ختان النساء في كوردستان..أرقام خطيرة وقصص مؤلمة

المنصة- وفاء غانم

وسط حالة من الخوف والعجز استسلمت الطفلة “لانا” لعملية ختان وهي في عمر الخمس سنوات، بعد أن ثبتتها والدتها بكلتا يديها بينما تولّت امرأة أخرى مهمة ابعاد ساقيها عن بعضهما البعض وقطع جزء من عضوها التناسلي باستخدام مشرط حاد.

تستذكر لانا التي تسكن قضاء زاخو التابع لمحافظة دهوك تلك الحادثة بعد أن صار عمرها 21 عاماً، وما ان تهمّ بسردها حتى يبدأ جسدها بالارتجاف وتعود للبكاء بصوت منخفض نادبةً حظّها الذي جعلها تولد وسط عائلة تتوارث عادة الختان.

تقول: “أنا لا أنسى أبداً تلك اللحظة.. إنها أبشع لحظة في حياتي وستبقى محفورة في ذاكرتي مدى الحياة”، 

ظاهرة منتشرة

قصة لانا ليست نادرة الحدوث في إقليم كردستان حيث تنتشر ظاهرة ختان الإناث وسط عشائر كثيرة وأسر محافظة تعتبرها تقليداً أساسياً.

فبحسب إحصائية للمجلس الأعلى لشؤون المرأة في إقليم كردستان بالتعاون مع منظمة “يونيسف”، عامي 2015 و2016، شملت مقابلات مع حوالي ستة آلاف سيدة وفتاة من فئات عمرية مختلفة في الإقليم، تتصدر أربيل حالات الختان بنسبة 16.7 للفتيات مقابل 67.6 للنساء، وتليها السليمانية بنسبة 11.8 للفتيات و60.3 للنساء.

وكان العدد أقل في محافظة دهوك، حيث بلغت نسبة الفتيات المختونات4.1 بالمئة والنساء المختونات 7.4 بالمئة، بينما وصلت النسبة الفتيات في حلبجة إلى 1.1 بالمئة في مقابل 40 بالمئة للنساء.

وبحسب تقارير اليونسيف، فإن هذه الأرقام تشير إلى تراجع في نسب الختان في الفترة الأخيرة، خصوصاً أنه يجري في العادة عندما تكون الفتاة بعمر الأربع أو خمس سنوات، لكن الظاهرة ما زالت تحتل مكاناً هاماً لدى شرائح واسعة في المجتمع الكردي.

وتطالب لانا التي تعرضت للختان وهي طفلة في حديثها للمنصة بوقف “جريمة الختان”، وتضيف: “يجب إيقافها بأي طريقة والضغط بقوة من قبل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني، لتكوين رأي مضاد لهذه الممارسات الخاطئة”.

القانون يعاقب

أستاذة القانون المدني ومسؤول وحدة العيادة القانونية في كلية القانون بجامعة دهوك إيمان يوسف، أكدت في حديثها للمنصة أن المعلومات المتوفرة تشير إلى ان الختان يقلّ والظاهرة تضعف، لكنه ما زال موجوداً، وتعزو تراجع النسب إلى الانفتاح الذي تعيشه المجتمعات عموماً بما فيها المجتمع الكردي في السنوات الاخيرة، وإلى الحملات التي اطلقتها منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وإلى التغييرات التي طرأت في القوانين ذات الصلة.

وتؤكد يوسف أن الختان بات مرفوضاً في أغلب مناطق محافظة دهوك وينظر إليه على أنه انتهاك لجسد المرأة ولحقوقها، باستثناء بعض القرى، وسبب ذلك هو المفاهيم الدينية والعشائرية الخاطئة المنتشرة في تلك المناطق، على حد وصفها.

أما بخصوص الموقف القانوني من ظاهرة ختان الاناث فأشارت الدكتورة إيمان يوسف إلى قانون “مناهضة العنف الاسري” المرقم (8) لسنة 2011 إذ اعتبرت المادة (1) فقرة (7) ختان الأناث صورة من صور العنف الأسري، يعاقب مرتكبها بالسجن لمدة تصل لثلاث سنوات وغرامة قدرها ثمانين ألف دولار، حسب طبيعة المجني عليه والجاني، وقد بدأت الأرقام بالتراجع منذ ذلك الحين.

حكومة بطيئة

يرى مسؤولون حكوميون وباحثون اجتماعيون أن العنف تجاه النساء في الاقليم لا يتم الإفصاح عنه بما فيه الكفاية، وذلك بسبب وصمة العار الاجتماعية، والخوف من ردة فعل الأهل، وبالتالي يصعب معرفة مدى نجاح السياسات الحكومية في التعامل معه.

ويقول ضياء بطرس، الرئيس السابق لهيئة حقوق الإنسان في إقليم كردستان، إن “الاحصاءات الرسمية غير متوفرة عن مدى الانتشار الحقيقي للظاهرة لأن العديد من الفتيات يمتنعن عن تسجيل الشكاوى خوفاً من ذويهن وبالتالي يصعب الحصول على الأرقام الدقيقة”.

ويكمل بطرس إن “ختان الإناث كان وماتزال متواجداً في بعض القرى والأرياف” مبيناً في حديثه للمنصة أن “الإجراءات الحكومية بطيئة جداً ولاتوزاي حجم المشكلة الكبيرة”.

“أموت كل يوم”

يؤكد أطباء مختصون ان قضية الختان لا تنتهي عند الألم الآني للعملية وإنما يتعدى الأمر لمشكلات صحية جمة، ومن أهمها انحسار الأدرار، والتهاب المجاري البولية المتكرر، والتهاب العضو التناسلي باستمرار، وعسر الولادة.

كما تعتبر المنظمات الانسانية والحقوقية مسألة ختان الأناث من أبشع جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي الوحشية في العالم، وشكلاً من أشكال العنف الأسري، لما تسببه من أضرارٍ بالغة سواءً نفسية أوجسدية للإناث في الصغر وقد تؤدي حتى إلى الوفاة.

وهو ما حصل مع “لانا” التي روت للمنصة ان حادثة ختانها أدت إلى حصول نزيف كاد أن يودي بحياتها، وأضافت: “كدت أن أفقد حياتي بسبب الختان، لكني في الواقع ما زلت أموت كل يوم لنفس السبب”.

وكانت منظمات المجتمع المدني في الإقليم قد اطلقت اكثر من حملة في السنوات الماضية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مطالبة بضرورة التحرك الجدي لوقف هذا الانتهاك بحق المرأة الكردية.

لكن الحملات تراجعت في الفترة الأخيرة مع انتشار فيروس كورونا الذي زاد من صعوبة الحصول على الأرقام دقيقة وحدّ من إمكانية إجراء أبحاث ومقابلات مع الضحايا.

من جهتها تقول “لانا” التي أصبحت اليوم أماً لطفلة عمرها سنتين أنها ترفض بشدة إجراء عملية ختان لابنتها مهما كلفها الأمر، وتتابع: “قلت لزوجي أنني سأطلب الطلاق منه في حال قرر يوماً ما إجراء عملية الختان لابنتنا”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى