النزاعات العشائرية تنعش تجارة السلاح في الناصرية 

المنصة- منتظر الخرسان

 

منذ ثمانية عشر عاماً والسلاح منفلت في العراق وغير مسيطر عليه تتملكه فئات واسعة من المجتمع وجماعات خارجة عن القانون، لكنه أصبح مؤخراً تجارة علانية يروج لها في المناطق الجنوبية من قبل جهات ذات أذرع متنفذة.

معارك عشائرية

يمثل السلاح مشهداً معتاداً في محافظة الناصرية التي تبعد عن العاصمة بغداد 350 كم، ويعد عنصرا أساسيا ومهما لدى العشائر الذي اعتادوا على اقتنائه للتفاخر والدلالة على قوة أبناء العشيرة.

وفي أكثر من حادثة في تاريخ العراق الحديث برز السلاح كوسيلة للدفاع عن العشيرة إذا ما تعرضت لهجمات من عشائر أخرى أو أرادت الوقوف الى جانب الدولة لصد قوى محتلة كما حصل في ثورة العشرين، أو كما حصل في السنوات الاخيرة عندما شاركت العشائر في دحر تنظيم داعش. 

لكن المتاجرة بالسلاح بقيت آنذاك محدودة بسبب مركزية الدولة وقوة أجهزتها الأمنية، إلى أن افتتحت بعد عام 2003 أسواق مخصصة لبيع الأسلحة بشكل علني تعرض فيها قطع السلاح كما لو أنها أصناف من الخضروات والفواكه. ثم عادت تلك التجارة للانحسار سنة 2006 وما تلاها ليكون البيع والشراء بشكل خفي.

اليوم تشير مصادر امنية إلى أن تجارة السلاح في الأسواق السوداء تعود من جديد على نحو يهدد السلم الأهلي ويزيد من حدّة النزاعات العشائرية، والتي عادة ما تبدأ بسبب خلافات فردية بسيطة.

وبحسب مصادر “المنصة”، سجلت الأشهر الثالثة الماضية في الناصرية وبشكل يومي أكثر من حادثة لمشاجرة بين عشيرتين أو أكثر وبمعدلات مرتفعة عن الفترة التي سبقتها. تقول المصادر “لا تكاد تمر ليلة هنا إلا ويحدث نزاع عشائري او استهداف منزل شخص بسبب خلاف مالي أو عائلي”.

قائمة بالأسعار الجديدة

يخبرنا تجار سلاح من الناصرية أن النزاعات العشائرية خلال الأشهر الثلاثة الماضية ضاعفت من الطلب على السلاح ورفعت من من أسعار الأسلحة الخفيفة المتمثلة بالكلاشنكوف الروسي ذي الـ 30 طلقة وكذلك سلاح الـ BKC وهو سلاح رشاش يصنف على انه من الأسلحة المتوسطة.

أبو ناصر اسم مستعار لتاجر سلاح من الناصرية تحدث للمنصة عن أنواع الأسلحة التي يتم تداولها في الأسواق والتي عادة ما يبيعها اثناء تواجده في احد المقاهي الشعبية وسط مدينة الناصرية.

يجلس أبو ناصر في المقهى مرتدياً الشماغ العربي ذي اللونين الأسود الأبيض والعباءة العربية وفي إحدى يديه هاتفي ذكي ممتلئ بصور مختلفة من أنواع الأسلحة، يروي ان اغلب زبائنه مقتنو الأسلحة هم من سكنة الأرياف “يقومون بشراء الأسلحة المتوسطة والثقيلة كالقاذفات التي تستخدم في الحروب ضد الدروع او ما تسمى بالـ RBG7  أو السلاح الرشاش وحتى الهاونات”.

يرفض الرجل بشكل قاطع الحديث عن مصادر السلاح ويطلب تغيير السؤال، ثم يعود ويقول ان هناك “أناس تابعين لجهات سياسية لديها القدرة والامكانية على جلب السلاح من خارج المحافظة والمتاجرة به”.     

ويؤكد أن بضاعته سجلت ارتفاعا في أسعارها الى حد كبير بعد تنامي النزاعات العشائرية ويعدد أنواع الأسلحة التي ارتفع سعرها، كبندقية الكلاشنكوف التي قفز ثمنها الى المليون وستمائة الف دينار بعد ان كانت بــ 600 الف دينار، والرشاش الروسي الصنع BKC الذي ارتفع سعره الى الضعف حتى اصبح بــ 6 ملايين دينار بعد ان كان بــ 3 ملايين دينار، وقاذفة RBG7 التي لا تتمع برواج كبير الا ان سعرها ارتفع أيضاً الى 300 ألف دينار من دون الذخيرة، بعد أن كانت بـ 150 الف دينار.

أبو رزاق وهو اسم مستعار لتاجر سلاح أيضا يكشف ان هناك أنواع مختلفة من الأسلحة الخفيفة يتم تداولها بين الشباب وصغار السن دون الـ 18 عاماً، منها ما يسمى بـ”المسدس الكولومبي” وهو صغير الحجم وقاتل للأشخاص القريبين، “عادة ما يقوم بشرائه من يقوم بترويج المخدرات عبر الدراجات النارية”. 

هذا النوع سجل قفزة نوعية بأسعاره، فبعد ان كان سعره 90 الف دينار منذ اكثر من عام ارتفع في منتصف العام الماضي الى 250 الف دينار والان بلغ سعره 400 الف دينار.

التكنولوجيا الرقمية هي الأخرى دخلت على خط التجارة بالأسلحة كي تكون حلقة الوصل بين من يرغب بالاقتناء او التجارة بها فهناك عشرات المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الأخرى تستخدم لعرض الأسلحة وبيعها.

حالة عجز

قيادة عمليات سومر المسؤولة أمنيا عن مدن الناصرية والسماوة والكوت، أعلن قائدها الفريق الركن سعد الحربية في تصريح صحفي سابق انه “لم يكن هناك محاسبة فعلية بخصوص السلاح المنتشر منذ عام 2003”.

وأضاف حربية أن النزاعات العشائرية بدأت تثقل كاهل القوات الامنية وأن العديد من هذه النزاعات دوافعها لا ترقى الى ان تكون سبباً في القتل او الجرح. “ورغم رفض شيوخ العشائر لمثل هذه التصرفات لكن هناك من يتخذ المسار غير الصحيح”.

يعزو خبراء امنيون انتشار السلاح في المحافظات الجنوبية إلى الفوضى الحدودية منذ عام 2003 والضعف الأمني في مفاصل الدولة، خصوصاً خلال سنوات محاربة تنظيم داعش، إذ كان تركيز الاجهزة الامنية منصباً على مواجهة التنظيمات الإرهابية لذلك كانت تغض النظر عن تواجد السلاح لدى أبناء العشائر والمواطنين.

الخبير الأمني جواد كاظم يقول إن لجوء المواطن لامتلاك السلاح هو نتيجة لغياب بدائل تمنحه الأمان ولانعدام الثقة بالمؤسسات الحكومية، وبالتالي “يستند المواطن على الهويات الفرعية كالعشيرة او الهوية الحزبية او الجماعات المسلحة فلديها القدرة على حماية افرادها”.

ويرى كاظم ان غياب ستراتيجية للحد من انتشار السلاح يضع الدولة في حالة “عجز كامل” امام الكم الهائل من الأسلحة الموجود حاليا ويضيف: “حتى إن كان لدى الدولة خطة لمحاربة الإرهاب لكن لابد من وضع قاعدة بيانات خاصة بالسلاح، واصدار هوية حمل سلاح، فضلا عن الضوابط التي على ضوئها يتم منح الاجازة”.

ولا يستبعد الخبير الامني وقوف جماعات مسلحة ذات صلة بأحزاب متنفذة وراء عملية المتاجرة بالسلاح “خصوصا وان هذا النوع من التجارة يشكل موردا جيداً لتلك الجماعات”.

الإعلامي حسين كريم يجد ان عملية اغراق المدن العراقية بالسلاح يعطي مؤشراً خطير على الوضع الأمني في الأيام المقبلة. ويرى أن النزاعات العشائرية المتكررة يومياً في الناصرية وعموم المحافظات الجنوبية تشير إلى وجود “ترسانة عسكرية” لا يمكن السيطرة عليها. 

ويربط كريم بين انتشار السلاح والتخبط الحاصل في العملية السياسية، فيقول إن “الدولة لا تعمل بشكل حقيقي على انهاء سلاح العشائر لوجود مصالح مشتركة معها خصوصا في فترات الانتخابات لأن العشائر كما هو معروف تمثل ثقلاً انتخابياً، كما أن أبناءها باتوا وقوداً لمعارك الجماعات المسلحة المرتبطة بأحزاب السلطة”. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى