما جرى تداول مقاطع فديوية لأحمد أبو ريشة وهو يعبر عن فرحته باطلاق النار عبر سلاحه “البرنو” الذي يعد أحد الرمزيات التراثية للقيادات العشائرية ويرجع تاريخها لعشرينيات القرن الماضي.
تنافس كردي- كردي
الأحزاب الكردية وعلى غير العادة لم يكن اتفاقهم ناضجاً للخروج باسم مرشح لرئاسة الجمهورية في ظل التنافس القائم بين الحزبين الكرديين الكبيرين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.
فقد طرح الأخير احتمالية أن يكون مرشح الرئاسة من قبله بعد أن كان هذا المنصب حصة متفق عليها للاتحاد الوطني، وتم تداول عدة أسماء من الحزب الديمقراطي لشغل المنصب كان أبرزها فؤاد حسين وهوشيار زيباري وخسرو گول محمد فيما يطرح حزب الاتحاد الوطني مرشحه الأساسي والوحيد برهم صالح.
رئيس الجمهورية برهم صالح بحسب مراقبين يحظى بشعبية أكبر في الشارع العراقي خصوصاً في المناطق الوسطى والجنوبية ذات الغالبية الشيعية، فهو دائم الاستذكار لمناسبتهم الدينية والاجتماعية وسجل أكثر من موقف متفهّم لمطالب المتظاهرين فضلاً عن إنشائه لمضيف من القصب في بغداد اعتاد استقبال ضيوفه فيه في محاولة منه للظهور بمظهر رجل السياسة القريب من عامة الناس ومن المجتمع الجنوبي على وجه الخصوص.
مصادر سياسية تجد حصول حزب الاتحاد الكردستاني على منصب رئاسة الجمهورية هو الأقرب رغم قلة عدد مقاعده، خصوصاً بعد انتخاب شاخوان عبد الله من الحزب الديمقراطي لمنصب النائب الثاني لرئيس البرلمان.
مستشارة المكتب السياسي لاتحاد الوطني الكردستاني ريزان شيخ دلير أكدت في بيان لها أن “برهم صالح هو المرشح الوحيد للكرد لمنصب رئاسة جمهورية العراق”.
صراع على الكتلة الأكبر عدداً
تزاد وتيرة التنافس السياسي على منصب رئاسة الوزراء وهو حصة المكون الشيعي ذي الأغلبية العددية في البرلمان، إذ افرزت انتخابات تشرين 2021 عن فوز الكتلة الصدرية بـ 73 مقعداً فيما حصد تحالف الفتح الذي يضم مناصرين للحشد الشعبي على 19 مقعداً أما ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي فحصد 33 مقعداً، ليشكل الفتح ودولة القانون وبعض الأحزاب الصغيرة تكتلاً سياسياً تحت مسمى “الإطار التنسيقي”.
وشهدت الجلسة الأولى لمجلس النواب تقديم “الاطار التنسيقي” ورقة ضمت تواقيع لـ 88 برلمانياً موجهة إلى رئيس السن الذي أدار الجلسة محمود المشهداني على أنهم الكتلة الأكبر عدداً، ليثير ذلك حفيظة الكتلة الصدرية ويشوب الجلسة فوضى أدت إلى إطلاق الهتافات والتدافع حتى وصل الأمر “للاعتداء” على المشهداني بحسب ما تحدث به في مقطع فديوي قصير تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي ظهر فيه الأخير غائباً عن الوعي إثر تلك الحادثة ليتم نقله إلى المستشفى بالتزامن مع نسحاب أعضاء الإطار من الجلسة. وأديرت بعد ذلك الجلسة من قبل النائب خالد الدراجي، العضو الأكبر سناً من بعد المشهداني وتم انتخاب الحلبوسي رئيساً للبرلمان وتقديم الكتلة الصدرية تواقيع نوابها بأنهم الكتلة الأكبر عدداً.
منصب رئاسة الحكومة لازال يثير قلق الشارع والسياسيين اذ ان زعم التيار الصدري مقتدى الصدر متمسك بقراره بتشكيل “حكومة أغلبية وطنية” والابتعاد عن المحاصصة في الوقت الذي يطلق فيه الصدر التغريدات بضرورة عدم المساس بالعملية السياسية رافضاً ما وصفه بالتهديدات التي تصله.
الكاظمي.. الأوفر حظاً
تشير التسريبات إلى احتمالية ترشيح مصطفى الكاظمي لولاية ثانية رغم أنه مرفوض من قبل أعضاء كتلة “الإطار التنسيقي” بعد اتهامه بالوقوف خلف عملية “تزوير الانتخابات” بحسب الادعاءات التي يتم اطلاقها.
الخبير في الشأن السياسي الدكتور أحمد الشريفي يجد أن تجديد الولاية الثانية للحلبوسي يفتح الباب أمام الكاظمي لاحتمالية فوزه بولاية ثانية، “فهو يعد هو أبرز المرشحين لمنصب رئاسة الوزراء من قِبل الصدر، وبالأغلبية الحالية يمكن تمريره في البرلمان بكل أريحية، حتى وإن كانت قوى الإطار معترضة على الترشيح، كما هو الحال في اعترضها على إعادة تجديد ولاية الحلبوسي”.
الكاتب وسام الموسوي يرى أن هناك مقبولية للكاظمي بين الأقطاب الدولية المؤثرة في العراق وهما الطرف الإيراني والأمريكي ويمكنه أن يلعب دور الوسيط بينهما فضلاً عن قربه من الكرد والسنة على حدا سواء.
وفي ظل تصاعد تصريحات من القيادات الكتلة الصدرية بأن الحكومة ستكون حكومة أغلبية وطنية تخرج تهديدات مبطنة من قيادات سياسية بان الاستمرار في محاولة إقصاء “الاطار” من تشكيل الحكومة قد يجبر مقاتلي الحشد الشعبي على الانسحاب من مواقعهم.
هذا التهديد جاء بشكل واضح على لسان عضو ائتلاف دولة القانون علاء الحدادي إذ قال إن “الجماهير اغلقت بوابات المنطقة الخضراء اعتراضاً على نتائج الانتخابات” وأشار إلى احتمالية انسحاب قوات الحشد الشعبي من قواطع مسؤوليتها اذ استمرت عملية إقصاء الإطار التنسيقي من تشكيل الحكومة.
في مقابل ذلك يرى استاذ العلوم السياسية أياد العنبر في هذه التهديدات “ورقة ضغط” على الفرقاء السياسيين فضلاً عن أن “إدارة ملف الحشد الشعبي وتحريك القوات هو بيد رئيس الوزراء وأي محاولة من هذا القبيل تعني إضعافاً واضحاً له”.
وأضاف العنبر أن “الإطار التنسيقي لا يمتلك خطة واضحة سواء بما يتعلق بالمشاركة في الحكومة أو الذهاب الى المعارضة وهم يصرون فقط على تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة”.
وتبقى التوافقات السياسية هي المتحكم الأساسي في تنصيب وتنحية الرئاسات الثلاث رغم المتغيرات التي حصلت في مجلس النواب العراقي لدورته الحالية من دخول كتل تشرينية ومستقلين ذهبوا الى صف المعارضة.