العم ناصر المصري.. صانع الكشري الذي صار من أهل بغداد

بغداد- سارة حسين خزعل

ما أن ترسل الشمس أولى خيوطها حتى يستيقظ العم ناصر ويتجه إلى محلّ الكشري الخاص به في شارع الرشيد في بغداد، فيتناول وجبة الفطور مع العاملين في مطعمه ثم يبدأ باستقبال الزبائن.

العم ناصر بائع الكشري، هو رجل مصري الجنسية في منتصف عقده السابع، جاء إلى العراق قبل 42 عاماً بحثاً عن لقمة العيش، فعمل في بداية مشواره في عدد المطاعم البغدادية إلى أن أصبح اليوم أشهر من يقدم المأكولات الشعبية المصرية في العراق.

يقول العم ناصر: “الغربة علمتني أشياء كثيرة ومنها طهو الطعام، لذا فكرت قبل أربعة عقود بأن أفتتح مطعمي الخاص فبدأت ببيع  أطباق الكشري التي لاقت إقبالاً كبيراً لدى العراقيين”.

رغم التقلبات السياسية التي مرت على البلاد طوال فترة إقامته لم يتوقف العم ناصر عن إعداد الطعام لزبائنه، بل صار مطعمه الشعبي الشهير يقدم إلى جانب الكشري أكلات مصرية متنوعة، كالفول والطعمية والكبدة وغيرها من الأطباق التي تشتهر بها منطقة السيد سلطان علي المجاورة لمنطقة الشورجة.

ويضيف: “حتى مطلع التسعينيات كان يعمل معي 16 عاملاً معظمهم مصريين ولكن بعد حرب الخليج ذهبو جميعهم ولم يبقى معي سوى أربعة عمال، ثلاثة عراقيين وواحد مصريّ”.

وتعد منطقة الشورجة المركز التجاري للعاصمة بغداد وتحتوي على أقدم أسواق المدينة التجارية التي تعود إلى أواخر العصر العباسي ويمتد موقعها من شارع الكفاح إلى جامع مرجان في شارع الرشيد. 

ويمكن للمتجول في الشورجة أن يتعرف على عشرات المطاعم التي تقدم الأكلات العراقية الشعبية، منها كبّة السراي والكصّ والدجاج والمرق بأنواعه والمخلمة المشهورة في تلك المنطقة  فضلاً عن الفول والمشويّات وغيرها من الأكلات، كما يمكن للزائر أن يتذوق أطباق شعبية أخرى جلبها مهاجرون من دول عربية أخرى كالكشري المصري والشاورما السورية.

العاملون في منطقة الشورجة  اعتادوا على افتتاح محالهم صباحاً لذلك يتناول معظمهم فطوره من المطاعم الشعبية المجاورة ومنها مطعم العم ناصر الذي يقدّم الفول  المصري كوجبة فطور أساسية.

يحضّر الرجل الستيني الأكلات قبل يوم واحد ثم يجلس في ركنه الخاص في المطعم بينما يقوم العاملون معه باستقبال الطلبات وتقديم الاطباق للزبائن.

بالنسبة للعم ناصر، فإن أكثر الوجبات مبيعاً في مطعمه هما أكلتا الكشري والفول، ويقول: “الكثير من الزبائن يأتون في الصباح لتناول الفول على الطريقة المصرية، فقد لاقت هذه الطريقة إقبالاً منقطع النظير لم أكن أتوقعه عندما بدأت في مشروعي”.

أما الكشري فيقول إنه يجهزها قبل يوم إذ تتطلب وقتاً للتجهيز وتحتوي على 14 مادة منها الرز والشعرية والبصل والمعكرونه والجزر والعدس المصري والفلفل والبطاطا والثوم والبازلاء والحمص، ويتم  تقديم جميع هذه المكونات في طبق واحد هو طبق الكشري المعروف.

أما أهم ما يميز طبق الكشري الذي يصنعه العم ناصر فهو الصلصة الخاصة التي يتم إضافتها فوق الطبق وبعد ذلك يتم تقديمه إلى جانب الصلصة الحارة.

واعتمد العراق لسنوات طويلة على العمالة المصرية لاسيما أثناء الحرب العراقية الإيرانية التي بدأت عام 1980 واستمرت ثمانية أعوام إذ كانوا يسدون النقص الحاصل في التدريس والطب والبناء حينما كان أقرانهم العراقيون يقاتلون على الجبهات، بل إن بعض المصريين في ذاك الوقت شارك في الحرب كمقاتلين.

وبعد حرب الخليج عام 1991 انحسرت العمالة المصرية في العراق تدريجياً حتى وصلت إلى 150 ألف شخص عام 2018 بحسب إحصائية رسمية لشعبة إلحاق العمالة في الخارج التابعة لغرفة تجارة القاهرة.

الكثير من المصريين عاد إلى بلاده لكن هناك من صمم على البقاء في العراق كالعم ناصر الذي أحب بغداد وأتقن لهجة سكانها وفتح مطعماً خاصاً به في منطقة الشورجة.

أبو محمد أحد زبائن المطعم يقول إنه اعتاد تناول وجبة الغداء عند العم ناصر، “فهو يقدم أشهى الأكلات بنفسٍ طيبة”.

ويصف مذاق وجبة الكشري بالقول “أشعر أن هناك سراً غريباً في هذه الأكلة عند العم ناصر، فهي تجبرك كل مرة على العودة وتناولها مرة أخرى، ربما لأننا لم نعتد على وجودها في بلدنا، فضلاً عن أسعار العم ناصر تتناسب مع دخلنا”.

أما بائع الكشري فيشعر بالسعادة كلما سمع إطراءً من الزبائن وكأن هذا دليل على نجاح تجربته الطويلة في بلد أتى إليه غريباً. 

يقول “أفرح عندما ارى الناس يرتادون مطعمي مرات عدة وتزيد سعادتي عندما يأتيني سياح أجانب وعرب أو من أبناء المحافظات العراقية الأخرى ليتذوقوا طعامي”.

ويضيف “منذ مجيئي للعراق  والى الآن اكتشفت مدى حب العراقيين للشخص الغريب.  لم أحس أبداً بالوحدة رغم اني لم ازر مصر منذ سنوات طويلة”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى