أمهات صغيرات يواجهن الموت وخطر الأمراض

احمد الشيباني

بالرغم من الآثار الاجتماعية الثقيلة التي يتركها تزويج الفتيات الصغيرات على المجتمع، الا أن الصغيرة المُزَوَجة، تتحمل الحجم الأكبر للآثار النفسية والاجتماعية التي يتركها عليها التزويج القسري، فنسمع قصص ومآسي كثيرة تتعرض لها فتيات صغيرات يتم تزويجهن قسراً في العراق. يحاول هذا التقرير عرض الأضرار الصحية الخطيرة التي تتعرض له الفتيات القاصرات بعد التزويج والحمل والولادة بشيء من التفصيل.

“علاوة على استغلال اجسادهن الصغيرة في امور لا اخلاقية رغما عنهن، تتعرض بعض الفتيات الصغيرات الى أبشع انواع العنف الجسدي والنفسي والجنسي، ويتم استغلالهن تحت اسم الزواج للعمل في الملاهي الليلية، وتعاني غالبيتهن من مشاكل صحية خطيرة”، تقول الناشطة سارة جاسم.

وبحكم عملها كراصدة وناشطة في مجال حقوق المرأة فان تلك الصغيرات برأي سارة جاسم، يقعن ضحية الدعارة او يتم استغلالهن كراقصات في الملاهي الليلية بعد ان يتم تزويجهن من اشخاص استغلوا صغر سنهن وخوفهن، وأجبروهن على العمل في مثل هذه الأماكن، خاصة ببغداد واربيل. “الاغلب منهن يفضلن البقاء في هذه الاماكن الخطرة على العودة الى جحيم اسرهن الذين باعوهن بصفقة رخيصة” تقول سارة.

ارقام صادمة

اعتبرت وزارة التخطيط “الزواج المبكر” من الظواهر الشائعة في المجتمع العراقي فقد بلغت نسبة الفتيات اللواتي تم تزويجهن بعمر أقل من 18 سنة لسنة 2018 على مستوى العراق 24،8 بالمئة. واشارت البيانات الى ارتفاع الظاهرة في المناطق الحضرية بنسبة 28 بالمئة بينما في المناطق الريفية كانت 27،6 بالمئة، وسجلت محافظة ميسان (جنوب العراق) النسبة الأعلى بين المحافظات في تزويج الفتيات بعمر اقل من 18 سنة للفئة العمرية 20-49 سنة وبنسبة بلغت 35 بالمئة.

واشارت الوزارة وفقا لنتائج المسح الاقتصادي والاجتماعي المتكامل لأوضاع المرأة في العراق لعامي 2011-2021 الى ان 25.5٪ من النساء تم تزويجهن قبل بلوغهن 18 عام و10.5٪ تم تزويجهن قبل بلوغهن 15 عام.

اضرار صحية جسدية

تقول الطبيبة النسائية ندى الجبوري ان الصغيرات اللواتي تم تزويجهن بأعمار صغيرة معرضات للإصابة بإمراض تناسلية خطرة بسبب بنيتهن الجسدية والتي لا تتحمل العلاقة الجنسية والحمل والولادة.

وتضيف الجبوري: الصغيرات ايضا معرضات الى مخاطر النزف المتكرر والاجهاض المبكر والولادة قبل الموعد المحدد وهنا تتعرض الصغيرة الام الى مضاعفات صحية خطيرة قد تؤدي الى وفاتها بسبب النزف الشديد او الاجهاض وتسمم الدم، كما ان اغلب الصغيرات لا يلدن بشكل طبيعي، بل بواسطة عملية قيصرية.

وتتعرض اغلب القاصرات الى مخاطر الولادة ومنها النزف الشديد وخلال الولادة الطبيعية قد تحصل تمزقات بسبب التداخل الجراحي واحتمالية الاصابة بالهطول المبكر للرحم والمهبل بسبب كثرة الولادة في السن الصغير وحتى الثلاثون عاما.

وبسبب الوضع النفسي المتأزم للقاصرة المتزوجة والوضع الاقتصادي الضعيف قد لا تحصل على الطعام المناسب الغني بالأملاح والمعادن والفيتامينات اللازمة خلال الحمل وبعد الولادة مما يؤدي الى اصابتها بسوء التغذية وفقر الدم المفضي الى الامراض المزمنة او الوفاة احيانا.

احصائيات دولية

تشير منظمة الصحة العالمية الى ان مضاعفات الحمل والولادة السبب الرئيسي للوفاة لدى الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 -19 سنة على الصعيد العالمي، فمن بين 5-6 مليون حالة إجهاض تحدث سنويًا بين المراهقات في هذه الاعمار، 3.9 مليون منها هي عبارة عن حالات إجهاض غير مأمون، قد يساهم في وفيات الأمهات و ظهور مشاكل صحية طويلة الأجل .

وذكر التقرير بان الأمهات المراهقات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 10 -19 سنة يواجهن قدرا أكبر من مخاطر الإصابة بالتسمم الحملي والتهاب بطانة الرحم النفاسي وحالات العدوى المجموعية مقارنة بالنساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة،

ضعف الرعاية الصحية

وتبين الجبوري بان القاصرات الحوامل في المناطق الريفية يصعب عليهن الوصول الى الخدمات الصحية اذ لا تتوفر في المؤسسات الصحية امكانيات الرعاية الصحية للام خلال الحمل والولادة وبالتالي تكون حياتها وبنسبة كبيرة معرضة لخطر الموت هي وجنينها الذي قد يحتاج الى رعاية خاصة بعد الولادة وقد يتأخر نقله الى المستشفى مما يعرضه الى الوفاة بنسبة كبيرة، وقد يواجه الطفل مخاطر انخفاض الوزن عند الولادة، وامراض اخرى، بخاصة ان “المؤسسة الصحية لا تغطي كل مناطق العراق وبالتالي لا تؤمن الرعاية الضرورية للصغيرات الحوامل خلال الحمل وما بعده”.

واشارت وزارة التخطيط الى ان معدل وفيات الامهات أثناء الحمل أو الوالدة أو ما بعد الوالدة للعام 2020 بلغ 34،2 بالمئة لكل مائة ألف ولادة حية في عموم العراق.

مشاكل نفسية وانتحار

تشير الباحثة النفسية مها العزاوي الى ان القاصرات المتزوجات وخاصة للفئة العمرية (10-19) يعشن اوضاعا نفسية مأزومة وصعبة قد تكون نتائجها وخيمة المتضرر الاول منها هي الضحية نفسها ثم اقرب الناس اليها ثم المجتمع.

وتوضح العزاوي: اغلب الفتيات في هذه المرحلة العمرية يجهلن تفاصيل العلاقة الجنسية وبالتالي غير مؤهلات للدخول في علاقة جنسية وهذا ما نطلق عليه بـ “الاغتصاب الزوجي“ الذي لا يصدر عن الغرباء فقط وانما يكون بزواج القاصرات دون رغبتهن ورضاهن والاغلب منهن اجبرن على ذلك من قبل ذويهن.

وحول تفاصل الوضع النفسي للقاصرة المتزوجة تشير العزاوي الى ان الصغيرة لا تعي ما يحصل لها في تلك الليلة ويكون عقلها في حالة جمود قد لا تصرخ ولا تبكي خلال ممارسة العلاقة الجنسية لأنها تعيش “الصدمة” فيكون عقلها وجسمها جامدين.

بعدها تظهر عليها اعراض نفسية كالانكماش والخوف والعزلة والبكاء بلا سبب و فقدان الشهية والانطواء ثم فقدان الثقة بنفسها والمقربين منها ثم تعيش في حالة من القلق والتوتر والضغط النفسي المقترن بالحزن الشديد وقد يتحول ذلك الى سلوك عنف تجاه ذاتها وقد تمارسه مع الاخرين او انها تفقد الرغبة في الحياة فتهرب او تنهي حياتها “الانتحار”. وفي بعض الاحيان يتولد لدى الضحية شعور بالكره تجاه الجنس الاخر وقد يؤثر على ميولها الجنسي الطبيعي.

واعلنت وزارة التخطيط العراقية ان عدد حالات الانتحار بين الاناث بلغت (201) حالة للعامين 2020-2021 وعزت ذلك الى اسباب نفسية وعصبية واضطرابات عقلية وعنف أسرى.

الجهل الصحي وتحديات اخرى

تبين فريال الكعبي رئيسة منظمة اوان للتوعية وتنمية القدرات بان اغلب القاصرات لا يملكن الوعي الصحي للعناية بأوضاعهن الصحية اضافة الى الخوف من وصمة العار الاجتماعية بسبب عدم الحمل والانجاب والبعض منهن يعتقدن ان إنجاب عدد من الاطفال سيمنحهن القوة والسيطرة.

وترى الكعبي بان بعض القاصرات المتزوجات يصعب عليهن الوصول الى وسائل منع الحمل وكيفية استخدامها اضافة الى تحديات تزيد الامر صعوبة كالخوف من الزوج والاسرة وعدم توفر الخدمات اللازمة لذلك، كما ان اغلب ولادات القاصرات تحصل في المنازل وهو ما يشكل خطورة على حياة الامهات الصغيرات بسبب مضاعفات الولادة واستعمال والسائل البدائية عند الولادة

ويعرف القانون العراقي  القاصرة بانها انسانة في مرحلة الطفولة، تعيش تحت وصاية والدها أو ولي أمرها وتعجز عن تولي مسؤولية نفسها القانونية، وتكون مرتبطة ارتباطاً مباشراً بعائلتها، ويكون عمر الفتاة دون السن القانوني (18) عام ورغم ان قانون الاحوال الشخصية العراقي قد  حدد سن الزواج بالسن القانوني لكنه يبيح الزواج بعمر (15 )عام وفق شروط حددها  اما العقوبات للمخالفين فهي لا تعتبر رادعة كما قال مختصون في مجال الحقوق.

وأطلقت الكثير من المنظمات النسوية والناشطات في مجال حقوق المرأة حملات مناهضة لزواج القاصرات وطالبن مجلس النواب بتجريم عقود الزواج   خارج المحاكم ووضع عقوبات صارمة من خلال تعديل المواد القانونية المعمول بها والغاء النصوص القانونية التي تسمح بتزويج القاصرات، ودعت بعضهن الى ضرورة تكثيف حملات التوعية بالمخاطر الصحية والاجتماعية والنفسية لزواج القاصرات واستهداف المناطق التي تشهد ارتفاع بعدد تلك الزيجات.

 

تم إنتاج هذا التقرير بدعم من منظمة انترنيوز وينشر بالتنسيق مع موقع أصواتنا 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى