حرب الروس والاوكرانيين تشعل جبهة اسواق العراق في رمضان

الناصرية- مرتضى الحدود

استقبلت أم حيدر أولى أيام شهر رمضان بصدمة من أسعار المواد الغذائية الأساسية في أسواق مدينتها الناصرية جنوبي العراق، فعلى غير العادة قفزت تلك الأسعار الى مستويات غير مسبوقة تزامناً مع الحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا، البلدين المصدرين الأساسيين للحبوب وزيت الطبخ.

أم حيدر البالغة من العمر 38 عاماً والتي تعمل معلمة في مدرسة ابتدائية كانت تتجول داخل  إحدى محال بيع المواد الغذائية مطيلة النظر في لائحة أسعار الأرز والسكر والبقوليات والمعلبات. تساءلت متعجبة: “كيف يمكن لي إدارة موازنتي لهذا الشهر وما يليه من الأشهر المقبلة مع مرتبي الشهري الذي لا يزيد عن 700 الف دينار (475 دولار امريكي)”.

انتقلت السيدة بعد ذلك الى محل آخر لتجد ذات المواد بذات الاسعار لتدخل بعد ذلك في نقاش مع البائع مستفهمة عن هذا الصعود في السعر ليعزو ذلك الى تغير سعر صرف الدولار واشتعال الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها على جميع المواد المستوردة.

بالقرب من أم حيدر وقف رجل كبير يكنى بأبي محمد، وهو متقاعد يتقاضى شهرياً قرابة الـ 800 ألف دينار (550 دولار أمريكي)، كان هو الآخر يضرب أخماساً في أسداس من تلك الأسعار.

وبحسب قوله، يعيل الرجل المسنّ أسرة مكونة من خمسة أولاد مع أحفاده، فثلاثة من أبنائه متزوجين وعاطلين عن العمل وهو يتقاسم المؤونة الشهرية التي يقوم بشرائها مع عائلة أخيه المتوفى المكونة من ثلاثة افراد ووالدتهم.

أكثر المواد ارتفاعاً في السعر

الأسواق التجارية شهدت ارتفاعا واضحا في الاسعار لا يقتصر فقط على المواد الغذائية بل شمل مواد البناء ومعظم المواد المستوردة.

وبحسب مختصين فإن العراق بلد مستورد للعديد من المحاصيل الزراعية بسبب تناقص المساحات المزروعة في المناطق الوسطى والجنوبية على وجه الخصوص، وهو بلد يستهلك أكثر مما ينتج ويفتقد إلى الصناعات الأساسية، كما أنه لا يملك قانوناً صارماً لحماية المنتج المحلي ودعمه من قبل الوزارات المختصة.

تاجر المواد الغذائية مشتاق جبر تحدث للمنصة وهو جالس وسط أكياس الرز والبقوليات، عن ارتفاع الأسعار معلاً ذلك بتغير سعر صرف الدولار الذي كان السبب الأول في ارتفاع الأسعار خلال الأشهر الماضية لتلحقه مؤخراً الحرب الروسية الاكرانية وزيادة عمليات الاحتكار من قبل التجار الكبار مع دخول شهر رمضان في كل عام على حد قوله.

ووفقاً لهذا التاجر، فإن أهم المواد الغذائية الأساسية التي يزداد الطلب عليها خلال شهر رمضان وفقا هي العدس الذي بلغ سعر الكيلو غرام الواحد منه ألفي وخمسمائة دينار (1,75 دولار) بعد ان كان بألف وخمسمائة دينار، وكيس الأرز زنة 30 كيلو غرام بـ 58 الف دينار (40 دولار) بعد أن كان بـ 45 لألف دينار (31 دولار)، كما ارتفع أيضاً سعر قنينة الزيت سعة اللتر الواحد الى ثلاثة الاف وخمسمائة دينار (2,5 دولار) وكيس السكر زنة 50 كيلو غرام الى 54 الف دينار (37 دولار) بعد أن كان سعره 40 الف دينار (27 دولار أمريكي).

عشرة ملايين فقير عراقي

مؤشرات الفقر في العراق وفقا لتقديرات وزارة التخطيط لعام 2020 بلغت 31.7% بسبب جائحة كورونا والوضع الاقتصادي للبلد ولكنها انخفضت في عام 2021 الى 25%.

وتصدرت محافظات العراق الجنوبية سلّم مستوى الفقر، وفي مقدمتها المثنى بمعدل 52% تلتها ذي قار 44% ومن ثم ميسان 45% وتشكل هذه المناطق الجنوبية خزين استراتيجي كبير لنفط العراق فضلاً عن تصديرها لآلاف البراميل يوميا مع الغاز المصاحب له. ويتجاوز نفوس محافظة المثنى 800 الف نسمة فيما يزيد عدد سكان محافظة ذي قار عن المليونين نسمة اما محافظة ميسان فيتجاوز عدد نفوسها المليون ومائة الف نسمة.

ووفقا للمعدلات العامة التي أعلنتها وزارة التخطيط فان هناك أكثر من 10 ملايين فرد عراقي لازالوا في عداد الفقراء.

الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي تحدث للمنصة بان معدل دخل الفرد العراقي بحسب مؤشرات عام 2020 وهو الموجود حاليا انخفض ليتراوح بين 4 ملايين الى 5 ملايين دينار سنويا أي من 3000 دولار الى 3500 دولار بعد ان كان معدل الدخل في العام الذي سبقه 2019 حوالي 7 ملايين دينار سنويا أي ما يعادل 4750 دولار. وأشار الهنداوي أن وزارة التخطيط تعمل على اكمال منصة الرقم الوظيفي لحصر اعداد الموظفين لدى الحكومة اذ بلغ اعداد المسجلين حتى الان 3 ملايين موظف وهناك احتمالية بان يصل الرقم الى 4 ملايين موظف حكومي في العراق.

نظام البدائل

المختصون في المجال الاقتصادي انتقدوا الأداء الحكومي العراقي في ظل الاحداث المتتالية من جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية إذ لم تعمد الحكومات المتتالية على تنشيط الاقتصاد المحلي خصوصا في مجالي الصناعة والزراعة تاركة الأسواق العراقية خاضعة للتأثيرات الدولية.

الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الهادي الركابي يرى ان الاحداث المتتالية منذ جائحة كورونا افقدت الأسواق الكثير من المنتجات الأساسية مما زاد الطلب عليها وتبعها مؤخرا الحرب بين روسيا وأوكرانيا وهما اكبر الدول المنتجة زراعياً، مما زاد من المشاكل الاقتصادية في عموم العالم ومنها العراق فضلا عن سياسة الاحتكار التي يلجأ اليها بعض التجار.

ويجد الركابي ان “الحكومة العراقية لم تعمل بنظام البدائل بعد تلك الاحداث التي حصلت فالكثير من الدول تعمد الى الاستثمار المحلي وهو ما كان يفترض ان يتم العمل عليه منذ انتشار الجائحة ولكن الساحة العراقية تواجه عقبات بسبب الفساد الموجود والروتين وعدم الاهتمام”.

عضو غرفة التجارة العراقية ماهر طوبيه يطرح حلا لإنهاء مشكلة غلاء الأسعار التي تواجه المواطن بدل اللجوء الى إعطاء منحة مالية والتي أعلنت عنها الحكومة العراقية وهي مائة الف دينار ولمرة واحدة.

وبحسب طوبيه، “يمكن ذلك من خلال زيادة مفردات البطاقة التموينية وخصوصا في شهر رمضان اذ تعتمد الموائد العراقية على البقوليات والزيت وهي سلع تواجه ارتفاعا في الأسعار بالوقت الحالي”.

تراجع انتاج الحبوب

المتحدث الرسمي لوزارة التجارة محمد حنون في تصريح صحفي كشف عن خطة الوزارة لتأمين مادة القمح اذ وجهت طلبا لوزارة المالية لتأمين مبالغ تكفي لشراء مليوني طن لتلبية الاحتياجات بالكامل وتوفير الخزين الاستراتيجي.

وذكر مدير الشركات العامة لتجارة الحبوب العراقية السابق عبد الرحمن الجويبراوي ان العراق يحتاج سنويا ما يقارب 5 ملايين طن من القمح لتأمين مفردات البطاقة التموينية.

ورغم ان العراق لديه الاف الهكتارات من المساحات المزروعة بالحنطة والشعير الا ان العام الحالي سوف يشهد تراجعاً في انتاج المحاصيل بسبب الشحة المائية بحسب وزير الزراعة محمد الخفاجي الذي توقع ان يصل إنتاج العام الحالي إلى 3 ملايين طن وهو أقل من انتاج العام الماضي بمليون طن.

هذا الأمر -بجسب الخفاجي- سوف ينعكس سلبا على مستوى الخزين المحلي للحبوب، على عكس الأعوام السابقة الذي كان مستوى الخزين فيها يوصف بالجيد.

ومع اقتراب حلول موسم الحصاد حذر الاقتصادي منار العبيدي الحكومة العراقية من قيام عدد كبير من المزارعين بتسويق الحبوب الى جهات أخرى تقوم ببيعها خارجيا لارتفاع سعره عالميا بأعلى من السعر  الذي تحدده الحكومة وبيع الجزء الاخر الذي يعتبر علفا حيوانيا الى شركات الاعلاف نتيجة ارتفاع أسعارها أيضا وهي فرصة للشركات.

ويجد الزبيدي ان الحل الأمثل لهذه المشكلة هو “تغيير سعر الشراء من قبل الحكومة العراقية مع التسليم للمسوقين للحبوب بشكل مباشر والسماح للمطاحن باستيراد القمح وتسويق المنتوج الى وزارة التجارة بأسعار اعلى من معدلات الشراء الحالية” وبخلاف ذلك سيعاني العراق من ازمة حقيقة لمادة الحنطة على حد قوله.

أما ام حيدر وابي محمد، فقد يكتفيان بشراء كميات قليلة من المواد الغذائية التي تكفيهم حتى منتصف شهر رمضان، وقد يضطران على حد قولهما إلى اللجوء للجمعيات الخيرية التي تقوم بإعانة المحتاجين من السلال الغذائية بالمجان كي يتخطوا شهر الصيام بموائد معدودة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى