“حرب الاعتصامات” في العراق: الهدف هو كسب الجمهور

المنصة- منتظر الخراسان

بعد عشرة أشهر من الاحتدام السياسي في العراق من دون انفراجة، لجأ أطراف النزاع إلى أساليب ضغط مختلفة وصلت إلى نوع من “حرب الاعتصامات” من خلال نصب مناصريهم الخيم والاعتصام بها عند أسوار المنطقة الخضراء.

بدأت هذه الاعتصامات عند محيط الخضراء من أنصار قوى الإطار التنسيقي المطالبين بالحفاظ على “الشرعية الدستورية” كما يقولون واستقلالية القضاء العراقي، وفي الطرف الآخر كان أنصار الزعيم مقتدى الصدر المعتصمين داخل المنطقة الخضراء منذ أسبوعين تقريبا يطالبون بحل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة.

خطوة الصدر التي دعا فيها أنصاره الى الاعتصام بحسب تغريدة له أحرجت الطرف المنازع الذي كان سببا في عدم انعقاد جلسات اختيار رئيس الجمهورية لامتلاكه الثلث المعطل. فالصدر بحسب مراقبين يحاول الرد عليهم في الشارع لا في الأروقة السياسية خصوصاً وان الإطار التنسيقي عمد مؤخرا إلى طرح مرشح لرئاسة الحكومة غير مقبول من قبل الصدريين.

تظاهرات مناصري الإطار التنسيقي واعتصامهم الأخير انطلق بعد تحشيدات واسعة بدأت في منطقة الكرادة وسط بغداد باتجاه الجسر المعلق المؤدي الى الخضراء، وكان من المخطط لها أن تبتعد بذلك عن الطريق المعهود باتجاه جسر الجمهورية كي لا يكونوا بمواجهة مباشرة مع أنصار مقتدى الصدر.

أما اعتصام الصدريين عند المنطقة الخضراء فهو ليس الأول إذ شهد عام 2016 اعتصاماً مفتوحاً عند بواباتها تقدمه زعيمهم مقتدى الصدر عندما نصب خيمته داخل المنطقة لحين الوصول الى تلبية مطالبه بحسب كلمة له. كما انضم أتباع الصدر في تشرين أول (أكتوبر) 2019 إلى تظاهرات المحتجّين التشرينيين للمطالبة بمحاسبة المفسدين وازاحة الطبقة السياسية، ولو أنهم حافظوا على مسافة من المحتجّين واتهمهم الأخيرين بخذلانهم أكثر من مرة.

وغالباً ما يتعامل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مع أنصاره كقوة ضغط على خصومه في العديد من المواقف السياسية فهم يعدون أكبر قاعدة شعبية لزعيم سياسي وديني في العراق، لذلك ربما وجد الاطاريون أنفسهم بحاجة إلى ذات السلاح الذي يناور به الصدر.

قوى الإطار التنسيقي عمدت الى التظاهر عند المنطقة الخضراء كأسلوب استعراضي يؤكد أن لهم وجود شعبي أمام غريمهم، بينما عمد الصدريون المعتصمون الى إقامة صلاة جمعة موحدة في ساحة التظاهرات وسط الخضراء دعا لها زعيمهم مقتدى الصدر لإظهار حجم وجودهم الشعبي أيضاً، وقد حضرها عشرات الآلاف مؤكدين على مطلبهم الأساسي بانتخابات مبكرة وحل البرلمان.

هذه الحرب التي انطلقت في 12 من آب (أغسطس) 2022 لم تحدد بتاريخ انتهاء بل هي خاضعة لتغريدات وبيانات الزعماء السياسيين الذين يرسمون خطوط المواجهة والتحرك.

أستاذ العلوم السياسية قاسم الربيعي يرى أن الصراع الحاصل في الوقت الحالي لا يدور حول الذهاب إلى انتخابات مبكرة من عدمه، بل حول الآلية التي يجب اللجوء إليها لإجراء الانتخابات.

يقول الربيعي “قوى الإطار لا تمانع من اجرائها على ان لا تكون تحت خيمة حكومة الكاظمي مع تعديل قانون الانتخابات وتغيير مجلس المفوضين وهذه الشروط لا يقبل بها التيار الصدري بل يصر الأخير على حل البرلمان وإجراء انتخابات المبكرة بطريقة الضغط الشعبي”.

ويجد الربيعي هناك عدة سيناريوهات قد تشكل نهاية لحرب الاعتصامات بين الطرفين، “إحداها أن تتدخل المحكمة الاتحادية وتصدر قراراً بعد أن تنظر بالدعاوى التي رفعت من قبل انصار الصدر مستغلين الثغرة القانونية وهي نكث اليمين وانتهاء التوقيتات الدستورية”.

وهناك بحسب الربيعي سيناريو آخر، هو “مبادرة أو تدخل من أطراف سياسية خارج قطبي الصراع  كأطراف المكون الكردي لوضع خارطة طريق ترضي جميع الأطراف كأن يكون هناك انعقاد جلسة مجلس النواب على ان يتم التصويت على حل المجلس أثناء الجلسة مع التوصل الى قانون انتخابي مرضي للجميع”.

ويخشى مراقبون أن تخلص الاعتصامات التي يدعمها الطرفان إلى حادثة أشبه بموقعة الجمل في ساحة التحرير بمصر عام 2011 عندما هاجم أنصار الحزب الحاكم المعتصمين في ميدان التحرير وأوقعوا فيهم ما لا يقل عن 11 قتيلاً وقرابة الالفي جريح وهذا المشهد قد يكون أعنف خصوصاً وان الطرفين في العراق يمتلكان أذرعاً مسلحة قادرة على المواجهة.

الباحث في الشأن السياسي علي البيدر يجد أن “ما يحصل هو إثبات وجود في الشارع أما نهايته فتعتمد على مدى التوصل الى نتائج ترضي الأطراف سواء بتشكيل الحكومة أو الحصول على مكاسب مرضية”. ويضيف أن “أي خطوات تصعيدية مقبلة ستكون مسيطر عليها من قبل الداعين اليها”.

الصدر بدأ بخطوة تصعيدية جديدة إذ أعلن عبر وزيره الافتراضي صالح محمد العراقي في 13 آب (أغسطس) الجاري عن ما أسماه “النداء الأخير”، فوصف الاعتصامات أو حرب الخيم الدائرة حاليا بالفسطاطين وانه “صار عليّ ان اتحرى أي الفسطاطين اكثر عددا وأوسع تعاطفا عند الشعب العراقي بغض النظر عن انتمائتهم” موجهاً أنصاره في المحافظات بالتوجه الى بغداد بمظاهرة مليونية سلمية تتجمع في ساحة التحرير وتنطلق الى الخضراء.

وبهذا الخطاب التصعيدي يجد مدير مركز الجنوب للتخطيط الستراتيجي صلاح الموسوي أن اللجوء إلى الشارع من قبل القوى المتنازعة سببه عدم حسم الخلاف السياسي بالشكل القانوني وأن “القاعدة الجماهيرية للصدر باتت تشكل خطراً على بقية القوى السياسية بعد تغريدته الموجهة الى مجلس القضاء الأعلى بحل البرلمان وامهاله أسبوعاً واحداً وهذا الامر دعى قوى الاطار للنزول الى الشارع وجمع انصارهم محاولين سحب بساط الشارع من تحت الصدر وأنصاره”.

المتتبع للمشهد السياسي يجد هناك مفارقة حصلت منذ الإعلان الأولي عن نتائج الانتخابات وحتى الآن، إذ خرج الإطارين في تظاهرتين الأولى كانت ضد نتائج الانتخابات مطالبين بإسقاطها تحت عنوان التزوير والثانية مدافعين عن الانتخابات بحجة الحفاظ على الشرعية، فيما خرج الصدريون في الأولى فرحين بنتائجها مبتهجين وفي الثانية معتصمين مطالبين بحل مجلس النواب.

وبالرغم من أن هناك قراراً اتخذ منذ فترة وحصل على تأييد من قبل الأطراف السياسية في العراق باللجوء إلى انتخابات مبكرة بعد حل البرلمان ولكن ما يحصل بحسب مراقبين هو “معركة ليّ أذرع” لإثبات وجودهما في الشارع وإظهار أيهما الأقوى على المستوى الشعبي، فالمرحلة المقبلة هي مرحلة الجمهور وهو من يحدد وجودهم وصعودهم الى البرلمان من جديد.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى