“أم عمّار”.. بدأت من الصفر وأصبحت واحدة من أشهر تاجرات العراق

المنصة- رسل ضاهر

 

في منزل صغير يتكون من غرفة واحدة وصالة للضيوف بدأت السيدة عليّة نجيب المعروفة باسم “أم عمار” مشروعها التجاري، فحولت جزءاً من الصالة إلى ورشة عمل انطلقت منها لتصبح اليوم واحدة من أبرز التاجرات المعروفات في محافظة الأنبار غربي العراق.

كان ذلك في سبعينيات القرن المنصرم، قبل ما يقرب 50 عاماً، عندما خطت هذه السيدة الخطوة الأولى في كسر القيود الاجتماعية المفروضة على عمل المرأة في بيئة عشائرية، موضحة أن ذلك لم يكن ممكناً لولا الدعم والتشجيع الذي تلقته من زوجها وأولادها، والذي رافقها طوال مسيرة عملها.

تقول “أم عمار” إن “البداية كانت مع آلة للخياطة لم أكن أملك غيرها”، استثمرتها آنذاك في خياطة ملابس لنساء المنطقة مقابل مبالغ زهيدة من المال، و”في بعض الأحيان كنت أتغاضى عن تحصيل المبلغ كاملاً مراعاةً للظروف المادية لبعض نساء الحيّ اللواتي لا يمتلكن المال”، كما تروي.

أخذ مشروع “أم عمار” يتطور شيئاً فشيئاً. تمكنت من فتح متجر صغير في مدينة الرمادي مركز المحافظة، ومن ثم حولت هذا المتجر إلى سلسلة من المتاجر باسمها، وباتت السلسلة تعرف بمتاجر “أم عمار” في حي التأميم الذي يقع جنوب غرب مدينة الرمادي. واليوم يعرف أهالي الأنبار تلك المنطقة من الحيّ بالكامل باسم منطقة “أم عمار”.

وبما انها تعمل في السوق ولديها أعمال وحسابات يومية، كانت الأمية عائقاً أمامها، لكنها تمكنت من تعلم الحروف من خلال الدراسة في مدارس محو الأمية، فأجادت القراءة  وأصبحت قادرة على التعامل مع الأمور الحسابية وأسعار البضائع ومعاملات السوق. 

تستوعب متاجر “أم عمار” اليوم أكثر من 70 عاملاً، أغلبهم من خريجي الجامعات، في الوقت الذي وصل فيه معدل البطالة بحسب آخر إحصائيات وزارة التخطيط العراقية إلى حوالي الـ 13,8 بالمائة، وتتصدر الأنبار محافظات العراق بعدد العاطلين عن العمل بنسبة الثلث تقريباً، وتحتل وفقاً للبيانات ذاتها صدارة المحافظات العراقية من ناحية ضآلة فرص العمل.

يوفر “مجمع أم عمار” التجاري العمل لعدد من النساء داخل وخارج المجمع منهن أرامل فقدن معيلهنّ وواجهنّ متاعب في تأمين لقمة العيش.

شكرية محمود التي تسكن منطقة التأميم واحدة من اولئك النساء، قتل زوجها أثناء فترة احتلال العراق عام 2005 وبقيت تعيل أطفالها بنفسها. ساعدتها “أم عمار” من خلال إرسال بضائع مميزة لها كانت تبيعها من المنزل وتكسب المال لتسد حاجات أولادها الستة. 

تمكنت شكرية اليوم من افتتاح محل صغير تحت إدارتها الخاصة تبيع فيه بضاعتها. تقول، “أحصل على البضاعة من مجمّع أم عمار وأبيعها في محلي، وبذلك صار لدي مشروعي التجاري الخاص بي”.

أما محمود عبد اللطيف، فقد بدأ العمل في مجمع “أم عمار” وهو طالب في مرحلة السادس الثانوي، وقد أصبح الآن طالب مرحلة ثانية بكلية الإدارة والاقتصاد في جامعة الأنبار. 

يريد محمود أن يواصل الدراسة والعمل معاً، خاصة انه يفكر بالزواج من فتاة يحبها ويساعده عمله على ذلك. يقول محمود، “ظروف عائلتي المادية لا تسمح لي بالزواج من الفتاة التي أحبها، لكن من خلال عملي في المجمع أستطيع أن اجني المال واتقدم لخطبتها وبعد التخرج يمكنني الزواج منها”.

مع انخفاض سعر الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي في الفترة الأخيرة استغل الكثير من التجار أزمة العملة ورفعوا أسعار الغذاء والمواد الأولية، فأصبحت البضائع أغلى بأضعاف عن سعرها الأصلي، مما أثر سلباً على العوائل ذات الدخل المحدود.

ويعد أحد أسباب توافد الزبائن الدائم على متاجر أم عمار، إبقاؤها الأسعار في حدود القدرة الشرائية للناس، الأمر الذي استقطب زبائن حتى من خارج المحافظة وخارج البلاد أحياناً. 

تقول أم عمار في هذا السياق، “لدي زبائن من دول مختلفة بسبب السمعة التي اكتسبتها في السوق، الكثير من الناس عندما يأتون إلى محافظة الانبار، لا يغادرونها إلاَ بعد المجيء إلى مجمعي التجاري”.

ولم يتوقف نجاح التاجرة أم عمار في حدود متاجرها الحالية، بل تعمل الآن على انشاء مول تجاري في مدينة الرمادي، فضلا عن افتتاحها عددا من الفروع في أكثر من مدينة في المحافظة. وقد ساعدت أعمال هذه السيدة الكثير من أصحاب الأعمال الصغيرة على تأسيس وانجاح مشاريعهم، يضاف الى ذلك فتح الأبواب لعدد من النساء كي يعملن في مشاريعنّ وينفقن على عائلاتهن.

وبالنسبة لها، فإن تغيّرات عديدة طرأت على المجتمع الانباري في السنوات الأخيرة جعلته اكثر تقبلاً لعمل النساء، موضحة أن نزوح العوائل الأنبارية إلى المحافظات العراقية الأخرى خلال احتلال داعش لمناطق واسعة في البلاد عام 2014، أدى الى تقارب الناس فيما بينهم والتعرف على ثقافات المحافظات الأخرى، وجعلهم أكثر انفتاحاً وتقبل لكثير من الأعمال والتقاليد التي كان المجتمع لا يسمح بها في الماضي. 

التجارة اليوم، كما تقول أم عمار، لم تعد تقتصر على الرجال فقط، “هي مهنة بحاجة الى العقل والذكاء، والمرأة لا ينقصها شيء ويمكنها أن تثبت نفسها في هذا المجال”.

وتتابع: “لو كنت جالسة اليوم في منزلي مكتوفة الأيدي، أنتظر زوجي وأولادي كي ينفقوا علي، لما وصلت الى هذه المرحلة حيث أدير أعمالي ومتاجري بنفسي”. 

كما ان ايجاد فرصة عمل في مدينة كالانبار لا يعني بالنسبة لها ضرورة الحصول على شهادة اكاديمية بغرض التقدم لوظيفة حكومية، بل يمكن للمرأة الأنبارية اليوم خوض تجربة العمل في كل المجالات، ويمكنها ممارسة مهنة التجارة كما يمكنها منافسة الرجال. إنها بداية جيدة برأيها.

تنشر هذه القصة الصحفية ضمن مشروع “أصواتنا” بالتعاون مع منظمة “أنترنيوز”

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى