ماذا يفعل “غوار الطوشة” في بغداد؟ 

بغداد- منتظر الخرسان

رغم مواقفه السياسية المؤيدة للنظام منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا سنة 2011، وصل الفنان السوري دريد لحام بدعوة رسمية إلى بغداد قبل أيام لتكريمه في المسرح الوطني، وهو مسرح لا يبعد سوى كيلو مترات قليلة عن ساحة التحرير، ملاذ محتجي انتفاضة تشرين العراقية.

الحفل الذي أقيم بعنوان “أسبوع الفيلم السوري” تم تنظيمه من قبل دائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة العراقية وخصص لعرض أعمال سينمائية سورية حضرها عدد من الفنانين السوريين المدعوين أبرزهم دريد لحام وأيمن زيدان.

لحام (88 عاماً) الذي يؤيد النظام السوري، المسؤول بحسب منظمات حقوقية دولية عن مقتل ما لا يقل عن ربع مليون مواطن مدنيّ واعتقال عشرات الآلاف تم تكريمه من قبل حكومة بغداد التي لم تستجب حتى الان لمطالب المحتجين في المحافظات العراقية، وكأن سيناريو التكريم يقول ان هذه الحكومة مع مناصرة الانظمة الاستبدادية لا مع المتظاهرين في مطالبهم لتنحية تلك الأنظمة.

كما ان هذا النوع من الفعاليات يجري دون مراعاة حساسيات عراقية أخرى أبرزها حراك تشرين 2019 الذي انطلق في عشر محافظات عراقية واستمر لأكثر من عامين وراح ضحيته قرابة الـ 800 قتيل والاف الجرحى، العشرات منهم اصبحوا معوّقين بشكل نهائي نتيجة اصابتهم بنيران القوات الأمنية و”الطرف الثالث” كما اسمته الحكومة السابقة، فهؤلاء لن يكونوا سعيدين على الأرجح بتكريم فنان مناصر لأنظمة تقمع شعوبها وتتحالف مع الأحزاب العراقية التقليدية ومع نظام الحكم في إيران.

منذ أن بدأ لحام مشروعة الفني سنة 1960 وطوال العقود الماضية التصقت بدريد لحام صفة معارضة الأنظمة العربية، اذ لا يمكن لاي مشاهد عربي أو سوري ان يتابع مسلسلاته ومسرحياته من دون أن يلمس تلك السخرية السوداء من واقع السلطات الحاكمة في البلدان العربية ومنها سوريا. وقد حملت مسرحيته الأشهر “كاسك يا وطن” والتي تم عرضها عام 1979 مشاهد محفزة لمشاعر الشعب العربي آنذاك وليس السوري، فقط رغم انها مؤطرة بأسلوب فكاهي.

لكن سوريين كثر ممن شاركوا في الانتفاضة في مراحلها الأولى، فوجئوا بلحّام يقف على الضفة الأخرى الى جانب السلطة الحاكمة ليوصف بعد ذلك بأنه إحدى الشخصيات الفنية التي تجيد اللعب على وتر الكلمات وإرضاء اجهزة المخابرات. بل إن لحام أصبح شخصية مستفزة للشارع السوري المعارض لحكم الأسد، خصوصاً بعد اعترافه علنا في مهرجان الاسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في ايلول 2021 بانه يخاف من جهاز المخابرات السوري “اكثر من الله”، ولو أنه ربما وضع عبارته تلك في قالب كوميدي أيضاً.

ولا يستبعد مراقبون ان يكون خلف التكريم في بغداد دافع سياسي في مقابل آخرين وجدوا أن الفعالية التي أقيمت لا تتعدى كونها خطوة لتوطيد العلاقات الفنية بين البلدين.

الباحث العراقي صلاح الموسوي استبعد ان يكون هناك دوافع سياسية وراء التكريم خصوصا وان العراق لديه علاقات وطيدة في الجانب الفني مع الدراما السورية، “هذا واضح من خلال ما يتم عرضه من مسلسلات سورية عبر الشاشات العراقية فهي ابعد من ان تحمل شبهة سياسية رغم مواقف البعض من الممثلين وأبرزهم دريد لحام وتأييده للنظام الحاكم في دمشق” يقول الموسوي.

أما مدير اعلام وزارة الثقافة العراقية نعمه عبد الرزاق، فيبين في تصريح للمنصة موقف الوزارة من التكريم قائلاً إنها تعاملت مع الفنان دريد لحام “كشخصية فنية ولم تتعامل معه بناء على مواقفه السياسية”، خصوصا وان الوزارة لديها خطة تعمل على تكريم الفنانين العرب في الفترة المقبلة، إذ سيكون هناك أسبوع خليجي لتكريم الفنانين الخليجين واسبوع مصري لتكريم الفنانين المصريين.

ويرى ناشطون في الحراك الاحتجاجي في العراق ان هناك مشتركات ما بين العراق ولبنان وسوريا ومصر وعندما ثار الشعب ضد النظام الحاكم في بغداد لسوء إدارة البلاد فكان الأولى من الحكومة الموجودة ان لا تعمد إلى تكريم وتمجيد شخصيات لها مواقف مناهضة للحراك والاحتجاجات وهذا ما تم ملاحظته في تكريم الفنانين السوريين المؤيدين لنظام الأسد.

“غوار الطوشة” وهو الاسم الفني لدريد لحام لم يكن فقط مؤيدا للنظام السوري، بل ذهب أبعد من ذلك خلال زيارته إيران عام 2016 عندما خاطب المرشد الإيراني علي خامنئي قائلا: “في روحك القداسة، في عينيك الأمل، في يديك العمل، وفي كلامك أمر يُلبّى”. ثم أكمل تحيته للمرشد الأعلى بالقول: “لك الحب والتقدير والإجلال من شعب صامد وجيش عتيد.. عاشت إيران تحيا سوريا”، علماً أن الحكومة الإيرانية ومنذ اندلاع الحراك في سوريا قامت بدعم نظام بشار الأسد وتجنيد مقاتلين تابعين لها من العراق وبلدان أخرى للقتال تحت عناوين مختلفة.

ويبرر غوار موقفه السياسي في احدى تصريحاته الإعلامية بالقول إنه لم يكن متناقضاً مع نفسه  في رسائله الفنية فهو “داعم للثورات” على حد قوله ولكن “تلك الثورات التي تحمل علامات الصحة والتغيير نحو الأفضل”، أما ما حصل في سوريا فيصفه بـ “صراع على الأرض بين أبناء الوطن، وهناك جهات خارجية تدخلت ودعمت حاملي الأسلحة لغرض تدمير البلد ولأجل التخريب فما حصل هو تخريب”.

ولم يتوقف الفنان السوري عند هذا الحد من انتقاده لما يحصل في سوريا من حراك وثورة ليعاود من جديد في تصريح اخر ويقول انه لو كان وطنه “غلطان” فهو معه “وإذا حفيان أنا صرمايته” ليصفه بعد ذلك معارضون سوريون بانه “حذاء السلطة”.

سبق تكريم لحام تكريما اخر لفنانين عرب ذوي مواقف سياسية مغايرة وممجدة للسلطة السورية أو لما يعرف بـ “محور المقاومة” منها تكريم الإعلامي جورج قرداحي اذ تمت دعوته مؤخرا الى معرض الكتاب الدولي لعام 2022 الذي اقيم في العاصمة بغداد علماً أن لقرداحي مواقف داعمة للنظام السوري الحالي.

وبالإضافة الى ذلك جرى تكريم الفنانة السورية منى واصف عام 2019 في مهرجان “اوتنابشتم الدولي للإبداع” الذي اقيم في العاصمة بغداد بدعم من شخصيات فنية، وكما معروف، فان للفنانة واصف مواقف مؤيدة للنظام السوري.

ولعل مسرح تكريم الفنانين ممن لديهم مواقف سياسية مؤيدة لأنظمتهم الحاكمة سوف يستمر في بغداد، طالما أن المهرجانات الفنية هي النوافذ التي يدخل منها خطاب الاستبداد إذا ما أغلق المتظاهرون الأبواب. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى