أول فريق دبلجة في العراق: كيف تسجل صوتك داخل خزانة ملابس

المنصة – إلهام أركان  – بغداد

ما أن ينهض “حسين علي عيال” من فراشه حتى يبدأ بإجراء عددٍ من التمارين الصوتية ويدندن سلالم ونغمات موسيقية بسرعات مختلفة ثم يختار واحدة من الشخصيات الدرامية التي قام برسمها ويعمل على تجريب صوتٍ مناسبٍ لها لتبدأ بعدها عملية الدبلجة.

قبل خمس سنوات أسس المخرج والرسّام العراقي الملقب بـ”سبو كايل” والذي يبلغ من العمر 23 عاماً فريقاً للدوبلاج هو الأول من نوعه في العراق يضم عشرات المدبلجين المتواجدين في عدة محافظات عراقية.

يتذكر “كايل” جيداً بداية تأسيس الفريق الذي يحمل اسم “شبيونتس”. وقتذاك كان يبحث عن شركاء له في هذه الهواية، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي تعرّف بالفعل على عدد من الشباب والشابات من هواة هذا الفن والباحثين عن سبل لتطوير مهاراتهم الصوتية.

اليوم يضم فريق الدوبلاج أكثر من خمسين فتاة وشاب من مختلف الأعمار والمناطق في العراق وكذلك مختلف الاختصاصات. يقول كايل: “كل عضو في الفريق لديه مميزات خاصة في الحنجرة ولديه موهبة متفرّدة لذلك أعتقد أن فريقنا هو الأكثر تنوعاًَ في مجال الدوبلاج لدينا اختصاصات أخرى كالرسم والترجمة والتدقيق اللغوي”.

يقوم فن الدبلجة على فكرة “الترجمة الصوتية”، أي تركيب صوت فوق آخر في الأفلام والمسلسلات واستبدال أصوات مؤدّين آخرين بأصوات الممثلين الأصليين بهدف نقل لغة الفيلم الأصلية إلى لغة أخرى. 

وبحسب “كايل” لا يمكن القول إن الدوبلاج أو التمثيل الصوتي هو مسألة تغيير الصوت فقط و إنما هو “فن تكوين شخصيات متكاملة لديها روح ونظام تفكير وصوت خاص بها”، وهو يتطلب في المقام الأول “إحساساً مرهفاً وقدرات تمثيلية مع مراعاة حركة الشفاه وتوقيت الكلام”. 

بدأ فن الدوبلاج بالانتشار في المنطقة العربية في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، وكانت البداية من دول المغرب العربي مع أفلام هوليوود المدبلجة من اللغة الفرنسية نظراً لاستيراد أغلبها من موزعين فرنسيين.  وفي منتصف السبعينات، كانت “ديزني” أولى الشركات التي دبلجت أفلامها إلى اللغة العربية في استوديوهات في القاهرة وبيروت، وكان أنجحها “الملك الأسد” 1994.  

يقول “كايل” للمنصة إن “العراق يضم مواهب هامة متخصصة بهذا الفن والعديد منهم يتواصلون معنا رغبةً منهم بالانضمام لفريقنا”، مضيفاً أن الفريق يتواصل مع بعضه البعض من خلال الأنتريت، “أما اللقاءات الشخصية فهي تحصل كل شهرين من خلال اجتماع يضم كافة الأعضاء للنقاش حول نشاطاتنا”.  

وعرفت الدبلجة في المنطقة العربية ازدهاراً كبيراً من خلال استيراد المسلسلات التركية الطويلة ودبلجتها وأشهرها مسلسل “نور ومهند” الذي لاقى رواجاً منقطع النظير في العالم العربي عام 2007 وساهم في انتشار اللهجة السورية.

منذ تأسيس الفريق بدأ يتلقى عروضاًَ لدبلجة بعض الأعمال لكنها تبقى عروض بسيطة بالمقارنة مع تلك التي تتلقاها شركات الإنتاج الكبرى التي تمتلك عقوداً مع شبكات التلفزة العالمية.

يعود سبب قلة العروض للإمكانات الإنتاجية المحدودة التي يمتلكها “كايل” لحد الآن، إذ يقول: “لازالت قدرتنا الانتاجية بسيطة. نحن لا نملك مثلاً استديو خاص بالدوبلاج وتنقصنا معدات أخرى، لكننا نطمح لتأسيس استوديو مستقبلاً وشراء المزيد من المعدات الصوتية والأدوات التي نحتاجها”.

ويضيف مؤسس الفريق: “نضطر للتواصل عبر شبكة الانترنيت للاتفاق على الأعمال والمسلسلات الكارتونية، وكل عضو يستخدم أدواته البسيطة والمتوفرة لديه سواء كانت هاتفاً محمولاً أو ميكروفون أو سمّاعة”.  

مرتضى علي، شاب عشريني من أعضاء الفريق يقوم بدبلجة الصوت في خزانة ملابسه كي يحظى بأجواء هادئة تساعده على التركيز ويحصل على نظام عزل مناسب على طريقته.   

ويشير مرتضى إلى أن هذه الطريقة هي الوحيدة المتاحة أمامه ضمن ظروف الانتاج الحالية، لكنها تضمن جودة في الصوت على حد قوله، “لأن فريقنا يهتم بأدق التفاصيل وبكل حركة شفاه مهما كانت بسيطة”.

يروي “كايل” للمنصة تفاصيل عمل الشركة قائلاً: “عندما يكون لدينا فيلم أو مسلسل أو مشهد علينا دبلجته نرسله أولاً إلى قسم الترجمة ليترجم من اللغة الأجنبية إلى اللغة العربية وبعدها إلى قسم التدقيق اللغوي لضمان جودة النصً وخلوه من الأخطاء ثم يتم نقله إلى قسم الدوبلاج”.

في هذه المرحلة تجري عمليات اختبار لاختيار الصوت المناسب لكل شخصية ثم توزيع المهام على أعضاء الفريق المتوزعين في عدة محافظات ثم بعدها ترسل الأصوات المسجلة إلى قسم الهندسة الصوتية والمونتاج.

وتجري اجتماعات فريق “شبيونتس” عادةً في بغداد في أماكن عامة كالمقاهي والمنتزهات، “وعند الانتهاء من مناقشة أعمالنا نشعر بالفخر كوننا أول فريق في العراق يقدم هكذا محتوى، فالفرق التي تأسست بعدنا لم تقدم المستوى نفسه من الجودة”، يقول مؤسس الفريق.

“نتالي” التي تتميز بقدرات صوتية فريدة ولديها موهبة في تقليد العديد من الأصوات كانت تبحث عمن يهتم بموهبتها إلى أن وجدت فريق “شبيونتس”. تقول: “أمتلك الموهبة لكن لم يكن لدي أدنى فكرة عن عمل الدوبلاج ولم أكن اعرف أن في العراق فرق للدبلجة يسمح للفتيات بالانضمام إليها”. 

في إحدى المرات كانت نتالي تتصفح في مواقع التواصل الاجتماعي فظهرت لها صفحة “سبو كايل”. “ازداد فضولي للتعرف على الفريق والاستماع إلى أعماله فطلبتُ أن أنضم لهم وأصبحت إحدى فتيات شبيونتس”. 

أما ضياء سعد الذي يبلغ من العمر ٢٢ فيقول للمنصة إن أفراد عائلته تمتلك الموهبة في تقليد الأصوات لكنهم لا يشجعون أبناءهم على المضي في هذا الطريق، “لكن بعد أن انضممت إلى الفريق عن طريق برنامج  الأنستغرام بدأت أغرق معهم في العمل واكتشفت موهبتي في التعليق الصوتي  والدوبلاج”.

شبان وفتيات “شبيونتس” يتمنون أن تتبناهم إحدى القنوات لعرض مسلسلاتهم الكارتونية المدبلجة كي لا يضيع جهدهم سدى. من بينهم مرتضى الذي تحدث كثيراً عن إمكانية تسويق اللهجة العراقية من خلال الدوبلاج، ثم أنهى كلامه معنا وذهب مسرعاً إلى غرفته، جلس في خزانة الملابس، وبدأ بتسجيل صوته في مناخٍ هادئ.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى