الثلث المعطل لانتخاب رئيس الجمهورية.. ورقة سياسية ضاغطة من قبل الكتل الخاسرة 

المنصة- منتظر الخرسان

أصبحت التجربة اللبنانية السياسية هي الطريقة المثلى للكتل الخاسرة في انتخابات مجلس النواب العراقي اذ جمعت شتاتها ودخلت بورقة واحدة تحت عنوان “الثلث المعطل” لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية كي يبرهنوا على قوة وجودهم وان لا حكومة جديدة من دون توافق.

ثلث أعضاء مجلس النواب العراقي شكل عائقا امام التحالف الثلاثي “انقاذ وطن” المكون من الكتلة الصدرية والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة الذي طرح أسماء مرشحيه، لرئاسة الجمهورية ريبير احمد ولرئاسة الوزراء محمد جعفر نجل رجل الدين المعدوم محمد باقر الصدر المؤسس لحزب الدعوة الإسلامية، ليتجه الاطار التنسيقي ومن تحالف معهم تحت عناوين متخلفة من الترغيب المالي والمناصب الإدارية كي لا يجتمع ثلثا الأعضاء البالغ عددهم 218 نائبا.

وتقدم للترشيح في منصب رئيس الجمهورية قرابة الـ41 مرشح وكان الأبرز بينهم ريبير احمد مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني وبرهم صالح مرشح حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.

مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري صاحب الكتلة الانتخابية الأكبر عددا وقبل انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 26 اذار (مارس) الماضي  وجه كلام للمستقلين عبر تغريدة له بإعطائهم مساحة من إدارة البلد إن أقدموا على حضور الجلسة واكملوا النصاب كما وعدت تغريدة الصدر المستقلين باشراكهم في إدارة الدولة من دون قيد.

وهذه الكلمات حملت اشارات عن احتمالية عدم اكتمال ثلثي الأعضاء اذ انسحب في اليوم التالي للتغريدة 12 نائبا من الكتلة السنية برئاسة مثنى السامرائي تحت ذريعة اقصائهم من التمثيل لجمهورهم وعدم تلبية مطالبهم في الحكومة المقبلة.

المستقلون في المجلس بدوا يمثلون بيضة القبان في المعادلة السياسية كما يوصفون، كما بدوا قادرين على تغيير الاحداث بمقاعدهم القليلة، لذا لجأ البعض منهم الى الإعلان عن إمكانية التحالف مع أي كتلة سياسية شرط الموافقة على طلباتهم وكان في مقدمتهم كتلة “من اجل الشعب” المكونة من حركة “امتداد” التشرينية و”الجيل الجديد” الكردية والبالغ عددهم 18 نائبا اذ قدموا 17 شروطا ابرزها محاسبة قتلة تظاهرات تشرين والكشف عن مصير المغيبين.

وفي جلسة السبت تخلف 16 نائبا عن الحضور مفسدين بذلك عقد نصاب الثلثين اذ بلغ عدد الحاضرين 202 نائبا من عدد الإجمالي الكلي للمجلس 329 نائبا ليحدد بعد ذلك رئيس المجلس محمد الحلبوسي يوم الأربعاء المقبل، الثلاثون من اذار (مارس) الجاري موعدا لجلسة التصويت.

الثلث المعطل او الثلث الضامن كما تسميها قوى الإطار التنسيقي بدأ يشكل الان حجر عثرة امام تشكيل حكومة الأغلبية مما زاد المشهد السياسي تعقيدا خصوصا وان الاطار لا يرغب بان يكون في صف المعارضة وان التوافقية هي العنصر الأساسي في تكوين أي حكومة في العراق.

ويرى مراقبون ان إمكانية زيادة اعداد المنضمين للثلث المعطل في الأيام المقبلة واردة جدا مع قرب ظهور شائعات بشراء المقعد البرلماني الواحد بخمسة ملايين دولار او ضمانات مناصبية، وتظهر هذه الشائعات في العادة عند قرب تشكيل أي حكومة من الحكومات العراقية الماضية.

أستاذ العلوم السياسية الدكتور جواد الشمري يرى بان خطوات قوى الاطار نحو الثلث المعطل “ناتجة من عدم قناعتهم في ان يسلكوا طريق المعارضة رغم انها حالة سياسية ايجابية جديدة في العراق بعد 2003″، ويقول إن وضعهم في صف المعارضة يعني فقدانهم للامتيازات التي كانت ترافقهم في السنوات الماضية فضلا عن أنهم سيمثلون عنصر هامشيا في الحكومة الجديدة المرتقبة.

ويجد الشمري ان نجاح ورقة الثلث المعطل يعني احتمالية استخدام كل نفوذهم المالي والمناصبي لغرض استمالة بعض البرلمانيين الجدد الى صفهم “فهم الان في معركة وفقا لتصوراتهم ويجب المضي بها وإذ ما نجحوا في ضم المستقلين الى صفهم فهذه خطوة تفشل مشروع المستقلين الذي يعد بادرة لم تكن مسبوقة في تاريخ الحكومات العراقية الماضية”.

ويتابع الشمري بان تجربة الثلث المعطل اذ ما استمر للجلسة المقبلة قد تقود البلاد الى مرحلة جديدة تستخدم فيها بقية الكتل التي تحاول تشكيل الحكومة أساليب وطرق غير قانونية بالضغط والترهيب على بعض البرلمانيين للانضمام إليهم.

مدير مركز الجنوب للدراسات الباحث صلاح الموسوي يجد في حديثه للمنصة ان الازمة السياسية عادت من جديد بعد ان أصبحت قوى الاطار التنسيقي هي القادرة على تعطيل اختيار رئيس الجمهورية خصوصا وان محاولة جمع ثلثي أعضاء مجلس النواب في الجلسة الماضية يعد رقما كبيرا يصعب جدا تأمينه.

ويضيف الموسوي أن “أكثر جهة سياسية يجب ان تعمل على زيادة العدد للوصول الى الثلثين هي الحزب الديمقراطي الكردستاني كون منصب رئاسة الجمهورية معني بهم ويمكن لمسعود البرزاني استخدام طرق معينة مع بعض النواب الكرد كي ينضموا له”.

ويرى الموسوي في نجاح قوى الاطار بتعطيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية محاولة تقويةٍ للمشروع الإيراني في العراق كما يعبرون عنه وهذا ما تم ملاحظته في تأجيل زيارة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي التي كان مقررة الى جمهورية ايران والموجهة من قبل نظيره محمد باقر قاليباف، “فهي تحمل رسالة مفاده ان الإيرانييين حققوا نجاحاً ضد من يحاول ان يعرقل وجودهم، فهم حاولوا في الفترة الماضية خوض مفاوضات على اعلى المستويات مع الكتلة الصدرية بالخصوص الا انها لم تجدي أي نفع”.

أستاذ العلوم السياسية اياد العنبر بحسب تصريح له يصف الثلث المعطل بـ “حصان طروادة التوافقي” وانه “هش ولا يمتلك أي رؤية فهدفه التعطيل ولم يطرح أي مرشح من قبله او بديل او أي فكرة سياسية”.

ويضيف إن “هذا المشروع في واقع الحال يمثل حكم زعماء الطبقة السياسية وتوافقهم على تقاسم مغانم السلطة، وليس التشاركية في صنع السياسات العامة وإدارة الدولة وفي هذه الحالة سوف يعني الجمع بين السلطة والمعارضة على حدا سواء وغياب المحاسبة والمساءلة”.

ويشير الى ان “قوى الثلث المعطل لا تريد الاعتراف بخسارتها في انتخابات تشرين أول 2021 وتحديدا الكتل الشيعية اذ تم رفض طريقة حكمهم من قبل أبناء المناطق الشيعية بعد أن عجزوا عن توثيق العلاقة مع الجمهور ولم يقدموا الخدمات ولم يعالجوا مشاكل البطالة وبقي أبناء تلك المناطق يعانون من الفقر والحرمان”.

ويرى مراقبون في الشأن السياسي أنه اذا ما استمر الثلث المعطل في وضعه الحالي سينتج منظومة حكم تحت هيمنة التوافقات الهشّة التي لم تنتج في السابق سوى حكومات ضعيفة وفاشلة بسبب غياب المعارضة.

عضو الكتلة الصدرية غايب العميري وبعد فشل انعقاد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية وصف القوى المعطلة بحسب تغريدته بانهم يمثلون “الثلث” وهي ذكرى حزينة على العراقيين اذ تذكرهم بسقوط ثلث العراق على يد تنظيم “داعش” على حد قوله، في اتهام مبطن لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي تمكن التنظيم في عهده من احتلال مدن الموصل وتكريت والرمادي وأجزاء من كركوك وديالى.

وفي مقابل ذلك كانت تغريدات رؤساء كتل الاطار تشير ان هذا الثلث هو “ثبات للنواب الوطنيين” بحسب قيس الخزعلي، اما رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي فاعتبر هذا الثلث هو “ضمان للعملية السياسية من الفوضى ومنع انتاج حكومة ضعيفة تضر بمصالح المواطنين”.

النائب الأول لرئيس مجلس النواب حاكم الزاملي من الكتلة الصدرية أشار في تصريح لوسائل اعلام الى احتمال اللجوء الى حكومة طوارئ إذا لم يتم عقد الجلسة المقبلة والتصويت على انتخاب رئيس الجمهورية.

ويجد مختصون دستوريون ان حكومة الطوارئ لا يمكن تشكيلها، وإن اعلان أي حالة طوارئ في البلاد يتطلب تصويت ثلثي حضور أعضاء مجلس النواب يسبقه طلب مشترك مقدم من قبل رئيسي الجمهورية والوزراء وبعدها تستمر حالة الطوارئ لثلاثين يوما بحسب المادة 61 تاسعا من الدستور.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى