مصمّم “الطنطل”: لو كانت هذه اللعبة كوريّة لحققت مكاسب بآلاف الدولارات

الناصرية- مرتضى الحدود

لا يمكن الجزم بأن الشاب محمد الحميد هو المطور الوحيد للألعاب الإلكترونية في مدينة الناصرية، لكنه بالتأكيد الوحيد الذي فكر في تصميم لعبة تحاكي تراث مدينته وتاريخها وطبيعتها الجغرافية.

هذا الشاب الذي بدأ العمل في مجال تطوير الألعاب منذ العام 2005 لم يتعلم برمجة الألعاب وتصميمها عن طريق الدراسة الاكاديمية بل دفعه الشغف إلى الانضمام لكورسات تعليمية على شبكة الانترنيت تمكن من خلالها من أن يحترف البرمجة ويبدأ بعدها مشواره المهني في صناعة الألعاب والبرمجيات.

يؤكد محمد أن الألعاب الالكترونية تجذب اهتمام اغلب الشباب والمراهقين في العراق سواء بغرض التسلية أو لتحقيق الكسب المالي من خلال التسابق مع لاعبين آخرين من مختلف دول العالم، وهو ما دفعه للتفكير في توظيفها بطريقة تحقق المتعة لهم والفائدة لمدينة الناصرية.

“كنت أسأل نفسي، هل هناك طريقة لتكون اللعبة الإلكترونية وسيلة لتصدير ثقافة المجتمع والترويج لتراثه الذي يمتد لآلاف السنين؟”، يقول محمد.

بعد أشهر من العمل المستمر توصّل الشاب إلى لعبته التي أطلق عليها اسم “الطنطل”، وهي تسمية  لكائن خرافي في الموروث الشعبي العراقي يمتلك القدرة على تغيير شكله من هيئة إلى أخرى ويصفه الخيال الشعبي بأنَّه طويل شكله مرعب ورأسه يناطح السماء، كان الاب او الام يخيفان ابنائهم الصغار به كنوع من التحذير كي لا يرتكبوا خطأ يضرّ بهم.

أما لعبة محمد فلا تنطوي على أي ترهيب للأطفال إنما تستعيد شخصية “الطنطل” كجزء من الموروث الثقافي للناصرية وتجعل منها شخصية في العالم الافتراضي تعيش في بيئة الأهوار وتتنقل بين معالم الجنوب العراقي التاريخية والأثرية.

يقول محمد “لعبتي تجمع بين هذين العنصرين، الطنطل وبيئة الأهوار كي يستفهم اللاعب عن كل عنصر من العناصر التي يراها في اللعبة ويتعرف من خلال حركة الطنطل على تاريخ المنطقة وتراثها”.

عند تشغيلك للعبة يظهر أمامك شاب أهواري يرتدي الثوب العربي ويعتمر “الشماغ” وهو قطعة من النسيج ملفوفة بطريقة أهالي الاهوار أعلى الرأس، واقفاً وسط زورق صغير يسمى بلغة الأهالي “المشحوف” ممسكاً بيده اليمنى قصبة طويلة يستعين بها لدفع المشحوف إلى الأمام في ممر مائي وسط الاهوار.

ينطلق صاحب المشحوف بزورقه في المياه فيما يتحكم اللاعب بحركة الزورق عبر علامة على الشاشة باتجاه اليمين أو اليسار وتظهر امامه بعض العراقيل منها التماثيل و الآلهة السومرية وعليه أن يتحاشاها وألا يصطدم بها، ثم يعبر بمحاذاة قطيع من الجواميس ويتابع الحركة في الممر المائي وعليه أن ينحرف في مساره أكثر من مرة وأن يحافظ على توازن القارب كي لا ينقلب.

اثناء حركة اللاعب داخل الممر المائي يخرج عليه وبشكل مخيف ومرعب “الطنطل”، يحاول الإيقاع به، وعليه الحذر منه، اما الأسماك -مصدر رزق الهواريين- فتحتسب كنقاط يصيدها صاحب المشحوف، وأيضا هناك نصب لقيثارة سومر تدور حول نفسها ويمتلك اللاعب نقاط إضافية إذا ما حصل عليها.

وإذا ما تمكن اللاعب من حصد نقاط كثيرة من دون الوقوع في المعرقلات الموضوعة أمامه سيجد المشحوف ينطلق بسرعة أكبر وفي الوقت نفسه تزيد سرعة حركة الطنطل الذي يطارده، وعليه الحذر بشدة من أن يقع ضحية هذا الكائن المخيف أو ضحية الجواميس الغاضبة.

ما يميز هذه اللعبة بحسب محمد الحميد هي التفاعل معها من دون الشعور بذلك، إذ لم يقم محمد بتقسيمها إلى مراحل بل جعلها مرحلة واحدة أشبه بتصميم لعبة أخرى معروفة تدعى “سب واي سيرفرس” أو لعبة “فتى القطارات” التي اشتهرت في الهواتف النقالة بشكل كبير، وهي تسلي الكبير والصغير في وقت الفراغ على حد وصفه.

ويؤكد محمد أنه صنع هذه اللعبة من دون تدخل أي مطور او مبرمج، “الا أنني استشرت بعض الخبراء حول تسميتها وفكرت في أن يكون البطل مستقلا لزورق أو او فتى يركض ووجدت الزورق أقرب للفكرة التي اود التعبير عنها، خصوصاً أن الأحداث تجري في بيئة الأهوار”، يقول.

ويشير محمد إلى أن الألعاب الالكترونية شكلت سوقا جديدا في العراق وأصبحت تشكل مكسباً مالياً جديداً لاصحابها ومروجيها وهناك من يقوم بتطويرها وبيعها وتصل مبيعاتها إلى أرقام كبيرة.

رئيس مؤسسة عراق المستقبل المهندس منار العبيدي يكشف عن حجم العائدات البرمجيات الالكترونية في العراق، فقد سجل العراق عام 2020 عوائد تقدر بـ 400 مليون دولار أمريكي بحسب منظمة knoema ويحتل العراق المركز 57 من أصل 100 دولة شملتها الدراسة حول الألعاب الالكترونية.

ويتوقع العبيدي أن تشهد عائدات الألعاب نموا سنويا خصوصا مع تشغيل تقنيات الـ4G وتحسن مستوى خدمات الانترنت في البلاد وأن الدراسات تشير الى ان 1 من بين كل 7 أشخاص في العراق يقومون بشراء محتويات الكترونية خاصة بالألعاب.

ويوضح العبيدي أن بعض الألعاب العالمية الشهيرة كلعبة pupg الشهيرة حققت خلال عام 2021 عائدات مالية وصلت لأكثر من مليار و200 مليون دولار أمريكي وقد ساهم العراقيون بحدود 5% من مجمل عائدات الشركة الكورية، مضيفاً ان الشركة الكورية تدفع ضرائب للحكومة الكورية ما نسبته 12% اي ان العراقيين دفعوا ضرائب للحكومة الكورية بقيمة 6 مليون دولار خلال عام 2021 ومن المتوقع أن يدفعوا 7 مليون دولار في عام 2022.

هذا يعني بحسب العبيدي أن “الاموال العراقية تذهب للدول الأخرى بسبب عدم وجود أي جهة عراقية تستثمر بالألعاب وتفتتح مراكز بحث وتطوير للشباب العراقيين للاستفادة من طاقاتهم في مجال تقنية المعلومات”.

مصمم لعبة “الطنطل” محمد الحميد لم يضع نفسه على قائمة الرابحين من الألعاب الالكترونية حتى الآن، بل يعمد إلى محاولة الترويج لتراثه وإرثه الحضاري ويواجه مع زملائه صعوبات كبيرة في هذا المجال، خصوصاً لجهة رفع التطبيقات الإلكترونية على متجر “جوجل ستور” لان السوق العراقية محجوبة عنها فيعمل من خلال أشخاص خارج العراق لرفعها على تلك المتاجر.

يقول محمد “اللعبة لم تكلفني سنتاً واحداً، لكنها أخذت مني وقتاً كبيراً ولو كنت قد صممتها في بلد آخر لربما جنيت منها آلاف الدولارات لكن العراق لا يتوفر على بنية تحتية داعمة للاستثمارات الرقمية”.

ويتابع محمد أن “الطنطل ومثيلاتها يمكن أن تشكل منافساً في سوق الألعاب الالكترونية لو تلقت الدعم المطلوب وقد تشكّل مصدراً مالياً جديداً للفئات الشبابية في العراق خصوصاً وان الآلاف من الشباب هنا يعانون من البطالة”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى