هل يختفي بائع الصحف من بغداد؟

بغداد- مصطفى محمد

تحت لهيب أشعة الشمس الحارقة التي تجاوزت الخمسين درجة مئوية هذا الصيف كان بائع الصحف “عباس محسن” البالغ من العمر 40 عاماً يجول في أروقة شوارع الرصافة في بغداد ويبيع الجرائد والمطبوعات المحلية ليكسب قوت يومه. 

يستعد عباس للخروج الى ميدان العمل في ساعات الفجر الأولى فيغادر المنزل في الرابعة صباحاً ويواصل عمله في بيع الصحف للناس العابرين حتى الخامسة عصراً وهو الوقت الذي تبدأ فيه حركة الشارع بالخفوت تدريجياً، فيعود أدراجه الى المنزل حاملاً معه أحياناً ما تبقى لديه من الأعداد التي لم تُبع واحياناً أخرى يعود خالي اليدين، لا يتبقى فيهما سوى رائحة الورق.

مشهد انتشار مشهد باعة الصحف المتجولين كان مألوفاً في السنوات الأولى عقب سقوط النظام صدام حسين، كانوا يقفون عند تقاطعات الطرق الرئيسية وبالقرب من إشارات المرور، وما أن تتوقف السيارات حتى يسرعوا إليها حاملين الصحف والمجلات، ومنهم من كان يجول على أصحاب المحال التجارية ورواد المقاهي. 

اليوم تلاشى هذا المشهد بعد ما قلت أعداد البائعين وانحصرت بقليل من الأشخاص لا زالوا يمارسون هذه المهنة، كما أن المكتبات والأكشاك التي كانت تعتمد بشكل أساسي في عملها على بيع الصحف انتقل الكثير من اصحابها لممارسة مهنٍ أخرى وتوقفت عن بيع الصحف لقلة الزبائن.

عباس، الرجل الاربعيني الذي يعتبر من آخر بائعي الجرائد في المدينة بدأ العمل في مجال بيع الصحف منذ عام 1996 أي منذ قرابة 26 عاماً. يقول “امارس هذا العمل كهواية منذ الصغر لانني كنت ولازلت من المحبين للصحف والى الآن اقوم بالتجوال وابيع انواع مختلفة منها مثل جريدة الصباح و الزمان والمشرق و البينة الجديدة والدستور و الزوراء”.

يؤكد عباس أن المنافسة كانت في السابق كبيرة بين بائعي الصحف والمجلات عكس الآن، “ففي أبرز الشوارع والتقاطعات المزدحمة كنت أجد عدداً وافيًا من الباعة المتجولين، وعلى الرغم من هذه المنافسة إلا أن مهنة بيع الصحف كانت مصدر دخل جيد لمن يبحث عن عمل”.

الصحافة العراقية كانت ذات حضور ثابت قبل عام 2003 حيث كان عدد الصحف اليومية والأسبوعية تسعة صحف، لكنها جميعا توقفت عقب سقوط نظام صدام حسين. ومع نشوء النظام السياسي الحالي، تولدت فوضى كبيرة في إصدار الصحف، إذ بلغ عددها 171 صحيفة  يومية وأسبوعية، ليعاود العدد الانحسار إلى 21 صحيفة.

ومن بين أبرز الجرائد التي يبيعها عباس في الوقت الحالي وتلقى رواجاً لديه جريدة “الصباح” و”المشرق” و”الزمان” وجميعها جرائد يومية. 

يقول للمنصة: “أقوم بشرائها من بورصة الصحف وأبيعها هنا في الرصافة، كما أن لدي زبائن دائمين (معاميل) يشترونها مني”. 

ويشير عباس إلى أن أكثر العناوين أهمية لدى زبائنه هي أخبار رواتب المتقاعدين وأخبار الرعاية الاجتماعية، ويتراوح عدد الصحف التي يبيعها يومياً بين 100 و250 صحيفة سعر الواحدة منها يتراوح بين 250  و500 دينار عراقي.

أبو حسين، البالغ من العمر 52 عاماً وهو صاحب مكتبة صغيرة في شارع المتنبي الثقافي، يقول: “انا ملتزم بقراءة الصحف منذ السابعة من عمري حتى الآن، ولا أكتفي بصحيفة واحدة بل أحب أن يكون لدي إطلاع على جميع الصحف المطبوعة لأنني شغوف بالقراءة”.

ويضيف: “كانت أحياء بغداد ومنذ سنوات، تشتهر بوجود أكشاك صغيرة تبيع الصحف والمجلات فضلاً عن مكتبات تبيع الكتب والقرطاسية لكن بيعها للصحف والمجلات يعد الأساس، أما اليوم فأعدادها تتراجع” مشيراً إلى أن أعداد الباعة في شارع المتنبي الذي يرتاده قرّاء ومثقفون كثر تتناقص هي الأخرى.

أما عباس بائع الصحف الذي يعيل عائلته من خلال بيع الصحف فحياته اليوم باتت صعبة على حد وصفه بسبب كساد بضاعته، فدخله اليوم لا يتجاوز الـ 25 الفا دينار عراقي أي قرابة 18 دولار أمريكي.

يقول “نسبة مبيعات الصحف اختلفت كثيراً عن السابق كما قلّت المبيعات الورقية عموماً بسبب والتطور التكنولوجي”. 

وبحسب بعض الإحصائيات التي أعلنت عنها شركة “مستقبل العراق” المسؤولة عن التوزيع فإن الصحف العراقية كانت قبل 16 عاماً تطبع أكثر من 500 ألف نسخة يوميّاً، لكن الرقم تراجع اليوم إلى 30 ألفاً فقط، نتيجة هروب القارئ من الصحف إلى مواقع التواصل الاجتماعي. 

لكن كل هذه الأرقام لا تثبط من عزيمة بائع الصحف عباس الذي يختم كلامه قائلاً: “اعتدت على مهنة بيع الصحف ولا اجد نفسي في مهنة اخرى، فحتى بعد انهيار السوق لم اغيرها ولا أنوي تغييرها ابداً”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى