سيناريو الانتخابات العراقية يتكرر في لبنان
بغداد- منتظر الخرسان
لم يختلف مشهد الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة عن مشهد الانتخابات العراقية فكلتا العمليتان ازاح فيهما الناخبون أسماء محسوبة على الأحزاب السياسية التقليدية ذات الاجندة الإيرانية لصالح صعود أسماء جديدة من قوى الحراك الاحتجاجي، رغبةً في تغيير المعادلة السياسية.
وكان في مقدمة الاحزاب التي سجلت تراجعاً التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية، وحلفاء آخرون ثابتون لحزب الله كالنائب السابق طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهاب وكلاهما من جبل لبنان، والمرشح فيصل كرامي من طرابلس وآخرون.
وترافق ذلك مع صعود أحزاب سياسية ليست جديدة على الساحة اللبنانية الا انها مناهضة للواقع السياسي المتحكم بالبلاد، وصعود شخصيات وحركات فتية منبثقة من الحراك الشعبي، حققت اختراقات غير مسبوقة حتى في معقل حزب الله في الجنوب اللبناني.
في ذات الوقت لوحظت مقاطعة كبيرة للعملية الانتخابية اذ أعلنت وزارة الداخلية اللبنانية ان نسبة المشاركة في العملية الانتخابية بلغت 41% وهي النسبة نفسها للمشاركة العراقية في الانتخابات.
وبالعودة للانتخابات العراقية التي أجريت في تشرين الأول 2021، سجلت تلك الانتخابات مشاركةً لأحزاب وحركات سياسية فتية وشخصيات مستقلة فردية نجحت في قلب المعادلة السياسية التي استمرت لـ 18 عاماً، فتحجمت مجموعة من الأحزاب التقليدية التي كانت تحصد عشرات المقاعد ولم تتمكن من حصاد نصف مقاعدها السابقة وسط مشاركة خجولة للناخبين بلغت نسبتها الـ 41%،
وتمكن مرشحون مستقلون كأفراد من الحصول على 40 مقعدا نيابيا وحصلت حركات منبثقة من الحراك الاحتجاجي التشريني على عدد آخر من المقاعد. وفي المقابل حصل تحالف “الفتح” على 17 مقعد فقط بعد ان كان يمتلك 54 مقعدا، و”دولة القانون” على 36 مقعداً بعد أن تجاوز عدد مقاعدها في انتخابات عام 2014 الـ 90 مقعدا، ولم ينجو من الخسارة سوى التيار الصدري الذي زاد من عدد مقاعده بحكم قواعده الجماهيرية وادارته للماكينة الانتخابية باحترافية، متمكنا منن تسخير شخصيات سياسية واجتماعية ودينية في تحشيد الناخبين.
وعلى نفس المنوال لم ينجح حزب حزب الله المدعوم من إيران وحلفاؤه من تشكيل أغلبية نيابية واضحة بعد ان هيمنوا على المقاعد البرلمان في الدورة الماضية بمقاعد تجاوزت الـ70 من أصل 128 مقعدا.
ويتوقع مراقبون أن يلجأ حزب الله والمؤتلفين معه الى سلسلة من عمليات التسويف والمماطلة عبر الاعتراض على النتائج الانتخابية والطعن بها أمام القضاء وربما اللجوء إل الشارع كما حصل في العراق عند نظمت تلك الأحزاب الخاسرة ذات الاذرع المسلحة اعتصاماً على أبواب المنطقة الخضراء لغرض الضغط نحو تغيير النتائج التي حصلت عليها.
سيناريو بيع وشراء أصوات الناخبين تكرر أيضا في الانتخابات اللبنانية كما حصل في العراق الا انه اختلف من زاوية القيم المالية، اذ ذكرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية ان عملية شراء الاصوات تمت بشكل علني في لبنان حتى بلغ سعر الصوت الواحد في منطقة كسروان 800 دولار امريكي.
في مقابل شكل المرشحون العراقيون عن الأحزاب التقليدية في فترة الانتخابات مجاميع تابعة لهم تعمل على شراء الاصوات عبر الاحتفاظ ببطاقة الناخب حتى يوم الانتخاب مقابل 300 دولار للصوت الواحد وقد يزداد او يقل السعر حسب المناطق السكنية، اذ ان هناك ناخبين لا مانع لديهم من اعطاء اصواتهم بمبالغ بسيطة.
اليوم وبعد مضي ثمانية أشهر على صدور نتائج الانتخابات العراقية فشلت الكتل السياسية في تشكيل حكومة جديدة وبقي الانسداد السياسي هو سيد الموقف رغم المبادرات التي تطلق بأشكالها المشروطة، تارة من التيار الصدري، الكتلة الأكثر عددا، وتارة من قوى الاطار التنسيقي وهو تحالف يجمع أحزاب وقوى تقليدية خاسرة بالانتخابات.
ويشهد العراق فضلا عن ذلك زيارات متكررة وبشكل علني لقائد فيلق القدس إسماعيل قآني الى الحنانة، مقر إقامة الزعيم مقتدى الصدر في مدينة النجف الأشرف، الا ان القائد العسكري الإيراني لم ينجح في اقناع الصدر بالائتلاف مع القوى المنحازة للجانب الايراني، ويرفض الصدر في كل مرة العروض المقدمة من إيران بالقول ان القرار اليوم هو قرار عراقي.
أما القوى السنية في العراق فقد شكلت في هذه الدورة تحالفاً هو الاكبر من نوعه تحت اسم “تحالف السيادة” الذي يجمع رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي والقيادي خميس الخنجر وذلك برعاية امارتية اردنية تركية.
ولعل أبرز أسباب الانسداد السياسي الحاصل في العراق هو تفسير المحكمة الاتحادية لمادة في الدستور تتعلق باختيار رئيس الجمهورية، إذ أعلنت المحكمة أن ذلك يكون بتصويت ثلثي أعضاء مجلس النواب أي 219 نائباً.
وهو ما جعل تحالف الصدر والسنة وبعض الكرد يواجهون يفشلون في إيصال مرشحم اذ تمكنوا في الجلسة الاولى من جمع اصوات 202 نائباً فقط، ثم انخفض العدد في الجلسة الثانية ليدخل العراق بعد ذلك بفراغ دستوري بعد ان تم تجاوز المدد الدستورية الخاصة باختيار رئيس الجمهورية ولم يتمكن إلى اليوم من طرح اسم مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الحكومة بحسب اراء بعض القانونيين.
الدخول في مرحلة الفراغ السياسي اخرج الصدر من سكوته ليتهم القضاء بمحاباة الثلث المعطل للجلسة وهم قوى الاطار التنسيقي، وهذا الاتهام هو الأول من نوعه تقريبا بشكل علني إذ أن اغلب الكتل السياسية تصف السلطة القضائية بانها سلطة مستقلة لايمكن المساس بها.
وكي لا نبتعد كثيرا عن الانتخابات اللبنانية وهو البلد الشبيه بالتجربة العراقية من حيث الواقع السياسي والفساد المستشري والغضب الجماهيري، فهي الأخرى يتوقع ان تمر بذات السيناريو وهو تأخير تشكيل الحكومة رغم ان لبنان سبق بقية البلدان في مدد تشكيل حكومتها وحطم أرقام قياسية في أطول فترات مشاورات لتشكيل الحكومة.
اذ استغرقت المفاوضات لتشكيل حكومة نجيب ميقاتي سنة 2021 حوالي 13 شهرا ومن قبلها كانت بقية الحكومات اللبنانية سباقة إلى الدخول بالفراغ الدستوري وانتهاك جميع المدد الدستورية المنصوص عليها.
الأحزاب الفتية الصاعدة في لبنان والتي جمعت أصوات الناخبين على أساس رفضها لنظام المحاصصة الطائفية ولمنظومة الفساد الحاكمة، من الممكن أيضا ان تواجه مصير بعض القوى التشرينية في العراق من ناحية اضطرارها لتقديم تنازلات والتحاور مع كتل تقليدية وازنة فضلا عن خطر التشرذم والانقسام، وهو ما قد يضعها بين مطرقة الناخبين الذين يعولون عليها لأجل تغيير الواقع السياسي وبين سندان الاحزاب التقليدية العارفة بدهاليز العملية السياسة.
وفي نهاية الامر يبقى تشكيل الحكومتين العراقية واللبنانية رهينا للاجندات الخارجية الايرانية والعربية، الا ان التدخل الايراني هو الاكثر تشعبا وعمقاً في العراق منه في لبنان نتيجة لكثرة الاحزاب الشيعية والميليشات المسلحة التابعة لإيران والدعم اللامتناهي لتلك الميليشات خلال الحرب على داعش مما اخضع عشرات تلك الفصائل للقرارات الايرانية.
ويعتقد مراقبون أن تشكيل حكومة عراقية غير تابعة لإيران قد يساعد في تخفيف حدة التوتر الاقليمي في المنطقة، خصوصاً وأن العراق لعب مؤخراً دور “الطاولة المستديرة” للمفاوضات بين ايران والسعودية بعد ازمة طالت لسنوات.
في مقابل ذلك وجدت السعودية في النتائج الانتخابية اللبنانية فرصة لها بعد تراجع الاذرع الايرانية ليعلن السفير السعودي في لبنان، وليد بخاري إن النتائج “تؤكد حتمية تغليب منطق الدولة على عبثية فوائض الدويلة المعطلة للحياة السياسية والاستقرار في لبنان” في إشارة إلى حزب الله.