مقتدى الصدر يخذل ناخبيه مرتين
بغداد- منتظر الخرسان
للمرة الثانية يخذل مقتدى الصدر ناخبيه الذين هرعوا الى صناديق الاقتراع في تشرين أول (أكتوبر) من العام الماضي لانتخاب مرشحي تياره، تاركاً الباب مفتوحاً لتكهنات عدة.
فالاستقالات الجماعية التي أعلن عنها أعضاء الكتلة الصدرية وضع التيار الصدري أمام مروحة واسعة من الأسئلة أبرزها مدى قدرته على المحافظة على قواعده الشعبية وما يرافقها من احتمالية العودة الى الواجهة عبر نافذة التظاهرات المطالبة باستبدال المنظومة السياسية وإجراء انتخابات مبكرة.
وسبق للصدر في العام 2018 أن انقلب على حكومة عبد المهدي وقاد اتباعه في احتجاجات تشرين عام 2019 التي انتهت إلى إسقاط عبد المهدي وتسلم مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء، وكانت المطالب التي أعلنها الصدر آنذاك تتمثل في محاربة الفساد وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وقد تم بالفعل إجراء الانتخابات حينها، لكن الأحكام التي صدرت في قضايا الفساد آنذاك أثارت سخرية الرأي العام وانتقادات قواعد من التيار الصدري.
ومن أبرز الأحكام الصادرة كان الحكم على وزير الكهرباء السابق بغرامة 700 دولار أمريكي فقط عن توقيع عقود فساد تبلغ قيمتها 800 مليون دينار عراقي. وسبق هذه الحادثة أيضاً صدور حكم على البرلماني الأسبق جواد الشهيلي عن التيار الصدري بالسجن لمدة عام مع إيقاف التنفيذ بحجة انه شاب في مقتبل العمر وطالب دراسات علماً أن التهمة الموجهة إليه كانت محاولته تهريب مدير شركة التجهيزات الزراعية من أحد سجون الشرطة -والأخير متهم بملفات فساد مالي وغسيل أموال. واللافت للنظر أن الشهيلي تم تكليفه بعد فترة من الزمن بإدارة ملف النزاهة في الهيئة السياسية للتيار الصدري.
ومؤخراً أعلنت الهيئة السياسية للتيار عن فتح ملف تبطين شط آل إبراهيم الذي تلكأت عملية تنفيذه في محافظة ذي قار لعدة سنوات، وأعلن الناطق باسم الصدر عبر شبكات التواصل الاجتماعي أن “هذا المشروع يعاني من الفساد” علماً أن وزارة الموارد المائية واحدة من الوزارات الخدمية التي انيطت مهام إدارتها للكتلة الصدرية كجزء من المحاصصة السياسية على مدار الدورات الحكومية الممتدة من حكومة حيدر العبادي مرورا بعبد المهدي ثم الكاظمي.
ملفات الفساد التي لاحقت قيادات الكتلة الصدرية انعكست سلباً على القواعد الشعبية، إذ تسببت بردة فعل واضحة خلال العملية الانتخابية التي أجريت في الدورتين الماضيتين وظهرت أيضاً على شكل انسحابات متكررة من العملية السياسية، وكأنها إشارات إلى عدم القدرة الكاملة على إدارة الملف الحكومي رغم أنها تمكنت من السيطرة على اغلب مفاصل الدولة.
وللصدر قصة طويلة مع شعار “مكافحة الفساد”، ففي كل حدث انتخابي كان يمنح ناخبيه وعوداً بمحاربة الفاسدين ومحاسبتهم، أبرزها كان في عام 2018 رغم أنه انسحب آنذاك بشكل شخصي دون كتلته خلال الفترة التي سبقت الانتخابات التشريعية.
في يوم الاقتراع آنذاك، رصدت كاميرات الإعلام زعيم التيار الصدري وهو ذاهب من منزله نحو مركز الاقتراع سيراً على الأقدام، وحده من دون حمايات، فأثار بذلك عواطف أنصاره وشهدت صناديق الاقتراع عقبها إقبالاً واسعاً من أتباعه وتجاوز عدد الأصوات التي أدلوا بها المليون و 400 ألف صوت وحصدت الكتلة الصدرية 54 مقعداً برلمانياً، مما أهل الصدريين للحصول على مقاعد وزارية ومكنهم من طرح اسم عادل عبد المهدي كمرشح تسوية.
إلا أن حكومة عبد المهدي لم تكمل دورتها الوزارية إذ انطلقت الاحتجاجات التشرينية على خلفية سوء الخدمات وتردي الوضع الاقتصادي وكان التيار الصدري ضمن هذه التشكيلة الوزارية، فجوبهت الاحتجاجات بالقتل والقمع من قبل أجهزة أمنية وجماعات مسلحة. ورغم أن الصدر زجّ أنصاره في التظاهرات، لكن صدامات حدثت بين اتباعه والمحتجين تسببت بسقوط جرحى وقتلى في مدن الناصرية والنجف فضلاً عن ساحة التحرير وهذا الأمر أيضاً خلق ردة فعل عند بعض أتباعه.
وفي العام 2020 دعا الصدر أتباعه من جديد إلى التظاهر في مدن العراق والمطالبة بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة على تكون انتخابات خالية من الوجوه القديمة “شلع قلع” وفقا لتعبيره.
إلا أن الصدر أعلن في منتصف تموز (يوليو) 2021 في كلمة متلفزة عن انسحابه مجدداً من العملية السياسية مع كتلته ليثير موجة من الجدل السياسي، ليعود بعد ذلك في الانتخابات التشريعية الأخيرة ويحصد 73 مقعداً ويصبح الكتلة الشيعية الأكبر في البرلمان.
وعلى الرغم من أن الصدريين حصلوا في هذه الانتخابات على عدد أكبر من المقاعد، لكن إجمالي أصوات الناخبين كان أقل من الدورة السابقة بحدود الـ 60 بالمئة، أي حوالي 885 الف ناخب.
وبحسب مراقبين فإن هذا الانخفاض جاء على خلفية أمور عدة، منها عدم وضوح موقف الصدر من العملية السياسية، فتارةً ينسحب منها وتارة يعود لتشكيل حكومة مع أحزاب متهمة بالفساد وفق قاعدة المحاصصة المذهبية، ومنها تورط صدريين بشبهات فساد أو سوء إدارة، مما ولّد لدى بعض الناخبين شعوراً بالخذلان ودفعهم باتجاه التصويت لأحزاب تشرينية جديدة، فيما امتنع البعض الآخر عن الذهاب الى التصويت.
وبعد استقالة نواب التيار الصدري من مجلس النواب قبل أيام، أصبح المكان خالياً للإطار التنسيقي الذي أصبح اللاعب الوحيد في الساحة السياسية الذي بامكانه الإدعاء بتمثيل أصوات “الشيعة”. وقد تكون الفرصة سانحة أمام الإطار إذا ما نجح في تشكيل الحكومة واتخاذ بعض القرارات ذات الشعبية، كزيادة مخصصات الرعاية الاجتماعية ورواتب المتقاعدين مثلاً، في أن يوجه ضربة للصدريين ويقلص من حجم كتلة ناخبيهم في اي انتخابات مقبلة، كما أن المزيد من النواب الإطاريين سوف يصلون إلى البرلمان فيما لو تم إجراء انتخابات تعويضية.
ويبقى من الصعب التكهن بما فكر به الصدر قبل أن يقدم على قرار الانسحاب من البرلمان، لكن الباحث في الشأن السياسي علي البيدر يقول للمنصة ان “انسحاب التيار الصدري أحدث خللاً في المنظومة السياسية وبنفس الوقت أحدث خللاً في صفوف شريحة من المجتمع وهم ناخبيه”. ويجد البيدر ان الصدر غادر السياسة من الباب لكن عودته ربما ستكون من نافذة الاحتجاجات بممارسة ضغوط شعبية على الحكومة القادمة، إذ لا يمكنه البقاء طويلاً خارج السلطة صامتاً.