صراعات سياسية وعشائرية تضع ميسان على حافة الانهيار الأمني

 

المنصة – خالدة العمراني

 

نوعان من النزاعات ظهرت في محافظة ميسان (374) جنوب بغداد، الأول سياسي بين تياري الصدر وعصائب اهل الحق يتعامل معه السكان بحذر والآخر عشائري بين القبائل التي تقطن جنوب ميسان التي تعد ممرا سالكا لتجارة المخدرات ومقرا للشركات النفطية.

ومنذ أيام لم تهدأ المحافظة الجنوبية، فبعد اغتيال القاضي احمد فيصل في الخامس من شباط الجاري، بدأ فصل جديد من النزاعات العشائرية استخدم فيه المتنازعين أسلحة خفيفة ومتوسطة لا تملكها حتى الأجهزة الأمنية في المدينة على خلفية نزاعات قديمة تتجدد كلما سقط ضحية جديدة بسبب الثأر او ضعف أجهزة الدولة في المدينة الجنوبية.

اخر المناوشات المسلحة شهدها قضاء الكحلاء اثر مقتل شاب هناك بسبب ثأر عشائري، ولم تتمكن الأجهزة الأمنية التي فقدت احد منتسبيها هو حازم هاشم من فض النزاع بسهولة قبل سقوط ثلاث اشخاص من الطرفين يوم الخميس.

أصابع الاتهام في النزاعات العشائرية الأخيرة لم توجه لشيوخ العشائر انفسهم بل للأجهزة الأمنية في المحافظة التي يعمل فيها أبناء تلك العشائر، والفصائل المسلحة التي تنشط هناك وبالتحديد التيار الصدري الذي ادار المحافظة لسنوات طويلة عبر منصب المحافظ الذي شغله احد عناصره وهو علي دواي لمدة (12) عاما، وتيار عصائب اهل الحق إذ يتوزع ولاء معظم أبناء العشائر على تيارات واحزاب عديدة منها التيارين وهو مايوفر غطاء آخر لتفاقم الازمة

يدار الملف الأمني في ميسان من قبل قيادة شرطة ميسان وقيادة عمليات سومر المسؤولة عن الملف الأمني في المنطقة الجنوبية (ميسان، ذي قار، البصرة) لكن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي امر بتشكيل قيادة عمليات ميسان أيضا عقب الاحداث الأخيرة وكلف اللواء محمد الزبيدي بادارتها.

واثر النزاع الأخير الخميس الماضي أعلنت قيادة شرطة ميسان عن تدوير مراكز القيادات المهمة فيها واعداد جدول تنقلات واستبدال مواقع تنفيذا لامر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وتوجيهات وزير الداخلية.

الكاظمي والوزير اتخذا القرار بعد ملاحظات قدمتها رئاسة محكمة استئناف ميسان الاتحادية واطلع عليها رئيس الوزراء عند حضوره عزاء القاضي احمد فيصل المتخصص بالحكم في قضايا المخدرات، وشخصت فيها مواضع الخلل وشبهات الفساد المؤشرة في مديرية شرطة ميسان والجهات التحقيقية التابعة لها.

يقول الخبير الاقتصادي سعيد محمد جاسم ان منفذ الشيب الحدودي بين ميسان وايران تسيطر عليه شخصيات نافذة فيما تفقد الحكومة سيطرتها على المكان ما يسبب خسائر مالية كبيرة.

ويضيف “بات الشيب من اهم المنافذ التي تدخل عن طريقها المخدرات الى العراق ومنها الكرستال، وهو خارج عن سيطرة الدولة تماما، وتتصارع عليه اطراف مختلفة”.

زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر شكل وفدا زار المحافظة مساء الخميس للتدخل في فض النزاع فرد قيس الخزعلي زعيم عصائب اهل الحق في تغريدة نشرها على حسابه الرسمي على تويتر بتشكيل لجنة مماثلة تضم ثلاثة اشخاص للتعاون مع لجنة الصدر.

وقال الخزعلي في تغريدته ان وظيفة اللجنة “رفع اسم أي فرد منتم الى حركة عصائب اهل الحق ويدعي الانتماء اليها ويثبت تورطه في في هذه الجرائم لاعلان البراءة الإدارية منه وفصله، ونهيب بسماحة السيد مقتدى الصدر القيام بنفس الفعل على كل من يثبت تورطه في هذه الجرائم من المنتمين الى التيار الصدري او مدعي الانتماء اليه”.

خطوة تشكيل لجنتي الصدر والعصائب كشفتا ان الصراع الحقيقي في ميسان هو صراع سياسي بين التيارين، لكن السكان يكتفون بالتهامس حول الموضوع ولا يتحدثون عنه في العلن خوفا على حياتهم.

لجنتا الصدر والعصائب اصدرتا الجمعة بيانا مشتركا ضم ست نقاط أساسية اهمها ادانة جرائم القتل في المحافظة ودعم ومساندة الأجهزة الأمنية لأخذ الدور الأكبر في فرض القانون والحد من الجريمة والوقوف على مسافة واحدة من الجميع فضلا عن استمرار عمل اللجنتين للتحقيق وكشف الجناة.

وتضمن البيان أيضا دعوة الأهالي في في ميسان الى التحلي بالصبر لتفويت الفرصة على من يريد اثارة الفتن بين أبناء الاب الواحد (محمد الصدر).

معظم تلك النزاعات تركزت في قضاء الكحلاء والعزيز وقلعة صالح والمجر وهي مناطق جنوب العمارة تقطنها عشائر الفريجات والبهادل والبو محمد والبوزيد وعبادة وبنو مالك والطليبات والشويلات  وعشائر أخرى..

ومعظم تلك العشائر تملك ترسانات أسلحة متوسطة قد لا تملكها القوى الأمنية هناك لا سيما وان المنطقة تعد ممرا لتجارة المخدرات فضلا عن الاتاوات التي تدفعها الشركات الاستثمارية النفطية للعشائر كي تأمن شرها.

جميع هذه الاسباب ساهمت في انتشار السلاح بشكل كبير وتحول بعض المزارعين القدامى الى أصحاب نفوذ عندما غيروا مهنهم الاصلية وامتهنوا تجارة المخدرات وباتوا يفرضون اتاوات على الشركات النفطية التي تنقب في أراضيهم التي يستصلحونها والتي تعود ملكيتها في الأساس الى الدولة.

ويقول جمعة المالكي مدير مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية في مدينة العمارة ان هناك أسباب عدة للنزاعات الأخيرة أهمها ضعف القوات الامنية في المحافظة ومعداتها من الأسلحة مقارنة بما تملكه العشائر وتجار المخدرات والفصائل المسلحة التي تملك أسلحة متوسطة فيما تحمل الأجهزة الأمنية نوعيات قديمة تم تصنيعها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.

فضلا عن عدم قدرة الحكومة المحلية على ضبط الشركات النفطية التي تتعاقد مع اخرى محلية وتدفع مبالغ للعشائر لكونها تنقب تقطنها عشيرة معينة، ويضيف “تلك الأراضي في الأساس تابعة للدولة والفلاح كان يستصلحها وحصل على تعويض مقابل تركها للشركات لكنه عاد لاخذ مبالغ من الشركات بحجة انه كان يعمل في الأرض”.

يرى المالكي ان التحدي الأكبر الذي ولّد الصراعات هو تجارة المخدرات لان المدينة باتت وسط ناقل لباقي المحافظات ولدول إقليمية أخرى عبر معبر الشيب ويقول ان بعض العشائر تبرأت من أبنائها الذين يتاجرون بالمخدرات او يأخذون الاتاوات من الشركات النفطية او يهاجمون صهاريجها لكن الوضع لم يتحسن.

ويعتقد ان الحل يكمن في تدريب قوة امنية بكفاءة عالية وتجهيزها بأسلحة حديثة خفيفة ومتوسطة لتتمكن من ردع النزاعات العشائرية والفصائل المسلحة وتجار المخدرات الذين يملكون إمكانيات ضخمة قياسا بالأجهزة الأمنية الموجودة حاليا.

وفي تطور لاحق أعلنت اليوم السبت خلية الاعلام الأمني في لواء القوات الخاصة في الجيش العراقي القبض على المسؤول عن تنفيذ عمليات الاغتيال والخطف في محافظة ميسان ويدعى حسن طراد غليم وهو أحد افراد تيار “عصائب اهل الحق” إذ اعترف بعد اعتقاله بتنفيذ اربع عمليات اغتيال في المحافظة.

مصادر مطلعة على الوضع في المحافظة تعتقد ان مسألة القبض على غليم ليست سوى خطوة لايجاد كبش فداء يتحمل مسؤولية جرائم نفذها اشخاص متعددون لا سيما وان المذكور لديه مشكلات كثيرة مع اقاربه وعشيرته.

ووفق هذه المعطيات قد تتحول تلك المنطقة الى بؤرة صراع مستقبلي اذا لم تتحرك أجهزة الدولة لإيقاف النزاعات فيها وتعالج الفساد في الأجهزة الأمنية الذي تم تشخيصه مسبقا.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى