ببصمة وتوقيع.. نساء في الأنبار يتنازلن عن حقهن في الميراث

الأنبار- رسل ظاهر 

لم تتوقع نور ذات الـ 24 عاماً، أن يكون جهلها بالقراءة والكتابة سبباً في تعرضها لعملية احتيال من أقرب الناس إليها أفقدتها حقها في الميراث.

كبرت نور التي تنتمي إلى إحدى عشائر الفلوجة في محافظة الأنبار دون أن تدخل المدرسة. كان والدها وأعمامها بحسب روايتها رافضين للفكرة خوفاً من أن تكمل تعليمها ثم تخرج عن عادات أبناء العشائر.

عندما توفي والد نور قبل حوالي السنة ترك لأسرته منزلاً تزيد مساحته عن مائتي متر مربع وسيارة حديثة ومحلاً تجارياً في وسط المدينة وبضعة أملاك أخرى، لكن نور اكتشفت فجأة أن أخاها الوحيد استولى على أملاك العائلة “بالقانون” على حد وصفها وأنها لا تملك الحق في أن ترث والدها.

تروي نور القصة قائلة: “أعلمنا أخي أن محامٍ سوف يأتي لزيارتنا وأن علينا أنا ووالدتي أن نوقّع أو نبصم على بعض الأوراق وأن الهدف من ذلك هو أن نبيع منزلنا ونشتري به منزلاً آخر في مدينة الرمادي (مركز محافظة الأنبار) وننتقل إليه”.

ولأن الانتقال إلى الرمادي كانت فكرةً مناسبةً لجميع أفراد العائلة وافقت نور ووالدتها على الأمر وبصمتا ووقعتا على جميع الأوراق دون تردد ودون أن تعرفا ما هو محتواها، لتكتشفان بعد ذلك أنهما تعرضتا للاحتيال وتنازلتا عن حقهما في الميراث.

تضيف نور “بعد اسبوع من الحادثة سألت أمي أخي لماذا لم يبع المنزل إلى الآن، فاعترف أنه لم يكن ينوي بيع المنزل وأن سبب البصمة والتوقيع هو التنازل عن الميراث له”، وتضيف: “أنا وأمي التزمنا الصمت ولم نفعل شيئاً.. لو كنا نستطيع القراءة لما تم استغفالنا”.

تعليقاً على ما حصل مع نور، يوضح المحامي محمد حامد موقف القانون العراقي من هذه القضية، مؤكداً أن “استغفال المرأة وجعلها تبصم وتوقع من غير علمها يحدث كثيراً في الأنبار لكن القانون العراقي يكفل حقها وبإمكانها أن تقيم دعوى قضائية وتلغي التنازل لكنها سوف تحتاج إلى بعض الأدلة على أنها تعرضت للاحتيال”.

يضرب المحامي مثالاً يتعلق بقضية تسلّمها شخصياً قبل فترة تعود لامرأة وقعت على تنازل عن الميراث دون علمها فيقول: “استطعنا أن تثبت للمحكمة صحة ادعاءها فكسبت القضية” ويضيف: “موقف القانون من موضوع الميراث واضح ويجرم هذا الفعل والدليل وجود نساء في محكمة الأنبار بكثرة يطالبن بحقوقهن في الميراث ويقرّ القضاء حقهنّ هذا”.

قصة حرمان نور من الميراث تتكرر في أكثر من مكان في محافظة الأنبار، كبرى محافظات البلاد من حيث المساحة، والتي تحكمها إلى اليوم تقاليد عشائرية صارمة حتى أن معظم القوى والأحزاب الموجودة فيها تعتمد على الأعراف العشائرية في تحشيد جمهورها وناخبيها.

سميرة، 40 عاماً، كانت إحدى المحرومات من الحق بالميراث بعد أن قُتل زوجها قبل سبع سنوات على يد تنظيم “داعش” تاركاً لها خمسة أبناء لتعيلهم.

تعيش سميرة اليوم على راتب الرعاية الاجتماعية الذي لا يكفي لسد حاجة أولادها، وتسكن منزلاً بالإيجار في الرمادي يتكون من غرفتين ومطبخ، رغم أن والدها كان قد أوصى لها قبل وفاته بجزء من ملكيته استولى عليه أشقاؤها الذكور.

توضح سميرة أن تقسيم الميراث في عشيرتها ينحصر بيد الرجل في حين “تتنازل معظم النساء عن حصتهنّ إما حياءً أوخوفاً من ردة فعل الأهل، أوقد يتم إعطاءها مبلغاً بسيطاً من المال مقابل تنازلها، أو يتم استغفالها وهي غير مدركة لهذا الموضوع، أو يتم إجبارها بشكل علني على التنازل”.

وفي حالة هذه السيدة فإنها لم تتنازل عن حقها في الميراث إلى اليوم، لكن الخوف من مقاطعة أخوتها لها يمنعها من المطالبة بهذا الحق رغم العوز والفاقة. تقول “أفضّل العيش على خبزة وماء ولا اطلب حصتي من أخوتي لأني لو فعلت سوف يغضبون ويمتنعون عن زيارتي”.

تضيف سميرة أن أخوتها يعرضون عليها التنازل عن حقها لقاء مبلغ مالي يساعدها على دفع الإيجار لمدة سنة، “لكنني أؤجل الموضوع وأماطل به كي لا أخسر حقي” تقول.

من وجهة نظر جبار إبراهيم، شيخ عشيرة “البوهزيم” وهي إحدى عشائر الأنبار فإن “تقسيم الميراث في العشائر الأنبارية يكون حسب الشرع ومعظم النساء يحصلن على هذا الحق”.

لكنه يعود ويستدرك بالقول إن “بعض النساء يتنازلن برضاهن، ومن المتعارف عليه في عاداتنا العشائرية والعرفية أن يكون الميراث حسب الاتفاق بين الطرفين” ويتابع: “لا يوجد إجبار إلا في بعض الحالات النادرة التي تضطر المرأة فيها لتقديم شكوى ضد اهلها للمطالبة بحقها أو يتم تقييم حصتها واعطائها مبلغاً مالياً عوضاً عنه”.

وتمنح الشريعة الإسلامية النساء حقاً في الميراث وبحسب المختصين يشمل هذا الحق “البنت، بنت الابن، الأم، الجدة لأم، الجدة لأب، الأخت الشقيقة، الأخت لأب، الأخت لأم، الزوجة”.

ويوضح الأستاذ الشيخ أحمد محمد حميد موقف الدين  قائلاً إن “ميراث المرأة زوجةً كانت أو بنتاً أو أياً كانت هو حقها الذي أعطاه إياها الله ولا يسقط بتقدم الزمن أو العمر”،

ويضيف نقلاً عن مصادر وفتاوى شيوخ آخرين بهذا الخصوص أنه “لا يجوز لأحد من الناس أن يحرم المرأة من ميراثها أو يتحايل في ذلك لأن الله أوجب لها الميراث”.

لكن ما أتت به النصوص الدينية والقانونية قد لا يتطابق مع ما يحصل في الواقع بحسب سميرة، فهي تعلّق على كلام رجل الدين بالقول إن العادات في عشيرتها تقضي بأن تبقى الملكية بيد ذكور العائلة، سواء كانت أراض زراعية او منازل أو ماشية، وأن بعض العشائر يدفعن لتزويج بناتهن لأفراد من العشيرة نفسها، من أولاد العم أو الأقارب حفاظاً على الملكية، ولو على حساب حقوق النساء.

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى