من دهوك إلى مضايف القصب في ميسان: رحالة كردي يقطع العراق بدراجة هوائية 

العمارة- مهدي الساعدي

ينتظر أحمد جاسم ضيفاً لم يره سابقاً. كل ما يعرفه عنه أنه رحالة سوف يأتي من مدينة دهوك في إقليم كردستان إلى مدينة العمارة مركز محافظة ميسان على دراجة هوائية. وسيلة تواصلهما خلال الفترة الماضية كانت الهاتف الجوال، وكان تواقا لرؤيته بعدما تحدث إليه أكثر من مرة عن تفاصيل الرحلة.

ترتيب الموعد بدأ عندما قرر الرّحالة شعبان شوكت (29 عاماً) السفر إلى مدينة العمارة الجنوبية (380 كم جنوب العاصمة بغداد) فتواصل مع أصدقاء وصلوه بدورهم بأحمد جاسم، الناشط البيئي والمدون المعروف في مدينته. استغرقت رحلة شعبان من شمال العراق إلى جنوبه حوالي أكثر من عشرين يوماً قطع فيها حوالي 800 كم بعجلتين مطاطيتين وبقوة ساقيه.

رحلة عبر الثقافات

قبل عشر سنوات بدأ شعبان، خريج كلية التربية الرياضية، هوايته في السفر على الدراجة الهوائية. كانت أولى رحلاته إلى مدن داخل حدود إقليم كردستان، تجارب منحته الخبرة والحماس ليفكر بعد ذلك باجتياز مسافات أبعد. 

“في ذلك الوقت كانت دراجتي ذات نوعية متواضعة وأيضاً حقائبي ومعدّاتي التي كنت أحملها”، يقول لـ “المنصة”.

بعد عدة رحلات اكتمل استعداد شعبان للانطلاق بعيداً، هذه المرة خارج حدود بلده ليكون المقصد تركيا ثم جورجيا عام 2016 بمعية أحد أصدقائه قاطعاً مسافة 1700 كيلومتراً خلال 23 يوماً، وكان هدفه الاطلاع على ثقافات شعوب الدول الأخرى على حد قوله.

بعد رحلته إلى تركيا بحوالي السنتين اتجه شعبان للمرة الأولى إلى الجنوب العراقي، وبالتحديد إلى مدينة البصرة واستغرقت رحلته 26 يوماً. 

وعن رحلته الأخيرة الى مدينة العمارة يقول: “استمرت رحلتي 22 يوما من دهوك، وكانت احترافية اكثر بسبب الخبرة التي اكتسبتها من رحلاتي السابقة”.

يجيد شعبان لهجات المدن العراقية التي يمر بها، ويتعامل مع الآخرين بابتسامة تزين وجهه المائل للاحمرار، وشعره الذي تناسب مع طول قامته القريبة من القصر، كما أنه يتقن اللغة الإنجليزية نتيجة احتكاكه بالسائحين الأجانب الذين يزورون كردستان ويقدم لهم التسهيلات من خلال فريق طوعي كان قد شكّله.  

لكنه يقول لـ “المنصة”: “الشيء الذي رأيته في مدن العراق عموماً وبالخصوص مدن جنوب، لا أتوقع أن أراه في مختلف دول العالم”. 

ويبدو شعبان مذهولاً من الحفاوة التي استقبله بها أهالي المدن الجنوبية، فقد اعتاد في رحلاته السابقة أن يمضي لياليه في خيمته التي يحملها مع عدة سفره، وأن يشتري الأكل على حسابه الخاص، أما عند مروره ببغداد وصولاً الى محافظات الجنوب فكان الأمر مختلفاً. “طوال الطريق لم أفتح الخيمة، ولم أشتر طعاماً أو شراباً فالكل كان يرحب بقدومي ويصرون على مبيتي في ديارهم”.

ويضيف: “لم يسألني أحد من أنت، وإنما سؤالهم من أين مقدمك فأقول لهم من دهوك، وهنا ألقى الرد مباشرة: أهلاً وسهلاً، تفضل معي الى بيتي ليقدم واجب الضيافة، وبعدها بيوم يسأل بقية الأسئلة”.

فصول من كتاب

شعبان كان متلهفا جدا لزيارة المضايف وبيوت القصب في أهوار ميسان، وعند وصوله بمعية مضيفه أحمد إلى إحداها ابدى ارتياحاً واندهاشاً كبيرين، لم يترك صغيرة إلا سأل عنها ووثقها بجواله، لينشرها تباعاً على مواقع التواصل، “احسست بأني في عالم آخر مليء بالحياة، فكل شيء حولي حيوي، والتقاليد الجنوبية رائعة جدا أراها لأول مرة، وأنا سعيد جدا لرؤيتها”. 

جولة أخرى كانت لشعبان في مدينة العمارة لرؤية معالمها بصحبه مضيفه أحمد جاسم الذي يقول: “قمنا بجولة الى بعض المناطق الريفية ومررنا بأحد اعراسها ومضايفها، ورغم تعب التجوال الا انه كان يصر على الخروج ورؤية معالم المدينة، حتى وقت متأخر”.

ويعمل الرحالة العراقي حالياً على تدوين كل تفاصيل رحلاته في كتاب تحت عنوان “سعادتي في دراجتي”، يقول عنه: “سأكتب فيه عن ثقافات الدول التي زرتها مقارنة بثقافة أبناء المدن العراقية ومنها الجنوبية، فالشعوب وثقافتها لا تقاس بالأبنية الكبيرة والشوارع النظيفة، وإنما بفطرة وطيبة القلوب”.

ويلقى شعبان الدعم من قبل أصدقائه في إتمام كتابه، الذي ستكتمل فصوله بعد انتهاء جولته في المدن الجنوبية، وسيصدره باللغتين العربية والكردية وعلى نفقته الخاصة، ويأمل بإصدار نسخة باللغة الانجليزية حال توفر دار نشر مهتمة بذلك.

بعد ليلتين قضاهما شعبان في مدينة العمارة بضيافة المدون أحمد جاسم ركب دراجته الهوائية ليتجه نحو البصرة، ومنها الى ذي قار ليكمل رحلته وفصول كتابه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى