اللاجنسيات في العراق..بين الزواج الإجباري والأوضاع النفسية الصعبة

المنصة- هبه جبار

“أجبرت على الزواج تحت ضغط عائلي وبسبب ونظرة المجتمع لي كامرأة قد نضجت ما جعلني أعيش الجحيم في العلاقة الزوجية”، تقول سارة (19 عاماً) من مدينة السليمانية في إقليم كوردستان وتضيف “أشعر أنني أتعرض للإغتصاب المتكرر تحت غطاء الزواج”.

سارة المتزوجة منذ نجو عام والتي تعيش من بيع الزهور هي واحدة من النساء اللاجنسيات في العراق إذ لا تمتلك حسب قولها توجهاً جنسياً محدداً ولا تشعر بانجذاب اتجاه الشريك.

ويعد مفهوم “اللاجنسية” مفهوماً واسعاً يشمل بحسب باحثين القدرة على ممارسة الجنس مع عدم توفر الرغبة، وقد يشمل أطيافاً أخرى. أما آلاء ياسين (30 عاماً) وهي مؤسسة صفحة اللاجنسية Asexuality في مواقع التواصل الإجتماعي تعرّف اللاجنسية بأنها “إنعدام الإنجذاب الجنسي تجاه الآخرين، بمعنى عدم الرغبة في ممارسة الجنس”.

تتلقى آلاء على صفحتها عشرات التعليقات والأسئلة يومياً حول مفهوم “اللاجنسية” وحول أهداف الصفحة لكن هناك بالمقابل عشرات الأسئلة الأخرى تصفها “بالمزعجة” مشيرة إلى أن “هناك تعليقات يمكن أن يصل لمستوى التنمر والتدخل في الشؤون الخاصة”.

وتوضح آلاء إلى أن هذه الإزعاجات والضغوطات قد “تؤدي في بعض الحالات إلى دفع اللاجنسي للارتباط تحت الضغوطات الاجتماعية وتنتهي العلاقة بزواج فاشل يسبب الضرر للجميع”.

400 ألف في العراق

آلاء واحدة من أشهر الناشطات العراقيات اللواتي يعملن للتوعية حول اللاجنسية فقد ألفت كتاب “اللاجنسية” بطبعتين وساهمت بإصدار “مجلة اللاجنسية” كما أنها ألقت محاضرة تعريفية بالهوية اللاجنسية في مؤتمر تيداكس بغداد الثامن عام 2018.

أما عنها فقد اكتشفت هوتيها اللاجنسية منذ سنوات مراهقتها الأولى، وشهدت عدم تقبل اللاجنسيين من قبل المجتمع من خلال اطلاعها على قصص عديدة من مختلف بلدان العالم العربي، “وهذا ما دفعني لأن أنشئ أول وسيلة تواصل على الفيسبوك في هذا الشأن يتابعها اليوم أكثر من 46 ألف متابع”، تقول آلاء، وتضيف أن الصفحة تهدف لدعم أقرانها من اللاجنسيين وتعريف المجتمع بهويتهم.

ولا يوجد في العراق إحصائية رسمية وموثقة عن أعداد اللاجنسيين/ات، ويعزى هذا الأمر إلى أن النقاش في الأمور الجنسية يعد من المحرمات الدينية والاجتماعية التي لا يُسمح أن تظهر علانية.

إلا أن تقديرات عالم النفس الكندي “أنتوني بوغارت” عام 2004، تشير إلى أن عددهم في العراق يتجاوز الـ 400 ألف ما بين رجل وإمرأة، وبيّن “بوغارت” بدراسته أن نسبة اللاجنسيين في أي بلد بالعموم هي 1%، علما أن عدد النساء اللاجنسيات يكون في العادة ضعف عدد الرجال وفقا لدراسة صادرة عن جامعة ساو باولو البرازيلية عام 2010.

أمومة إجبارية

أجبرت أم إيفان (25 عاماً) التي تحمل شهادة الثالث متوسط، على الزواج في سن العشرين رغماً عنها. وعن هذه التجربة تقول “أخبرت أهلي أن لا رغبة لي مطلقاً بالزواج ومعاشرة أي رجل فأنا ومنذ مراهقتي لا أشعر بأي إنجذاب للرجل، وعند بحثي عن هذا الأمر في مواقع الأنترنت فهمت ما تعنيه الهوية اللاجنسية وأيقنت بأنني سليمة، وبسبب كل ذلك أتهمت من قبل أهلي بأنني مثلية وتم تعنيفي عدة مرات”.

تتابع أم إيفان سرد قصتها: “بسبب خوف أهلي من أقاويل الناس ولأن النساء في قريتي يتزوجن في عمر مبكر، أجبرني أهلي على الزواج” وتضيف “في بداية زواجي كنت امنع زوجي من التقرب لي وهذا الأمر خلق عذابا إضافيا، ففي بداية الأمر أحسست بأنه يشكك بشرفي، وبعد أن سمحت له بالتقرب مني -وكانت لحظة إغتصاب بكل ما تعنيه الكلمة – أشاع عني بأنني قد تعرضت للختان في صغري، وذلك بسبب برودي الجنسي معه”.

ترى أم أيفان أن “المجتمع يتعامل مع النساء اللاجنسيات كأنهن درجة ثانية، لأن هذا الأمر لو حدث مع رجل فبوسعه أن يرفض الزواج”. وتصف وضعها الآن بـ”الصعب” خاصة بعد إنجابها لطفلين، لكنها بحسب قولها تتعايش مع الوضع رغما عنها وخوفا من أقاويل أهلها وزوجها.

هيلين، 33 سنة، وهو اسم مستعار لمحامية عراقية فضلت عدم ذكر اسمها بسبب توجهها الجنسي تقول: “عملي في المحاكم أتاح لي أن ألتقي بنساء يتعرضن للتعنيف والاطلاع على حالات طلاق نساء بسبب هويتهن اللاجنسية، وأقوم مباشرة بتقديم المساعدة لهن من خلال الترافع عنهن أمام القضاء وبشكل تطوعي ومجاني، لأنني لاجنسية أيضا، وأشعر بمدى القسوة والصعوبة التي يعشن بها هؤلاء النسوة، ومؤمنة بأن لا أحد يشعر بهن، لذلك أقدم قصارى جهدي لإنقاذهن مما يتعرضن له من سوء فهم ومعاملة”.

تضيف هيلين: “أنا متزوجة منذ عامين، وقد أجبرت على ذلك، فلا الأب أو الأم ولا الأخوة يتفهمون ما أشعر به، وأسئلة المجتمع الدائمة والقاسية بأنني تقدمت في السن دفعتني لقبول الزواج على مضض”.

تعاني هيلين حالياً من العلاقة الجنسية مع زوجها، “فأنا في أغلب الأحيان أتحجج بأنني مريضة وطوال العامين كنت أتناول حبوب منع الحمل، وسأستمر على ذلك، حتى لا يصبح لدي طفل، فأنا لا أريد أن يظلم أحداً مثلما ظلمت أنا”.

اللاجنسية.. ليست مرضاً

يتعامل كثر مع اللاجنسية على أنها مرض نفسي أو جنسي وقد توصف النساء اللاجنسيات بأنهن نساء “باردات” غير أن الدكتورة بشرى العزاوي وهي أخصائية بالأمراض النسائية تؤكد أن “أغلب الناس لديهم خلط بين حالات البرود الجنسي الناتجة عن أسباب معينة وبين الميول اللاجنسية الطبيعي”.

وتوضح الطبيبة العزاوي أن “حالات البرود الجنسي سببها اعراض مرضية ناتجة عن خلل هرموني أو عضوي، بعضها بسبب تعاطي عقاقير معينة وبعضها بسبب حالات إكتئاب أو صدمة نفسية تسبب للشخص نوع من عدم الرغبة بالجنس”.

وتضيف: “في كتاب الدليل الإحصائي والتشخيصي للإضطرابات النفسية الذي طرحته الجمعية الأمريكية للطب النفسي، يستثني الباحثون الأفراد الذين يعرفون أنفسهم باللاجنسيين من أي إضطراب عقلي أو نفسي أو هرموني، ويوضح الكتاب ايضا أن أي إجبار لهؤلاء على الارتباط وممارسة الجنس قد يؤدي إلى أعراض خطيرة تصيب صحة الجسد وتزيد المشاكل النفسية، وهنا يتوضح لنا أن اللاجنسية ليست نوعا من فوبيا العلاقات والجنس والزواج”.

المجتمع والقانون.. العقدة الكبرى

رغم تاكيد معظم الأطباء على أن اللاجنسية ليست حالة مرضية إلا أن نظرة المجتمع للاجنسيين/ات ما زالت قاصرة إذ تشير الباحثة النفسية والاجتماعية الدكتورة ندى العابدي إلى أن “اللاجنسية لم تظهر حديثا بل هي موجودة منذ الأزل، لكنها تسمت حديثا وقد تم اكتشافها في عام 1994 على يد فريق بحثي من المملكة المتحدة قام بجمع بيانات ديموغرافية حول اللاجنسيين”.

كما أن اللاجنسية بحسب الباحثة “ليست خياراً شخصياً، فالشخص اللاجنسي يولد هكذا ولا يختار أن يكون على هذا النحو”.

وتضيف العابدي: “هم ببساطة أشخاص سليمون من الناحية النفسية، لكن ليس لديهم أي نزعة أو انجذاب جنسي لأي جنس، واللاجنسيين يعتمدون في أساس علاقتهم وحياتهم بشكل عام على العاطفة والمحبة، لذا فإن لديهم احتياجات عاطفية مثل أي شخص آخر”.

بحسب الباحثة، قد نجد اللاجنسيين في المجتمع في أي جنس أو جندر أو عمر أو عرق، “فهم أناس طبيعيون تماماً مثلنا، لكن ببساطة هم لا يحتاجون الجنس في حياتهم، وإذا ما تم إجبارهم على الزواج والإنجاب فهي اللحظة التي تطلق رصاصة الرحمة عليهم”.

وعن الإجبار على الزواج تشير هناء أدورد، رئيسة جمعية الأمل العراقية المدافعة عن حقوق المرأة في العراق، إلى أننا “نحتاج في العراق إلى العديد من القوانين التي تحفظ الحقوق والكرامة والخصوصية أسوة بالدول الأخرى، ونحتاج الى تفعيل قانون عدم الإكراه على الزواج الذي للأسف غير معمول به وكذلك حماية اللاجنسيين وأي شخص يتأخر في الزواج من العنف والتنمر الاسري”.

وينص قانون الأحوال الشخصية العراقي الساري على أنه لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار اكراه أي شخص ذكراً كان أم أنثى على الزواج دون رضاه ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلا.

وتضيف أدورد: “بغض النظر عن التنمر المستمر للشخص الذي يرفض الزواج، إلا أننا نلاحظ أن بعض العوائل يصل تعاملها إلى لضرب والتشكيك بالاخلاق إذا استمرت الفتاة برفض الخاطبين، وهنا تصبح القوانين هي الحامي الأكبر للانسانية بكل تنوعاتها”.

التعايش والقبول هو الحل

“المسألة ليست أن يحس بنا الآخرين، لكننا نريد منهم أن يتقبلونا فقط، ولا يجبرونا على الإرتباط، فاللاجنسي إنسان سليم نفسياً وعضويا”،  تتمنى آلاء.

أما هيلين فتطلب أيضا أن يتوقف المجتمع عن التعامل معها ومع اللاجنسيين على أنهن مشكلة بحاجة إلى حل، وتقول: “عند معرفتم بهوية اللاجنسي يجب ألا يحاولوا إصلاح الأمر أو إقناع اللاجنسي أو اللاجنسية بأنهم مخطئين وأنها أزمة وستمر”. وتضيف “الأهم أيضاً ألا ترغموهم على الزواج فهنا أنتم تنهون حياتهم”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى