ثلث الزيجات في العراق تنتهي بالانفصال… انتفاضة نسائية على منظومة بائسة؟

بغداد- فادية عبد الحميد الطائي

بعد ثمان سنوات من شجارات لا تنقطع مع زوج “غير مكترث بوجودها وحاجاتها” قررت المدرسة الجامعية الأربعينية “شيرين ح”، التوجه للمحاكم بطلب تفريق. تقول وهي تعدل غطاء رأس أبيض طويل تدلى على ملابس سوداء “لم أعد احتمل، يقول المحيطون بي لم يبق الكثير من العمر، لكنني قررت التوقف ان أكون الخادمة المضحية، قررت أن لا أظل أسيرة لمعاناتي من اجل النظرة المجتمعية”.

لدى المحامي الذي كلفته بمتابعة قضيتها، هناك خمسة قضايا طلاق أخرى تسلمها خلال اسبوعين. بينها أربعة لنساء بلا وظيفة ولا معيل ومهمشات اجتماعيا، وواحدة لسيدة تملك دخلا ماليا مستقلا ولا تعاني اقتصاديا.تباينت اعمارهن بين 20 الى 36 عاما.

تظهر إحصائيات مجلس القضاء الأعلى العراقي بشأن حالات الطلاق خلال منتصف العام 2021 تصاعدا كبيرا في الأرقام المسجلة داخل المحاكم وخارجها، معها وصلت نسب الطلاق الى الزواج لنحو 30%، ما يكشف عن أزمة في العائلة العراقية يحذر متخصصون من خطورة تداعياتها المستقبلية على أبناء تلك العوائل المفككة، خاصة في ظل غياب الدولة الراعية ونظام قانوني يفتقد لمتطلبات حماية المرأة والطفل ما يفرض ايجاد حلول سريعة لمعالجتها.

سُجل في العراق خلال شهري آب/أغسطس وأيلول/ سبتمبر 39394 حالة زواج، فيما سجل 11442 حالة طلاق خارج المحاكم وتفريق قضائي داخلها، بزيادة تعد الأكبر في تاريخ البلاد ربطها باحثون بالأوضاع الاقتصادية وحالة اللااستقرار الاجتماعي الى جانب ذكورية طاغية للمجتمع في ظل افتقار لقوانين منصفة للمرأة وعدم تفعيل المشرع منها.تقول (شيرين.ح) “بعد عشرين عاما من الزواج غير المنسجم واربعة أطفال كبروا في ظل أنانيته وقسوته لا أتذكر ان اسبوعاً مرَ علي بسعادة وطمأنينة..تحملت مرارة العيش معه وتقبلت اهمالي واهمال الاطفال لمجرد إسكات افواه الناس ونظرتهم للطلاق، حتى جاء قراري اليوم بالانفصال”.

الأستاذة الجامعية المتخصصة بالقانون بشرى العبيدي، ترى أن ارتفاع معدلات الطلاق، تأكيد لا يقبل الجدال على انعدام المساواة بين المرأة والرجل في العراق لاسيما أن العصمة بيد الرجل أي انه من يوقع الطلاق في الغالب، مرجعةً مسؤولية ذلك الى ذكورية المجتمع لأنه “يجعل من الرجل إلهً والمرأة عبدةً له”.

وتعتقد العبيدي أن لا حل لذلك إلا بثورة فكرية تغير المفاهيم السائدة في المجتمع مع تفعيل المادة (45 – فقرة 2) من الدستور العراقي التي تنص في نهايتها وبوضوح على رفض العادات التي تتقاطع مع حقوق الانسان “تُمنع الأعراف والتقاليد الاجتماعية  التي تتنافى وحقوق الإنسان”.

وتنبه إلى أن الدستور نافذ منذ سنة 2005 إلا أن هذه المادة “لم يتم تفعيلها مطلقاً”، معللة ذلك بقولها “الحاكمون في هذه البلاد هم ذاتهم من حاملي الفكر الذكوري ومناصريه”.

وتوضح آلية الطلاق، أنه يجري حين يلقيه من بيده العصمة وهو الرجل، أو أن يحدث في المحكمة بما تعرف بدعاوى (التفريق القضائي) وهي الحالة التي تلجأ فيها الزوجة الى محكمة الأحوال الشخصية طالبة الطلاق لسبب أجازه القانون، فيتم النظر في ذلك.

“وحتى في الحالة الثانية” تقول العبيدي “يكون للرجل حصة كبيرة منها، وهكذا فإن الحالات العظمى من الطلاق، تصدر من جهته”. 

ارتفاع متزامن بين العنف والطلاق

من خلال متابعة التقارير الشهرية التي تصدر عن مجلس القضاء العراقي والإحصائيات التي تتضمنها بشأن حالات الطلاق، يظهر أن معظم الحالات تحدث خارج أروقة المحاكم (طلاق خارجي) مما يعني وفقاً لمحامين ونشطاء أن الرجل هو السبب في زيادة الحالات “لأنه من يملك سلطة القرار بإيقاع الطلاق”.

تؤكد المحامية سهى عبدالله تلك المعلومات، وتلفت الى ان المجتمع العراقي لايرحم المطلقة “لذا هي تفعل المستحيل لكي تتجنب تبعات الدخول في خانة ال-طلاق وتجنب تبعاته عليها وعلى اطفالها، لذا تتحمل سوء المعاملة والإذلال وهدر الكرامة والخيانة والحرمان وغيرها كثير في سبيل أن لا تحصل على صفة – مطلقة – وكأنها وصمة”.

وتورد عبدالله سبباً آخر لارتفاع معدلات الطلاق والتفريق القضائي في العراق مؤخراً وهو العنف الأسري. وتشترط لحل هذه المشكلة أو في الأقل التقليل منها إصدار قانون العنف الأسري لأن بإعتقادها “المعنِف، سيفكر في تلك الحالة ألف مرة قبل أن يقدم على استخدام العنف ضد الطرف الآخر”، مشيرة الى إلى أن تشريع القوانين لوحده أمرٌ غير كافٍ، ويستلزم أن تكون هنالك توعية مجتمعية بأن العنف “حالة مرضية”.

وبحسب أرقام دائرة تمكين المرأة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، تم تسجيل 5 آلاف حالة تعنيف ضد النساء خلال العام 2021. لكن حالات كثيرة لا تصل الى الدائرة. وتؤكد المديرية ذلك بالقول ان العديد من الحالات لا يتم تسجيلها نظرا لبعض الأعراف والتقاليد التي تسود المجتمع،  مؤكدة سعيها لتشريع قانون “الحماية من العنف الأسري” فالمشروع حالياً ينتظر انعقاد مجلس النواب الجديد بغية عرضه.

ولا يقتصر العنف ضد النساء على مناطق محددة في العراق، فحتى في اقليم كردستان تسجل معدلات مرتفعة، وتكشفت أرقام مديرية مناهضة العنف ضدّ المرأة في إقليم كردستان، وهي مديرية نشطة مقارنة بباقي مناطق البلاد، عن زيادة بمعدلات العنف ضد النساء خلال العام 2021 فقد بلغ عدد الشكاوى خلال ثمانية أشهر 8864 شكوى مقارنة بـ 5275 حالة في العام 2020.

وتشير المديرية الى أشكال مختلفة من العنف، كالضرب والتنكيل والاعتداء الجنسي والقهر الذي يدفع للانتحار. وتمّ تسجيل 10 حالات قتل، إضافة إلى 41 حالة انتحار، و45 حالة إقدام على الحرق، و77 حالة اعتداء جنسي حتى شهر ايلول سبتمبر في مدن الاقليم الذي تتمتع فيه النساء بحريات أكبر نسبياً مقارنة بباقي مناطق العراق.

ذلك العنف يرفع معدلات الطلاق في كردستان التي وصلت الى 25% من مجموع حالات الزواج بحسب احصائيات العام 2019 التي يرجح انها ارتفعت في العامين اللاحقين. وترتفع النسبة في السليمانية الى ما فوق الـ30% وتنخفض في دهوك الى 14% فيما تسجل اربيل نسبة 28%.

ويرى المتحدّث باسم مديرية مكافحة العنف ضد المرأة في السليمانية المقدّم هيوا كريم، ان الأوضاع السياسية والاقتصادية لها تأثير كبير الى جانب المشاكل التي تخلقها مواقع التواصل الاجتماعي، داعيا الى إعطاء المقبلين على الزواج دورات توعوية بشأن الحياة الزوجيّة وواجبات الزوج والزوجة.

وكانت رئاسة الجمهورية قد أرسلت في أيلول/سبتمبر2019 نص مشروع قانون (مناهضة العنف الأسري) لإقراره في مجلس النواب، إلا أنه ظل أسير مناقشات اللجان ولم تتم المصادقة عليه. وينتظر نشطاء وباحثون من الدورة البرلمانية التي تم انتخاب ممثليها في تشرين الأول/اكتوبر 2021 تمرير القانون الذي يعدونهُ طوق نجاة لحماية أسر عراقية كثيرة من مصير التفكك.

 

صراع النظرة المجتمعية

لينا محي الدين (41 سنة) مهندسة زراعية من بغداد، تُشبه الطلاق بالنسبة للمرأة في العراق برفع الحصانة عن البرلماني الملاحق، وتقول: “كما أن رفع الحصانة تجعل من النائب عرضة للمساءلة، فأنها وبمجرد طلاق المرأة عندنا تتحول إلى هدف وسمعتها للتشهير وتنتزع منها حريتها في التنقل أو العمل”.

حصلت “لينا” على قرار قضائي بتفريقها عن زوجها في تشرين الثاني/أكتوبر 2020 مقابل تنازلات كبيرة تقول بأنها قدمتها مقابل “حريتها”.

إذ أجبرها زوجها وبعد ثلاثة أشهر فقط من زواجهما على ترك وظيفتها على الرغم من أن استمرارها في عملها كان شرطاً أساسيا لقبولها الاقتران به، ثم تطور الأمر إلى استخدامه العنف اللفظي والجسدي ضدها لتضطر عندها إلى ترك بيت الزوجية والدخول معه في خصومة قضائية امتدت لأشهر طويلة وانتهت بحصولها على قرار تفريق قضائي.

“أسمي الآن مطلقة، نسي المجتمع، الجميع أهلي أقاربي صديقاتي أصدقائي، أنني الإنسانة لينا قبل أن أكون المهندسة، معظمهم لايعرف الآن غير لينا المطلقة فقط” تقول بأسى وتتابع “كل شيء يتحول ضد المطلقة، فهي تصبح مثل كائن غريب في مجتمع يحسب عليها حركاتها وكلماتها وحتى إذا أرادت أن تتخلص من كل ذلك بزواج آخر، فعليها أن تتنازل وتقبل بأي شيء بحجة الستر، لما لا؟ فهي بنظر الناس مستعملة”!.

خلود هاشم (36 سنة) تدير محل كوافير في بغداد، طلقها زوجها خارج المحكمة سنة 2015 وتركها مع أربعة أطفال أكبرهم كان في التاسعة من العمر وقتها. تخفي السيدة عن الأشخاص من غير معارفها وضعها الاجتماعي لخبرة اكتسبتها بمرور الأيام مفادها أن الكثير من الناس “ينظرون اليَ بعين مريضة ما أن يعرفوا أني مطلقة”.

وتروي كيف أنها تعرضت للتحرش مرات عديدة من قبل أشخاص فور أن علموا بأنها مطلقة، وبسبب ذلك تحرص خلود على ارتداء خاتم الزواج عندما تراجع دائرة حكومية ما أو تذهب للتسوق.

وكان العراق قد سجل سنة 2018 ما مجموعه ثلاث وسبعون ألف حالة طلاق، ليشهد العام التالي 2019 زيادة مقدارها 1000 حالة أخرى، ويتفاقم الأمر مع تفشي فايروس كورونا في العام 2020 حيث شهد شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من ذلك العام تسجيل 8245 حالة في خمسة عشر محافظة باستثناء محافظات إقليم كردستان.

توقعات بارتفاعات مستمرة

تؤكد المحامية نضال عبد حسين سعد، أن الدولة العراقية حاولت منح المرأة المطلقة شيئاً من الاهتمام والرعاية بمنحها راتباً شهرياً من الرعاية الاجتماعية. لكن ذلك الراتب يبلغ اليوم 100 ألف دينار فقط (68 دولار) وهو مبلغ رمزي “لا يكفي لتدبر حاجة شخصية، فكيف إذا كانت تتولى تربية أطفال؟”.

وتشدد على ضرورة رفع مبالغ الرعاية الاجتماعية وأن تقدم الدولة دعماً معنوياً أيضاً للمطلقة بتسخير جانب من جهود مؤسساتها، الثقافية منها والإعلامية “للدفاع عنها ومنع الإساءة إليها والتقليل من شانها مجتمعياً”.

وتشكك المحامية نضال بالأرقام المعلنة لحالات الطلاق في العراق، وتقول انها وبحكم عملها في دعاوى الأحوال الشخصية واحتكاكها الطويل بموكليها، تعرف أن عددا كبيرا من الزيجات والطلاقات تحدث في القرى والأرياف بما يعرف عقد (الملا) دون تثبيتها رسميا سواءً في المحاكم أو حتى سجلات الأحوال المدنية.

ولا يتم تسجيل عقود الزواج الخارجية تلك إلا بعد بلوغ الأطفال سن الدراسة، يضطر الوالدان عندها إلى تسجيل العقد واثبات النسب ومن ثم الحصول على وثائق ثبوتية ليسجل الطفل بالمدرسة. قبل ذلك تنتهي الكثير من حالات الزواج بالطلاق دون ان تسجل.

الزواج المبكر والإكراه

يعدد باحثون وموظفون في مجلس القضاء الأعلى، ثلاثة اسباب رئيسية تقف وراء تزايد نسب الطلاق في العراق تتمثل في العنف الأسري والزيجات القسرية والزواج المبكر.

الباحثة الاجتماعية نهلة فرج حسين تعتقد بأن عدم حصول المرأة على استحقاقها الطبيعي في المجتمع بوصفها عضوا فاعلاً ومؤثراً فيه، هو السبب الرئيس لارتفاع معدلات الطلاق كونها “تُزوج بعمر صغير وفي أحيانٍ كثيرة دون رغبتها، وتنقل من مكان ولادتها ونشأتها إلى مكان آخر ويسوء الأمر عندما يكون الزوج غير كفء وعاجزاً عن تحمل المسؤولية”.

واستناداً إلى بحثها المستمر وخبرتها توصلت الباحثة إلى أن ما يزيد عن 70% من حالات الطلاق تكون لأزواج بأعمار صغيرة من 15 سنة وأحياناً أقل من ذلك وصولاً إلى العقد الثالث من العمر، وبنسبة أقل باقي الأعمار الأكبر.

“زواج القاصرات والفقر والجهل ووسائل التواصل الاجتماعي وغياب دور الأسر والمؤسسة التعليمية في بث الوعي” جملة من الأسباب ساقتها نهلة وأكدت بأنها تقف وراء تنامي أعداد حالات الطلاق في العراق. وتوقعت أن تستمر المشكلة وتستفحل لمدىً طويل.

وبموجب القوانين العراقية يُسمح بزواج الفتيات في سن الـ15 فما فوق وفق عدة شروط، لكن عشرات آلاف العائلات تلجأ الى تزويج بناتها خارج المحاكم حتى دون ذلك السن.

ومع تزايد تلك الحالات والتي ينتهي الكثير منها بالطلاق، بحسب محامين وباحثين، رد مكتب المرجع الديني الأعلى في العراق علي السيستاني على سؤال عن حكم زواج القاصرات، بعدم جوازه غالباً.

ويعلق الناشط المدني والمحامي مصطفى ناصرعلى ذلك بالقول “ما صدر يحدث للمرة الأولى في تاريخ حوزة النجف، وذلك يمثل تبني شيعي هو الأول من نوعه بتحريم زواج القاصرات من قبل اولياء امور الفتيات”.

ويأتي بيان مكتب السيستاني بعد ان اثيرت في وسائل اعلام فتوى عدد من رجال الدين الشيعة بجواز الاستمتاع جنسيا بالطفلة.

الرجال متضررون أيضاً !

طارق غانم (31 سنة) سائق سيارة أجرة من مدينة البصرة، مطلق منذ سنتين، ويشعر بالأسف كون معظم الحديث عن تزايد حالات الطلاق “يبدأ وينتهي باتهام الرجل وتحميله مسؤولية ذلك”. وبحسب رأيه فأن المتضرر الأكبر من الطلاق هو الرجل.

يقول “إضافة إلى الأضرار النفسية، هنالك أضرار مادية كبيرة يتحملها الرجل”. يلتزم الصمت قليلاً ثم يواصل “أنا مثلاً، خسرت ملايين الدنانير التي جمعتها طوال سنوات، أنفقتها دفعة واحدة من أجل إعداد بيت الزوجية وأغراض جهازية وغيرها، والان أدفع النفقة، فهل أردت لنفسي كل هذا العناء؟”.

ينفعل طارق متذكراً ولديه “حتى إبنيّ أكتفي بمشاهدتهما بين حين وحين دون أن أتمكن من تربيتهما كما أريد لأن القانون يعطي الحضانة للأم”.

ومثلهُ يعتقد فريد باقر (41 سنة) معلم ابتدائي، أن هنالك نظرة قاصرة لأسباب زيادة حالات الطلاق حسب توصيفه، ويقول ان “هنالك تصوراً دارجاً بأن النساء ملائكة بدون أخطاء وأن الرجل وبحكم أن بيده العصمة هو سبب المشاكل كلها”.

“هذا غير صحيح” يضغط فريد على كلماته: “نحن لسنا ملائكة بدورنا، لكن لا أحد يقول بأن نساء اليوم لا يملكن الوعي المطلوب لتحمل مسؤولية البيت وتربية الأطفال، وكثيرات يتم تزويجهن وهن غير مؤهلات في الأصل لإدارة شؤونهن الشخصية فكيف بإدارة بيت بكل ما فيه؟”.

هل كورونا السبب؟

في وقت يحمل فيه مراقبون تفشي وباء كورونا وما أحدثه من إغلاق للمجتمع ولفترات متفاوتة عديدة مسؤولية ارتفاع نسب الطلاق في العراق، والذي فرض بقاء الأزواج لفترات طويلة مع بعضهم في المنازل ومواجهة مشاكل عصية على الحل كالمصاعب الاقتصادية.

يرى آخرون بأن الأمر يتعدى ذلك وهو نتاج الفوضى والانقلابات التي شهدتها الدولة وضعفها منذ 2003 ومن بين هؤلاء الكاتبة لمى بيرق عواد التي عدت ما جرى خلال السنوات الثمانية عشر الأخيرة بانقلابات في المجتمع العراقي الذي كان مغلقاً بالكامل بين 1991 و 2003 بسبب الحصار الدولي الذي فرض على العراق بعد احتلاله للكويت.

تقول لمى “فجأة حدث الانفتاح ودخل الناس عصر الانترنيت والقنوات الفضائية والهواتف الذكية وأخذت المرأة العراقية تطلع على تجارب نظيرتها في أماكن أخرى من العالم وتحاول أن تركب لنفسها صورة عصرية جديدة حتى وإن لم تكن منافية للثوابت السائدة، لكن ذلك اصطدم بجدار قوي أحكمت بنيانهُ القبلية وسوء فهم الدين على مدى قرون طويلة”.

وتعرج على الأمن الموتور باستمرار كمسببٍ للعديد من المشاكل الأخرى الكبيرة: “في سنة 2014 وما تلاها، حدث أكبر نزوح داخلي عرفه العراق طوال تاريخه، فقد تسببت سيطرة تنظيم داعش على ثلث مساحة البلاد بنزوح الملايين، ولغاية الساعة يعيش الكثير منهم في المخيمات”.

هذه الأحداث والمتغيرات، التي أدت لتزايد حالات زواج القاصرات وحالات الزواج غير المتكافئ تحت ضغط الظروف القاهرة ومن ثم سيل من حالات الطلاق، لم يواكبها جهد مقابل لكبح تداعياتها، كما ترصد “لمى” التي اتهمت المؤسسات الحكومية المعنية بالتقاعس أو عدم الكفاءة في أقل تقدير “والضحية هي الأسر وتماسكها وبالتالي مجتمع مفكك يشكو من مجموعة أمراض مستعصية”.

أزمة مجتمعية أم تطور ايجابي

من خلال نظرة سريعة إلى الأرقام السنوية لأعداد الطلاقات في العراق، يمكن الإستدلال إلى أن تفشي كورونا ساهم في إحداث زيادة فقط لكنه لم يكن السبب الرئيس. هذا ما يعتقده الباحث مقدام عز الدين، والذي يحذر من أن المجتمع العراقي بات يعاني من “أزمة حقيقية بعيدة عن البحث والتمحيص في جذورها وأبعادها ونتائجها”.

ويقول بأن العقد الأخير شهد ارتفاعاً في معدلات الطلاق لتصل الى عشرة حالات تقريباً كل ساعة و ما يقرب من 70 ألف حالة كمعدل خلال كل سنة. هذه الأرقام لم تكن مسجلة حتى في فترة العقوبات الدولية بتسعينات القرن الماضي حيث انتشر الفقر في البلاد.

لكن الصحفي والكاتب نزار عبد القادر يختلف مع الآراء القائلة بأن هنالك أزمة في المجتمع العراقي تعكسها تزايد حالات الطلاق، ويرى أن تلك الزيادة تتناسب تقريبا مع الأنفجار السكاني الحاصل في البلاد. ويضيف “كان عدد سكان العراق 26 مليوناً سنة 2003، والآن يناهز 40 مليونا ومن الطبيعي جداً أن تكون أعداد حالات الطلاق أكبر من المرصودة في حينها أو حتى قبلها”.

وحتى مع التذكير بأن ما يتم تسجيله ليس أرقاماً متصاعدة فقط بل ايضا نسباً مرتفعة فبين كل عشر حالات زواج تنتهي ثلاث بالطلاق وهو معدل لم يكن متحققا قبل عقدين من الزمن، يقول عبد القادر هذه النسب كانت ستسجل حتى وإن لم يكن الانترنيت والهواتف الذكية مخترعة أو لم تكن هنالك مشاكل اقتصادية أو أمنية.

ويضيف انه نتيجة متوقعة لانفتاح المجتمع “وأمر أقرته معظم الاديان وشرعته القوانين الوضعية وأقرته الطبيعة البشرية، حين لا يتوافق طرفا عقد الزواج، يلجآن إلى إنهائه”.

ويشدد عبد القادر على أن أزمة المجتمع العميقة ومرضه يكمن “باستمرار الحياة الزوجية مع وجود تنافر وخصام وصدام يومي يؤثر على حياة ونفسية جميع الأطراف داخل الأسرة، وهذا ما يبدو ان الأسرة العراقية بدأت تتجاوزه”.

“لكن الأمر هنا لا يتعلق بالنجاة عبر انهاء قيد اجتماعي حين يُفتقد التفاهم، هكذا ببساطة كما يصور البعض” تقول المحامية ايمان عيسى، وتضيف ان المشكلة تكمن في الوضع السيء للمرأة المطلقة اجتماعيا و”خساراتها التي لا تعوض بعكس الرجل”، متسائلة عن مصير الأطفال في ظل غياب الدولة الراعية ونظام قانوني “يفتقد لمتطلبات حماية المرأة والطفل؟”.

وترى ان لا حل في ظل ذكورية المجتمع الا بتشريع قوانين جديدة واشاعة ثقافة مغايرة تحمي النساء عموماً وتدعم المطلقات منهن.

مع اختلاف الأسباب والتفسيرات المتعلقة بارتفاع معدلات الطلاق وكونها حالة ايجابية او سلبية، تصف المدرسة الجامعية المطلقة “شيرين.ح” ما تعانيه المرأة المطلقة بـ”الكارثة” فالأمر يتعلق “بالنظر السلبية التي ستلاحقها أبداً دون فكاك”.

وتقول “في النهاية المرأة الملاحقة اجتماعيا هي من تدفع الثمن، فهي الحلقة الأضعف والخاسرة دائما في تلك المعادلة، سواء عندما تكسب حريتها بالطلاق، او تبقى الأسيرة المضحية بنفسها في مطحنة إدامة الحياة المشتركة”.

  • أنجز التقرير بدعم من مؤسسة نيريج للتحقيقات الاستقصائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى