في سجن الناصرية الإصلاحي.. أكاديميون يرتدون بدلات صفراء

الناصرية- مرتضى الحدود 

لم تكن البدلة الصفراء التي يرتديها السجينين في مدينة الناصرية عائقا امام اكمال دراستهما الاكاديمية بعد ان حققا معدلات عالية شكلت حافزا لبقية النزلاء واضعين بذلك أولى خطوات “حسن السيرة والسلوك” في منهج السجناء المتداول لتقليص مدة محكوميتهم.

السجيينان هما اخوين لا يمكن ذكر اسمهما بسبب الضوابط والقوانين الخاصة بإدارة السجناء لذا تم الاستعاضة عن ذلك باسمين مستعارين هما سرمد وحسن المحكومان بالسجن لـمدة  15 سنة أكملوا منها حتى الان اكثر من 3 سنوات.

سرمد وهو جالس في احدى القاعات التي تضم مقاعد الدراسة داخل مبنى سجن الناصرية الإصلاحي كان مرتديا بدلة صفراء خاصة بنزلاء السجن عندما بدأ يروي كيف كان منتظما في دراسته خارج السجن ويعمل في مجال البناء الا ان حادثا جنائيا تسبب بدخوله السجن رفقة اخيه.

رغبة سرمد في اكمال مسيرته الدراسية بين جدران السجن العالية لم تكن حاضرة في ذهنه لولا أخيه الذي شدد على استغلال الفرصة مادام القانون يسمح بذلك، فانتقل الحماس إلى سرمد لاسيما وأن طموحه بدراسة هندسة النفط كان بمثابة حلم رافقه قبل دخوله السجن.

قدم الشقيقان اوراقهما الى إدارة السجن راغبين بالحصول على الموافقة الرسمية للانتظام في صفوف الامتحان الخارجي، احدهما في السادس العلمي والآخر في القسم الادبي.

يقول سرمد إن الخطوة التي خطياها لاداء الامتحان الدراسي لم تكن مألوفة منذ زمن في سجون العراق لذا باشرت إدارة السجن في زيادة ساعات بقائهما خارج الزنزانة مع توفير المستلزمات والمناهج الدراسية ونقلهما الى القاعات الامتحانية اثناء الساعات المقررة لادائها.

حقق الاخوان معدلات جيدة بعد ان خضعا للاختبار النهائي، فنال سرمد في السادس العلمي معدل 80% أما حسن في المجال الادبي فحقق معدل 65% وهو ما مكنهما وفقا للقبول المركزي في الجامعات العراقية من بدء الدراسة الأكاديمية للحصول على شهادة البكالوريوس، فسرمد تم قبوله في كلية العلوم وشقيقه حسن في كلية التربية الأساسية.

الا ان إدارة السجن، ونظرا لاجتهادهما الملحوظ، تمكنت من الحصول على منحتان دراسيتان من احدى الجامعات الاهلية في المحافظة لتحقيق طموحهما في دراسة هندسة النفط بالنسبة لسرمد ودراسة القانون بالنسبة لحسن، على ان تكون دراستهما عن بُعد.

هذان النزيلان دفعا بالعشرات من النزلاء الاخرين في ذات السجن إلى تقديم طلبات الدراسة في عدة مجالات ومراحل دراسية، بدءاً من تعلم القراءة والكتابة مروراً بالمرحلة الابتدائية والمتوسطة والاعدادية بل تعدى الامر الى مجال الدراسات العليا ليصل عددهم الكلي الى 231 نزيلا يتعلم في الوقت الحالي، وهي خطوة غير مسبوقة من قبل.

يقول مدير سجن الناصرية الإصلاحي للأحكام الخفيفة احمد جواد الطائي ان “هناك 3 اشخاص بدأوا بدراسة الماجستير في مجال الهندسة والطب والقانون”.

وبحسب القوانين الخاصة بالسجناء يتم تقليص ثلث محكومية النزيل اذ ما تم تسجيل الصفة الجيدة والسيرة الحسنة في ملفه السجني، وبالتالي فإن قرار الدراسة قد يسهل على كثير من النزلاء إثبات إعادة تأهيلهم وانخراطهم في المجتمع.

ووفقاً لمدير السجن فإن قانون إدارة النزلاء لسنة 2018 المرقم 14 المادة 17 يعطي الاحقية للنزيل في اكمال دراسته لجميع المراحل الدراسية، “لذا تمكن النزيلين من الاستفادة من هذه الفقرة وتحقيق منجز جيد وعلى أثر هذين النزيلين وجهت الإدارة العامة بتزويد الوزارة أسماء النزلاء الراغبين بإكمال دراستهم فهو باب لاصلاحهم وتأهيلهم داخل السجن”.

مدير مكتب حقوق الإنسان في ذي قار داخل عبد الحسين يرى ان “القانون الجديد لعام 2018 والخاص بإدارة السجون واعتبارها مؤسسات إصلاحية هو من أفضل القوانين لأنه يسمح بإكمال الدراسة وإعادة تأهيل النزلاء والمودعين (الاحداث) وبالتالي سهولة دمجهم في المجتمع”.

وينص القانون أن على “دائرتي الاصلاح العراقية واصلاح الاحداث تأمين حاجة النزلاء والمودعين الى التعليم ومواصلة الدراسة بفتح المدارس العامة او المهنية في كلتا الدائرتين او تأمين مواصلة الدراسة خارجها في نطاق مقتضيات الامن الداخلي وامكانيات هاتين الدائرتين”.

وبحسب االقانون “تتولى وزارة التربية بالتنسيق مع وزارة العدل تحقيق المتطلبات الموضوعية لتنفيذ برامج دائرتي الاصلاح العراقية واصلاح الاحداث لتعليم وتأهيل النزلاء والمودعين بفتح المدارس العامة والمهنية بجميع مراحلها داخل الاقسام الاصلاحية”.

ولم يشر القانون الى تقليص المحكومية لمن حصل على الشهادة الاكاديمية في المراحل الدراسية الا ان حسن السيرة للنزيل تكون عاملا مهم في انهاء ثلث مدة المحكومية بحسب إدارة السن.

يقول علي الناشي وهو رئيس منظمة التواصل والاخاء الإنسانية، الشريك المحلي لمنظمة اليونسيف، والتي عادة ما تنفذ مشاريع تأهيليه للعديد من فئات المجتمع، ان “فكرة زج النزلاء في المجال الدراسي تساعد على تأهيلهم ودمجهم في المجتمع وسوف لن يواجه اسجين عند انتهاء محكوميته مشكلة في كيفية تقبله من الآخرين بل يمكن ان يكون عنصراً إصلاحياً ومثالاً يحتذى به”.

الخطوة التي أقدما عليها الاخوان سرمد وحسن لم تساعدهما فقط في الوصول إلى مقاعد الجامعة بل شكلت حافزا لعشرات النزلاء الآخرين الذين قد يشكلون خلال سنوات قليلة جيلاً أكاديماً جديدا داخل أروقة السجون.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى