نزهة الأعياد في الناصرية: تغير في الذائقة بعد زيارة بابا الفاتيكان

ذي قار- مرتضى الحدود

بدأ مصطفى حسن كعادته في إعداد برنامج سياحي له ولأصدقائه خصيصاً لفترة عيد الأضحى لكن الأبرز بالنسبة له كان تضمين البرنامج زيارةً لمدينة أور الآثارية بناءً على طلب المجموعة.

هذا التغير في الذائقة المجتمعية في مدينة الناصرية في زيارة شواخص حجرية غير مكسية بالعشب الأخضر ولا تتوفر على ألعاب للتسلية حصل خلال فترة وجيزة عقب زيارة بابا الفاتيكان في آذار (مارس) 2021 إذ بدأ الشباب على وجه الخصوص يتطلعون لزيارة آثار مدينتهم والتعرف على تاريخها الممتد لآلاف السنين.

لا تختلف طقوس العوائل في الناصرية كثيراً عن طقوس العوائل في المحافظات العراقية الأخرى في كيفية إمضاء فترات الأعياد، خصوصاً عيدي الفطر والاضحى، فقبل يومٍ أو يومين من حلول العيد تبدأ النساء في العائلة الواحدة بإعداد المعجنات وتسمى “الكليجة”، وبعض الحلويات الأخرى. 

وما أن تشرق شمس العيد حتى يهنئ أفراد الأسرة رب المنزل الذي يقدم لهم مبلغاً بسيطاً من المال كنوع من الهدية وتسمى “العيدية” وهذه من العادات التي لم تنقطع ولم تنته حتى وقتنا الحاضر.

بعد ذلك يجتمع أفراد الأسرة على وجبة الافطار المميزة في الجنوب، وهي السمك المجفف او ما يسمى بالـ”مسموطة”، أما في بغداد وبعض المحافظات الوسطى فيكون “الكاهي وقيمر عرب” هو وجبة الصباح، ثم تتجه هذه العوائل لمعايدة وزيارة الجيران وبعض الأصدقاء في صباح اليوم الأول من العيد وينطلق الشباب نحو برامجهم الخاصة بهم.

برامج الشباب السياحية في العيدين الأخيرين أضيف لها شيء مختلف هو زيارة الآثار وبعض المواقع التراثية، خصوصاً في الناصرية الغنية بالمواقع الأثرية.

ورغم أن الدخول إلى تلك المواقع يكون عادة مقابل تعرفة، لكن “مصطفى حسن” البالغ من العمر 22 عاماً وكثيرون غيره يجدون فيها نشاطاً مختلفاً فيلتقطون الصور عند كل زاوية وركن وينشرون قصة زيارتهم في حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

مصطفى، الطالب جامعي، يجد في فقرة زيارة المواقع الآثارية “كسراً للروتين المعتاد”، بحسب تعبيره، ففي كل مرة يزور مكاناً أثرياً تتولد لديه الكثير من الأسئلة عن تلك الحقب الماضية وطريقة البناء المستخدم وطرق ممارسة أبناء الحضارات القديمة لحياتهم.

زيارته الأولى مع رفيقه الى مدينة أور الآثارية كانت في أيار (مايو) 2021 بعد ثلاثة أشهر من زيارة الباب للموقع.

بدأت رحلته الآثارية كما يصفها عندما أوقف سيارة أجرة عند الطريق الرئيسي متوقعا أن يستغرب السائق وجهته، إلا أن هذا لم يحصل، ليوضح له السائق الطاعن بالسن أن الكثير من شباب المنطقة في العامين الماضيين يتجهون لزيارة موقع مدينة أور الذي يبعد عن مركز المدينة قرابة الـ10 كيلو متر، وأن هناك عدة شباب في فترات مختلفة بدأو يتوافدون الى مدينة اور بشكل مجاميع صغيرة.

وما أن وصل مصطفى إلى محيط المدينة الآثارية حتى توقف أمام شاخص كبير مكون من عدة طبقات يسمى الزقورة، وقد بناها الملك السومري أور نمو مؤسس سلالة “أور” الثالثة، وأعظم ملوكها سنة 2100 ق.م. 

والزقورة مُستطيلة الشكل وقد كانت بالأساس مكونة من ثلاث طبقات ولم يتبقى منها في الوقت الحالي سوى الطبقة الأولى وجزء من الطبقة الثانية، يفضي إليها ممر خشبي تم نصبه للزائرين كي لا تتعرض التربة المحيطة به للتلف.

وما أن أنهى مصطفى استطلاع الزقورة حتى وصل إلى سطحها، وهو الموقع المخصص للمعبد بحسب المؤرخين والذي لم يبق منه شيء وكان مكانا لعبادة كبير الإله سين، حتى ذهب بعد ذلك الى الجزء الشرقي منها حيث معبد “دب لال ماخ” المكون من حُجرتين، وهو حسب المعتقدات القديمة يمثل مكاناً لخلوة الالهة.

وبحسب الكتابات المختومة فإن هذا المعبد تعاقب عليه العديد من الملوك الذين قاموا بترميمه، منهم نبوخذ نصر ونبونائيد و وسن – بلانسو – اكبي، ويظهر في هذا المعبد قوس صغير يعد أول قوس شيّد في التأريخ وفقاً للباحثين.

وبعد أن توقف لنصف ساعة تقريباً عند آثار قصر شولكي والمقبرة الملكية، أنهى مصطفى زيارته في “بيت النبي إبراهيم الخليل” المكون من عدة غرف، وهو المكان الذي أقيمت بالقرب منه الصلاة الإبراهيمية بحضور بابا الفاتيكان، وحضرها جمع فيه ممثلون عن الأديان الإبراهيمية الثلاث.

لم يكن مصطفى وحده من الشباب الذين يرومون زيارة هذا الموقع الأثري في كل مرة عندما تحين مناسبة معينة كالأعياد، إذ أن حيدر عبد ذا الـ19 عاماً، وهو طالب في المرحلة الاعدادية يقول إنه سمع كثيراُ عن مدينة اور الاثارية بعد زيارة بابا الفاتيكان مما أثار فضوله لزيارتها.

كانت أول مرة يصلها حيدر تزامناً مع قدوم الربيع في 21 آذار (مارس) 2022 ويقول: “لقد أثارت دهشتي.. انها مباني صماء لكنها تتحدث عن مجتمع قديم كان متحضرا ومدركا لأهمية العلوم والالتزام بالقوانين فضلا عن أن فيه منزل النبي إبراهيم عليه السلام الذي تلتقي عنده الأديان”. وأضاف: “كم هو جميل ان تكون مدينتنا منطلقاً للحوار بين جميع الأديان وهذا يضعنا في مكانة مهمة بين مدن العالم”.

ولا يدخل الزوار مدينة أور الآثرية مجاناً بل يشتري كل سائح عراقي تذكرة بقيمة 3 آلاف دينار فيما يدفع السائح الأجنبي مبلغاً قدره 25 ألف دينار. 

ورغم هذا إلا أن أبناء المدينة يزورونها باستمرار وعادة ما يكون ذلك خلال الفترة الممتدة ما بين الخامسة عصرا والسابعة مساء، حتى أصبحت زيارة أور في الآونة الأخيرة جزءاً ثابتاً من برنامج شركات السياحة التي تنطلق من بغداد وبعض المدن الوسطى نحو الجنوب.

وبحسب مدير مفتشية الآثار السابق عامر عبد الرزاق أصبحت أور مركزا سياحيا للسكان إذ يصل اعداد الزائرين في المناسبات والاعياد الى أكثر من ألف سائح محلي وهو مؤشر إيجابي بحسب تعبيره عن زيادة الاهتمام بالمواقع الأثرية.

ويعزو عبد الرزاق هذا التغير في ذائقة السكان المتمثل بزيارة المواقع الآثرية خلال الأعياد لعدة أسباب في مقدمتها زيارة بابا الفاتيكان إذ أصبحت المدينة من حينها تحت أنظار العالم حسب تعبيره.

يتذكر عبد الرزاق أنه استحصل بعد زيارة البابا موافقة من وزير الثقافة لافتتاح متحف الناصرية الحضاري خلال أيام عيد الفطر، وهو يضم قطع آثرية من العهود السومرية والاشورية، ويقول: “فوجئنا بأعداد العوائل التي جاءت لتتجول في أروقة المتحف من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الثامنة مساءً.. كانوا أفواجاً تجاوزت أعدادهم الألف زائر آنذاك في أيام العيد مما يشير الى تعطش المجتمع إلى معرفة تاريخه وتراثه”.

وتوصف محافظة ذي قار بأنها جزيرة وسط بحر من المواقع الأثرية التي تربو عن 1200 موقعاً وفقاً لرئيسة لجنة السياحة والآثار الأسبق في مجلس محافظة ذي قار أجيال الموسوي.

وأشارت الموسوي في تصريحات صحفية أن 522 موقعاً أثرياً منها مسجلة بشكل رسمي فيما لم تخضع بقية المواقع للمسح الميداني من قبل وزارة الثقافة والآثار.

ولم تشهد هذه المواقع أعمال تنقيبية إلا في القليل منها، إذ تعمل خلال السنوات السبع الماضية عشر بعثات تنقيبية في مواقع مختلفة وتستغرق كل زيارة تنقيبية 45 يوماً ثم تعود البعثة من جديد في السنة التي تليها.

ومن بين هذه المواقع الأثرية الضخمة موقع واحد يعد الوحيد المؤهل لاستقبال السائحين وهو مدينة أور، بينما هناك مواقع أخرى كـ “اريدو” و”جرسو” و”لكش” و”تل العبيد” لكنها مواقع غير مهيئة للزيارة السياحية.

مصطفى خلال زيارته التحضيرية لموقع مدينة أور، لم يجد أي دليل ورقي مطبوع لارشاد السائحين ولتوضيح معالم المكان لهم ومدّعهم بالمعلومات الأساسية عنه، مما جعله يعلق بالقول: 

“نحن نقوم بواجبنا بدعوة أهالي المنطقة لزيارة المناطق الأثرية لكن على الحكومة أيضاً أن تقوم بواجبها وتهتم بالسياحة الداخلية وبانعاش هذه الاماكن المنسية والمهجورة”.     

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى