نخيل البصرة..  حصاد الرّماد والجفاف 

البصرة- نغم مكي   

قبل نحو أسبوعين نشبت أولى حرائق هذا العام في بساتين النخيل شمالي محافظة البصرة في ظاهرة يعزو خبراء بيئيون تكرار وقوعها إلى تفاقم أزمة التغير المناخي.

ونشبت الحرائق الثلاث على مساحة 60 دونماً زراعياً وأسفرت عن تفحّم 1400 نخلة في ثلاث قرى تابعة لقضاء المدينة هي الوحيد والسعيد والكصوان وامتدت النيران إلى بعض مناطق الفتحية التي لا يفصلها عن سوق المدينة سوى نهر الفرات. 

ولم توضح الجهات الرسمية إلى اليوم أسباب نشوب الحرائق وكيف يمكن التعامل معها أو الحد منها إلا ان النتيجة تبقى فقدان مساحات واسعة من الأراضي المزروعة وجزء هام من المحاصيل الاستراتيجية.

وبحسب تصريحات أصحاب البساتين فإن الحرائق كانت “مفتعلة” إلا أن التحقيقات وتقارير الأدلة الجنائية لم تثبت صحة هذه الأقوال، لكنها لم توضح أيضاً أسباب الحرائق في تلك المناطق.

يقول مدير الدفاع المدني العقيد تحسين علي الساري إن “الادلة الجنائية لدى قيادة الشرطة لا تظهر الأسباب الواضحة للحريق إن كان بفعل فاعل أم أن النيران نشبت بسبب ارتفاع حرارة الجو”. 

ورغم تكرار الحرائق في كل صيف وتكبيدها المرزاعين الجنوبيين خسائر فادحة إلا أن الحكومة المحلية لم تعلن عن إجراءات وقائية أو خطط مستقبلية للتعامل معها.

يقول مدير زراعة محافظة البصرة هادي حسين: “الحرائق تحصل في كل مكان وليس فقط في بساتين النخيل، فحتى في دوائر الدولة وأبنيتها، وليس لدينا إجراءات كافية للسلامة”.

ويقدر عدد شجر النخيل في البصرة اليوم بحوالي مليونين و800 الف نخلة فقط بعد أن كانت المحافظة تمتلك سابقاً نحو 13 مليون نخلة، ويعزو المسؤولون موت أشجار النخيل إلى الحرائق أو إلى العوامل المناخية. 

يذكر مدير زراعة البصرة هادي حسين أن ازدياد عرض اللسان الملحي قلّص أعداد شجر النخيل في مناطق الفاو وأبو خصيب والسيبة والمناطق المحاذية لها التي خرجت تقريباً من الخطة الزراعية.

ويضيف “نحن كمديرية نسعى لحل المشكلة باستخدام تقنية المياه الممغنطة لزراعة المحاصيل الزراعية، واذا نجحت هذه الطريقة سيكون لها أثر إيجابي في زيادة مساحة البساتين المزروعة بالنخيل”.

أما مسؤول منظمة “طبيعة العراق” المهندس جاسم الاسدي وهو خبير في الشأن المائي والبيئي فيشرح أن ظاهرة الاحتباس الحراري أثرت كثيراً على كمية ونوعية المياه في البصرة، وأن “معدلات التبخر ترتفع باضطراد في المسطحات المائية ونسبة الملوحة تزداد كثيراً،  والعواصف الترابية تتكرر، كما الموجة الملحية التي ضربت البصرة عامي 2010 و 2018 قد تتكرر في السنوات القادمة”.

ويتابع الخبير البيئي:”هذا كله يسبب الأذى لبساتين النخيل على ضفتي شط العرب”، مرجحاً أن تتسبب الأجواء الجافة في المزيد من الحرائق كما حدث قبل اربع سنوات عندما التهمت النيران الجزء الأوسط والجنوبي من هور الحويزة وامتدت ألسنتها إلى الأراضي الإيرانية. 

وتعد البصرة واحدة من أبرز المدن على مستوى العالم التي تسجل ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة خلال السنوات السبع الماضية، إذ تناهز درجة الحرارة فيها صيفاً الـ °52 درجة في الظل، الأمر الذي يؤثر على سوق العمل والنشاط الزراعي وعلى هياكل الدولة التشغيلية.

ويرى الأسدي أن التغيرات المناخية تصيب البصرة أكثر من بقية مناطق الجنوب، والسبب برأيه أن المحافظة “تقع عند مصب نهري دجلة والفرات وهي آخر ما نجده من أرض بعد حوضي النهرين الكبيرين وقد تتأثر حصتها بالمياه أكثر من محافظات الوسط  فالجميع يتجاوزون على حصة البصرة”، محذراً من أن تؤدي التغييرات المناخية إلى نزاعات أهلية. 

ويقترح الأسدي للحد من تقلص المساحات المزروعة تحويل نظام الري في المنطقة إلى نظام الري بالتنقيط والرشّ والقنوات المغلقة، كما يقترح إعادة هيكلة الزراعة في الجنوب والاعتماد على نباتات أقل استهلاكاً للمياه، و”هذا بحد ذاته سيكون عاملاً مهماً لديمومة الزراعة وتوفير المياه”.

ويعتقد الخبير البيئي أن هذه الاقتراحات هي جزء من الحل، لكن الحل كاملاً يكون برأيه “من خلال تضافر جهود وزارة البيئة ووزارة الموارد المائية والحكومة المحلية في البصرة لتدارك خطورة ما هو قادم”، سواء لجهة نقص المياه، أو لجهة أزمة الحرائق المرجّح تكرارها هذا الصيف وفي الأعوام القادمة.

 

                 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى