في الأهوار.. ناشطون بيئيون يبنون زورقاً لجمع نفايات السائحين

الناصرية- مرتضى الحدود

في عمق المسطحات المائية جنوبي العراق أخذت مجموعة من الشبان على عاتقها مسؤولية الحفاظ على بيئة الأهوار من التلوث بعد أن عجزت الحكومات المتعاقبة عن القيام بهذه المهمة.

الفريق الذي يبلغ عدده قرابة الـ 20 شاباً تمكن من صناعة زورقٍ نهري بحجم كبير يمكنه الوصول الى عمق المسطح المائي وجمع النفايات الصلبة المنتشرة بين عيدان القصب.

عندما التقينا رعد الاسدي على متن الزورق، وهو أحد أعضاء الفريق ومسؤول منظمة الجبايش للسياحة البيئية، كان يتحدث عن المشروع بفخر، ممسكاً بيده اليمنى عصا معدنية متحركة لجمع النفايات وبيده الأخرى كيساً أسود اللون. 

يوضح الأسدي أن الفريق حصل على تكاليف بناء الزورق من خلال منحة مقدمة من السفارة الفرنسية، وأن حمولة الزورق تصل إلى طن واحد، وأضاف: “قمنا بتصميمه ليكون بدايةً لمشروع أكبر في المستقبل، اذ ما نجح وحقق الهدف المطلوب منه”.

يبين الأسدي أن أهوار قضاء الجبايش شرقي الناصرية وبقية اهوار البصرة والعمارة أصبحت مركزاً هاماً لاستقطاب السائحين الأجانب، وهو ما يشكل مصدر انعاش اقتصادي للاهالي، لكنه يستدرك قائلاً إن “السائحين يتركون الكثير من النفايات الصلبة التي من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي على الطبيعة المائية والتنوع الاحيائي”.

ويرى هذا الناشط أن الاهتمام الحكومي بتنظيف المنطقة من النفايات الصلبة والملوّثات لا يزال ضعيفاً، إذ لا توجد مؤسسة حكومية مختصة بالحفاظ على نظافة هذا المسطح المائي رغم ان الأهوار مسجلة على لائحة التراث العالمي (اليونسكو) منذ عام 2016. 

ونتيجةً لهذا الضعف عمدت مجموعة من الناشطين في مجال حماية البيئة الاهوارية الى تشكيل هذا الفريق وتنفيذ حملات دورية لجمع ما يخلفه السوّاح ورائهم من أكياس بلاستيكية وبقايا طعام ومعلبات وعبوات بلاستيكية.

أحد أعضاء الفريق التطوعي هادي الموسوي، يقول بينما يتجول مع رفاقه في عمق الاهوار، ان هذا المسطح المائي يواجه مشكلات بيئية جديدة مع زيادة عدد الجروبات السياحية المتوافدة إلى المنطقة، ولابد برأيه من ايجاد حلول جذرية، فالفريق التطوعي ينفذ حملاته بشكل اسبوعي، وقد نصب لوحات ارشادية بعدم رمي النفايات، ووزّع حاويات معدنية لجمعها، لكن مع ذلك “هذه الحملات غير كافية” بحسب الناشط.

أما دائرة البلدية في الجبايش، المعنية بأعمال التنظيفات في المنطقة فقد أخلت مسؤوليتها اتجاه تنظيف الاهوار، إذ يقول مديرها حسام عبد الباري ان “المنطقة المائية غير داخلة ضمن التصميم الأساسي للبلدية فلا تتحمل البلدية مسؤولية اعمال التنظيف ورغم ذلك يتم توجيه بعض الاليات وعمال التنظيف بين فترة وأخرى لإجراء حملات جمع النفايات في الأماكن التي يمكن الوصول اليها”.

ولا توجد إحصائية دقيقة عن عدد السيّاح الذين يزورون الأهوار سنوياً إلا أن مسؤول الوحدة الإدارية لقضاء الجبايش كفاح شناوه يقول إن ما يقارب الـ 50 شخصية أوروبية رسمية بمن هم بمستوى وزير وسفير وشخصيات دبلوماسية زاروا المنطقة خلال شهر أيار ( مايو) الماضي وهو ما يدل برأيه على أن المنطقة باتت وجهة للسياح الأوروبيين عموماً. 

ويتابع شناوه أن تلك الزيارات تشير للمكانة السياحية الهامة للأهوار وتستدعي اهتماماً أكبر من الحكومة لجهة تقديم الخدمات وحماية البيئة من أي ملوثات.

ويشرح الأسدي أن الفريق التطوعي قادر حالياً على جمع طن واحد من النفايات الصلبة في الأسبوع والوصول إلى مسطحات مائية لا تصلحها الحكومة. ويأمل ان يزيد عدد الزوارق وعدد الشبان المتطوعين للقيام بمزيد من أعمال التنظيف خصوصاً في المواسم السياحية.

لكن الناشط البيئي يوضح أن منطقة الأهوار لا تصارع النفايات الصلبة فقط على المستوى البيئي، فهناك ملوثات أخطر تتطلب جهوداً أكبر بكثير من قدرات الفريق. 

من بين هذه التحديات -يوضح الأسدي- عمليات الصيد الجائر عن طريق رمي السموم للاسماك، وهناك أيضاً مشكلة الادخنة التي تولدها المولدات الكهربائية، فضلاً عن الانخفاض المستمر في منسوب المياه الذي يجرّ خلفه عشرات المشكلات البيئية الأخرى.

يضاف إلى ذلك مخلفات المياه الثقيلة التي ترمى من دون معالجة وتعد واحدة من اكثر الملوثات اضراراً بالبيئة، اذ يقول الخبير في الشأن البيئي جاسم الاسدي مدير منظمة “طبيعة العراق” غير الحكومية إن “هذه الملوثات الثقيلة تؤثر بشكل مباشر على تنوع الاحياء النباتية والحيوانية فضلا عن تأثيرها على صحة الانسان اذ ما قام باستهلاك المنتجات الحيوانية”.

وكان برنامج الامم المتحدة للبيئة قد أعلن منذ عام 2019 عن أن التغير المناخي الحاصل في الفترة الأخيرة  سيؤدي الى قلة هطول الامطار بشكل سنوي في العراق وسيزيد العواصف الترابية ويؤدي إلى انخفاض المستوى الانتاجي الزراعي وانخفاض منسوب المياه.

ورغم التحشيد الإعلامي والحكومي في عام 2016 لإدراج الأهوار على لائحة التراث العالمي وطرح الخطط الاستراتيجية والأفكار والمشاريع ورصد موازنات خاصة بحسب عناوين الأخبار إلا أن حالها بقي على ما هو عليه فلم يلحظ سكان تلك المناطق أي تغيير ولا تحسن على الصعيد الخدمي والبيئي.

مسؤول الوحدة الإدارية لقضاء الجبايش كفاح شناوه يرى أن الجهود التطوعية هامة لرفع الوعي البئي لدى السكان والسياح على حد سواء، لكنه يؤكد بالوقت نفسه على أن “الاهوار بحاجة الى ميزانية خاصة لغرض الاهتمام بها في مجال التنظيفات وحماية البيئة وإقامة المشاريع الخدمية الخاصة بها في الوقت الذي تشهد استقبال شخصيات عالية المستوى فضلا عن المجاميع السياحية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى