في ميسان.. عاش يتيماً وكبر كافلاً للأيتام والمعدمين

العمارة- مهدي الساعدي

ينهمك عليّ بتوزيع الملابس والحقائب ومستلزمات أخرى على تلاميذ مدارس من أبناء مدينته. لا يشمل جميع الأطفال بالتوزيع بل شريحة واحدة فقط يرى فيها ماضيه عندما كان طفلاً. 

عليّ سليم شاب من أبناء قضاء قلعة صالح جنوبي محافظة ميسان المحاذي لشمال البصرة في الجنوب العراقي، استلهم رعايته للأيتام والمعدمين من تجربته بعد أن عاش يتيماً وحيداً لأمه إذ أفقدته الحرب والده وهو في أشهر عمره الأولى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ليقرر بعد ثلاث عقود ونيف أن يكون راعياً للأيتام. 

يقول عليّ لـ “المنصة”: “عشت طفولتي يتيما بعد فقدان أبي وعمري أقل من سنتين، عشت حياة اليتم والحرمان ولا أحب أن ارى تلك المعاناة في عيون الصغار، لذلك أطلقت مشاريع خيرية عديدة، أوصلتني لرعاية أكثر من 500 عائلة من الفقراء والأيتام في المدينة”.

أطلق عليّ مشاريعه الخيرية في مدينته منذ عام 2018، ونجح خلال فترة وجيزة من تحقيق نجاح كبير في مجال العمل الإنساني تكلل بتأسيس جمعية “بر الوالدين” الخيرية.

يكابد معظم الأيتام في محافظة ميسان ظروفاً معيشيةً صعبةً، فهي من المحافظات العراقية الأكثر فقراً بنسبة فقر تصل إلى 49% مقارنة مع محافظات الجنوب الأخرى التي يصل المعدل العام للفقر فيها إلى 35%. وتحتل محافظة المثنى المرتبة الأولى بنسبة فقر وصلت لـ50%، تليهما محافظتا ذي قار والديوانية، بحسب ما أعلنه المتحدث بإسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي في تصريح اعلامي في 12 أيار (مايو) الماضي.

يقول مدير مكتب مفوضية حقوق الانسان في ميسان احمد ستوري لـ “المنصة”: “واقع الطفل اليتيم مأساوي على كافة المستويات، التربوية والمعيشية والصحية، ويعاني الأطفال الأيتام من عدم توفر الحياة اللائقة لهم وهم بحاجة إلى إيجاد حلول ومعالجات من قبل الحكومة الاتحادية من خلال تفعيل القوانين والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق، خاصة اتفاقية حقوق الطفل”.

تزايد عدد الايتام في المحافظة يعود لأسباب عديدة يأتي من بينها النزاعات العشائرية والمعارك التي شهدتها البلاد مع تنظيم داعش، والاضطرابات الداخلية، واستفحال الأمراض المستعصية، لكنّ ما يفافم من شعورهم هؤلاء باليتم تخلي الحكومات المتعاقبة عنهم وعدم إيجاد تخصيصات مالية لهم. 

يقول مدير دائرة العمل والشؤون الاجتماعية في ميسان فاضل مطشر لـ “المنصة”: “لا توجد تخصيصات مالية تشمل شريحة الأطفال الأيتام، بل يتم شمولهم مع عوائلهم في إعانات ومرتبات الرعاية الاجتماعية”.

أم علي امرأة من مدينة العمارة ترعى ستّة ايتام بعد أن توفي زوجها بسبب مرضه، تقول لـ “المنصة”: “اعيش مع اطفالي بتقاعد زوجي المتوفي، أتقاضى شهرياً 350 ألف دينار فقط (اي ما يعادل 240 دولاراً) وهي لا تكفينا للمعيشة أصلاً، ولا قدرة لدي على توفير المستلزمات الأخرى لأطفالي”.

يبين مدير مكتب مفوضية حقوق الانسان في المحافظة أن “أغلب الدعم والرعاية المقدمة للأطفال الأيتام يأتي من المؤسسات المجتمعية والميسورين”، إذ تنشط العشرات من المؤسسات الخيرية والخاصة بدعم الأيتام والمعدمين في المحافظة.

رعد خلف مدير إحدى المؤسسات الخيرية المختصة برعاية الأيتام في المحافظة يقول لـ “المنصة”: “عملنا كمؤسسة يعتمد بالدرجة الأساس على الدعم الذاتي والتبرعات، ندعم من خلاله العوائل الفقيرة وخصوصاً الايتام من عديمي الدخل أولاً، وممن يقل دخلهم الشهري عن 500 الف دينار، (اي 350 دولارا) لأنها تكون غير كافية للمعيشة الشهرية للعائلة”.

وتقدم المؤسسات الخيرية الداعمة للأيتام في المحافظة دعماً مادياً على مستوى اليتيم الواحد، ويقول أحد أعضاء مؤسسة “عين” للرعاية الاجتماعية، وهي واحدة من أكبر المؤسسات التي تحظى بدعم ديني ومجتمعي في ميسان، رفض الكشف عن اسمه: “تخصص مؤسستنا راتبا شهريا لكل يتيم مقداره 75 ألف دينار (ما يعادل 50 دولاراً)، والعائلة التي تضم أكثر من يتيم تزداد مدخولاتها الشهرية”.

عليّ سليم، الذي جرب اليتم منذ أن كان رضيعاً فرغ معظم وقته وجهده لهذه القضية بعد أن اصبحت حالة مشخصة لدى المعنيين والمراقبين.

لم يكتف عليّ برعاية الأيتام مادياً فقط، بل تعداها إلى ترميم وبناء دورهم السكنية بسبب تهالكها وتقادم العمر عليها، واستطاع من خلال جمعيته الخيرية التي تنهض مادياً بتبرعات الميسورين، أن يشمل مشاريع تزويج الشباب وتوفير العلاج للعوائل المعدمة.

يقول علي: “قمنا بتشييد العديد الدور السكنية، وترميم أكثر من 20 بيتاً وتهيئة أكثر من 30 شاباً وشابة للزواج، وتحمل مصاريف عمليات جراحية لأكثر من 100 حالة، بالاضافة الى توفير العلاج لأكثر من  200 عائلة من الفقراء والمعوزين”.

لا توجد إحصائية دقيقة لعدد الأطفال الأيتام في كل محافظة عراقية بما فيها ميسان، وتتداخل الأعداد بين المؤسسات الخيرية المختلفة، لكن الطفل اليتيم في معظم المحافظات بات عرضة لمخاطر مختلفة.

وتقدر وزارة التخطيط عدد الأطفال الأيتام في العراق بما يتراوح بين 800 ألف إلى مليون يتيم، بينما تقدر منظمة “اليونسيف” العدد بأكثر من مليون طفل. 

ويقول مدير مكتب حقوق الانسان احمد ستوري لـ “المنصة”: “يضطر كثير من هؤلاء إلى العمل في ظروف بيئية صعبة، وينخرطون في التسول”. 

وكي لا يبقى هؤلاء الأطفال بانتظار المساعدات والتبرعات، بدأ علي سليم وبالتعاون مع ميسورين من أبناء مدينته بفتح مشاريع تجارية صغيرة لتشغيل العاطلين من ذوي الأيتام أولا تخصص ريعها لديمومة استمرار أعماله الخيرية. 

يقول علي: “لا نستطيع أن نبقى مكتوفي الأيدي ننتظر تحركاً من الحكومة.. علينا أن نجد حلاً بأنفسنا ريثما تلاحظ الحكومة عمق الأزمة التي نحن فيها”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى