فنّ اللعب على “الميكسر” بأنامل امرأة بصرية

البصرة- نغم مكي 

قبل ساعات من بدء الحفل تقف “أم نواف” (39 عاماً) خلف منصة الـ دي جي في إحدى صالات الأفراح في مدينة البصرة، تخرج جهازي اللابتوب والايباد من حقيبتها الرياضية السوداء وتبدأ بوصل الأسلاك بمقابس الكهرباء، ثم تتفقد معدات الصوت في الصالة مقلّبة أزرار الميكسر، وبعد أن تتأكد أن كل الأمور على ما يرام تلتقط الميكروفون وتبدأ بتجريب الصوت.

ما أن يبدأ الحفل حتى تطلّ أم نواف على جمهورها من النساء بابتسامة عريضة وتلقي تحيتها الحماسية عليهنّ وهي تسألهنّ: “جاهزات؟” فيردّن: “أي جاهزات” ، فتبدأ وصلتها بتشغيل قائمة الأغاني والدندنة بصوتها المرافق للموسيقى كي تبثّ أجواء البهجة في المكان.

بدأت أم نواف، الـ “دي جي” المعروفة في البصرة، أولى خطواتها في هذه المهنة قبل 11 عاماً في نادي “بورت كلوب”، وهو نادٍ  حكومي شهير في المحافظة الجنوبية اعتاد منذ ستينيات القرن الماضي على استقبال شخصيات فنيّة ومثقفين، وكذلك على استضافة حفلات أعراس يحضرها مدعوون من دول الجوار وخصوصاً الكويت، يأتون إليه عن طريق الموانئ.

تقول “تعلمت مهنة الدي جي بفضل صديقتي المصورة أم مصطفى الملقبة بخوخة، فهي من ساعدني على كيفية استخدام المكسر وإعداد برنامج موسيقي للحفلات”.

وتضيف: “أحببت استخدام الميكسر وصرت أضيف إلى القائمة الموسيقية أصواتاً أقوم بإعدادها أو أدائها مباشرةً كالهلاهل والأغاني، وذلك كي أبثّ الحماس أكثر وأحقق مزيداً من التفاعل مع الجمهور”.

لا تقتصر طبيعة الحفلات التي تحييها هذه السيدة على الأعراس فقط، بل تشمل أعياد الميلاد وحفلات التخرج وغيرها من الاحتفالات الخاصة، وتؤكد أن الناس هنا صاروا يطلبونها بالإسم كونها السيدة الوحيدة التي تعمل بهذه المهنة في البصرة.

منذ انطلاقتها وإلى اليوم تعاقدت “أم نواف” مع أشهر منظمي الحفلات في الجنوب العراقي، ثم توالت عليها العروض من فنادق كبيرة ومتعهدي حفلات في دول الجوار، وتحديداً من سوريا، أما التحدي الحقيقي بالنسبة لها فكان خلال فترة كورونا حيث توقف الطلب على الدي جي بسبب منع إقامة الحفلات وإغلاق معظم الفنادق والقاعات أبوابها. 

تقول “كانت الحفلات التي أحييتها في فترة الحظر الصحي تقتصر على حضور العروسين والأهل فقط، أما اليوم فعادت أجواء الفرح إلى المدينة كما كانت عليه في السابق باستثناء بعض المناسبات الدينية كشهري محرّم ورمضان”.

تشرح أم نواف كيفية اختيارها وتنسيقها الاغاني، عن طريق نقاش يبدأ عادةً  مع العروس حول الموسيقى التي تفضلها هي وعريسها، والتفكير في الأغنية المناسبة لدخول العروسين أو تلك الخاصة بتقطيع قالب الكيك، أما بقية أغنيات الحفل فهي من يتولى اختيارها وترتيبها.

وتضيف “في بعض الأحيان لا تكون العروس على دراية بالأغنيات بحكم قلة استماعها فأتولى أنا مهمة ترتيب البرنامج الموسيقي وتدريب العروس على رقصة السلو والرقصة المزدوجة وتنسيق فقرة الاشبينات، وفقرة دخول والد العروس معها للقاعة أو دخول العريس إضافة لتنسيق الدي جي”.

وبالرغم من صعوبة المهمات الملقاة على عاتقها يوم الحفل، لا تبدو علامات الخوف أو الارتباك بادية على أم نواف بل على العكس، تقول إنها تشعر بالحرية والحماس عند وجودها خلف الميكسر، “لأن مهنتي تتطلب الثقة بالنفس وعدم التردد أو الرهبة من الجمهور”، مشيرة إلى أن النساء عادة يبتهجن بمجرد دخولها الصالة فينادونها بـ “عيوش2” (دي جي معروفة في بغداد) أو بـ “أم نواف البصرة”.

وبالرغم من وجودها في مجتمع محافظ قد لا يتقبل فكرة عمل المرأة في أجواء الأعراس والاحتفالات إلا أن تشجيع أسرتها لها كان له الأثر الكبير في استمرارها بالعمل. 

تقول أم نواف “شجعني زوجي وأهلي على دخول هذا المجال، خاصة المرحوم والدي، فعائلتي تحب الفن، ومنذ طفولتي كنت أضع المسجل واستمع للأغاني واحفظها ثمّ أقف أمام المرآة وأتخيل نفسي أني أمام جمهور والجميع يصفق لي ويغني معي”، وتضيف “نحن عائلة تمتاز بأصوات جميلة نوعاً ما وبإمكاني العمل كمغنيّة لكنني أكتفي حالياً بالـ دي جي”.

“دعاء حمدي” أخصائية في علم النفس، ومن متابعي أم نواف، تعلق على دور التنشئة الاجتماعية في نجاح تجربة أم نواف، فتقول إن “تشجيع المحيط الأسري يرفع معنويات الفتاة ويجعلها تتغلب على عامل الرفض، حتى لو أن المجتمع لم يتقبل مهاراتها”.

أما أم نواف فتؤكد أنها تتلقى الكثير من التعليقات المسيئة لها أو المتنمّرة، كونها سيدة محجبة تحيي حفلات موسيقية. “أحياناً يأتي التعليق على شكل نصيحة بأن أغير مجال العمل، لكني لا ألقي بالاً لتلك التعليقات بفضل وقوف أسرتي معي”.

وتختم كلامها بالقول: “أنا أقوم بعمل شريف يفرح الناس ويمنحني السعادة، خاصة أنه فقط بين النساء، ومن طبيعة المرأة أن تشعر بحريتها عندما تحقق ذاتها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى