عقارات بغداد: غسّالة أموال للسياسيين والميليشيات والمتهربين من العقوبات

بغداد- محمد الزيدي

منذ ثلاثين عاما يكابد الموظف الحكومي حيدر حسين (58 عاما) للظفر بمسكن ملائم، الذي بات “حلما” يجابه تحقيقه بالارتفاع الكبير في أسعار العقارات بالعاصمة العراقية بغداد، فمعظم مناطقها هي الأغلى سعرا من بين كل مدن العالم.

منذ نحو عقد من الزمن لا تكاد تتوقف اسعار العقارات عن الارتفاع، في مدينة لا تغادرها الأزمات الأمنية وتغرق في الفوضى والزحامات وتعاني من تردي الخدمات وانقطاع الكهرباء وتدهور البنية التحتية، ويأتي تصنيفها دائما بين الأسوأ للمعيشة في العالم. يقول حسين “الأسعار هنا فوق طاقة الغالبية الساحقة من أبنائها”.

قبل عام واحد تصدرت بغداد قائمة المدن الأسوأ للمعيشة، بحسب مجلة “موي نيغوثيوس إي إيكونوميا” (muynegociosyeconomia) الإسبانية بسبب “تدني مستوى المعيشة والفوضى الأمنية وسوء الخدمات”. ووفقاً لمؤشر جودة الحياة المعيشية “ميرسر” فان بغداد جاءت في العام 2019 في المرتبة الاخيرة من قائمة تضم 231 مدينة، سبقتها صنعاء في اليمن، والخرطوم بالسودان، ودمشق بسوريا.

يضيف حسين وهو يمسح العرق الذي علق بجبينه بينما كان ينتظر على باب منزله المستأجر، عودة التيار الكهربائي “الهم الأكبر لمعظم الذين يعيشون هنا هو تأمين منزل. نعمل 30 او 40 عاما لتحقيق ذلك الحلم الذي يظل صعب المنال، في بعض مناطق العاصمة اسعار البيوت بملايين الدولارات، وفي المناطق التي يمكن عدها شعبية يصعب ان تجد منزلا باقل من 200 الف”.

يتابع وهو يشير الى منزله الصغير المؤلف من غرفتين وصالة:”أدفع نصف راتبي لتأمين الايجار، الى متى أظل بهذا الحال؟.. هنا حتى أسعار الشقق الحديثة تبلغ نحو ضعفي واحيانا ثلاثة اضعاف ما موجود في اقليم كردستان”.

في مدن كردستان، حيث الأوضاع الاقتصادية والقدرة الشرائية وفرص العمل والخدمات أفضل مقارنة بباقي مناطق البلاد، يبلغ متوسط سعر منزل من طابقين نحو 100 الف دولار، لكن في بغداد تتضاعف الأسعار، وهو ما يدفع البعض مثل دريد عيسى الى ترك العاصمة والاستقرار في الاقليم حال احالته للتقاعد “ساشتري شقة في اربيل وانتقل اليها، لا يمكنني شراء منزل هنا ولو بعد 20 سنة أخرى من العمل”.

تعاني بغداد من أزمة سكن خانقة في ظل الكثافة السكانية العالية، وتزايد العشوائيات، واستمرار الحامات وتعثر الخدمات نتيجة ضعف البنية التحتية الخدمية. وبحسب مسؤولين فان التصميم الأساسي لبغداد حدد 40% من مساحتها كمناطق خضراء و60% للسكن، إلا أن المساحات الخضراء فيها تراجعت الى نحو 10% فقط. أي ان العاصمة فقدت 75% من مساحاتها الخضراء بسبب التجاوزات عليها.

مضى على اقتران مصطفى ربيع، الموظف في وزارة الصحة العراقية، بابنة عمه أكثر من 15 عاماً، ورزق منها بأربعة أطفال أصغرهم في الدراسة الابتدائية، لكنه ما يزال يسكن مع والديه في بيت صغير شرقي العاصمة.

يقول ربيع الذي لا يتجاوز دخله الشهري مليون دينار عراقي (700 دولار):”لا أملك حلا آخر، أنا مضطر للسكن مع عائلتي بمنطقة البلديات في منزل يتكون من 3 غرف بمساحة 100 متر مربع”.

ويضيف :”عليَ وعلى أطفالي التكيف مع الواقع وتحمل العيش هنا لسنوات أخرى، لا أستطيع امتلاك بيت، ولا دفع ايجار شقة”.

استثمار ومضاربات

يقدر مقاولون سعر المتر المربع الواحد في بغداد بـ 2000 الى 5000 دولار في احياء العاصمة المتوسطة، بينما ترتفع الأسعار في ما يعرف بالأحياء الراقية كالكرادة والمنصور والأعظمية وغيرها حتى تصل إلى 7000$.

وشهدت أسعار العقارات طفرات كبيرة في السنوات الأخيرة مع تحول تلك المناطق الى ميدان تنافس بين أصحاب رؤوس الأموال، بين من يريد استثمارها في انشاء أبراج سكنية وبين من دخل السوق للمضاربة وجني ارباح في ظل اقبال تجار على الاستثمار في العقارات نتيجة الحاجة الكبيرة وغياب فرص الاستثمار في القطاعات الأخرى.

وتنفرد بغداد التي يقطنها حوالي 9 مليون نسمة، بهذه الأرقام القياسية عن دول المنطقة، على الرغم من معدلات الفقر المرتفعة التي تتجاوز الـ20% والاضطرابات السياسية وضعف البنى التحتية.

بحسب أصحاب المتاجرين في سوق العقار ومقاولي البناء، فان عالم العقارات في بغداد محكوم بعوامل عديدة غير الطلب نتيجة زيادة السكان، فهناك المضاربات التي تخلق قفزات سعرية في بعض المناطق، وهناك أيدي القوى الحاكمة وشركات مقاولاتها ومدى قدرتها على وضع اليد على مساحات معدة للخدمات او تحويل مساحات خضراء او أراض زراعية الى سكنية. هي ساحة صراع يحكمها لاعبون في ظل معايير متقلبة وضوابط متغيرة.

يقول (سلام. أ) الذي يعمل في مكتب لبيع وايجار العقارات، مفسراً أسباب ارتفاع الأسعار، الطلب يتضاعف في ظل زيادة عدد السكان ببلد عانى طوال ثلاثة عقود من حروب واضطرابات أمنية عطلت اطلاق مشاريع سكنية، كما ان العقار دخل مؤخرا ضمن أدوات تبييض الأموال للتجار المشبوهين والساسة المعروفين وكبار كما صغار المسؤولين.

ويرى ان العامل الأخير جعل أسعار العقارات “تحلق عاليا فوق سقوف الاقتصاد العراقي المتهالك وفوق امكانية غالبية أبناء العاصمة”.

غسيل أموال

دخول التبييض الى هذا القطاع حوله الى مستنقع جديد للفساد وملجأ للتهرب من الكشوفات المالية بالنسبة للمسؤولين وهو ما القى بظلاله على قدرة المواطن العادي في الحصول على منزل صغير والذي بات حلما يقترب من الخيال” حسب عضو لجنة الخدمات والاعمار السابق في البرلمان العراقي عباس عويد.

ووفقاً لعويد فإن “ارتفاع أسعار العقارات حصل بوجود المضاربات المالية وعمليات تبييض الأموال من قبل بعض الجهات المتنفذة التي استولت على أموال كبيرة بطرق غير مشروعة”، مطالبا الحكومة بالتدخل “لوضع حد لتلك الأسعار والمضاربات” ومتابعة الجهات التي تملك كل تلك الأموال.

ويرى ان بغداد تحتاج الى بناء 3 ملايين وحدة سكنية جديدة، محملا الحكومات المتعاقبة مسؤولية ازمة العقار لأنها “لم توفر خدمات ولا بيئة لاطلاق عمليات البناء، وجل مسؤوليتها اقتصرت على توزيع عوائد النفط على الموظفين والمستفيدين” بحسب وصفه.

بدورها تقول الأكاديمية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، سلام سميسم، إن “نشاطات غسيل الأموال سواء في قطاع العقارات أو غيره هو ناتج عن الفساد المستشري في البلاد”، مؤكدة “تنامي نشاطات غسل الأموال في العراق، ما يتطلب التحقيق في تلك الجرائم وملاحقة المرتبطين بها”.

الخبيرة الاقتصادية تعتقد أن “سوق العقارات في العراق أصبح ملاذا لغسل الأموال بسبب السرية واللوائح المتراخية التي تحكمه والبيئة المتساهلة التي تسود السوق الحرة عموماً”، مشيرة إلى أن “السبب الآخر في ارتفاع الأسعار يعود أيضا إلى تخوف أصحاب رؤوس الأموال من الاستثمارات الداخلية أو الخارجية في قطاعات أخرى كالصناعية والزراعية وهو ما يدفعهم إلى التوجه نحو سوق العقارات الذي يجدونه أكثرا ضماناً وأرباحاً”.

عمليات غسيل الأموال التي يمكن أن تجري في قطاع العقارات سبق وأن أشار اليها “المركز العراقي الاقتصادي السياسي” الذي قال في بيان له، إن “عام 2021 شهد ارتفاعاً كبيراً في أسعار العقارات في بغداد قد يتجاوز مثيلها في دبي و لندن”.

وأضاف المركز أن “هذا الارتفاع يؤشر الى وجود عمليات تبييض للأموال او تضارب في اسعار العقارات بعد تضييق الخناق من قبل الحكومة على عمليات التحويل المالي الخارجي”.

وكان العراق طوال سنوات من الدول شديدة المخاطر في مجال غسيل الاموال، لكن في التاسع من كانون الثاني 2022 أعلنت الحكومة العراقية، عن رفع اسم البلد من قائمة الاتحاد الأوروبي للدول ذات المخاطر العالية في مجالي مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفق رسالة تسلمها رئيس الوزراء العراقي من بعثة المفوضية الأوروبية.

إقرار حكومي بالفشل

يعلق صلاح الكبيسي، وهو قيادي في جبهة الانقاذ والتنمية، يولي اهتماما بالتحديات الاقتصادية، على ازمة العقار، بالقول: الأسعار في بغداد لا تقارن بأي مكان آخر وهو ما يدفع العوائل الى “تقطيع البيت السكني الواحد الى عدة قطع”، مبينا أن كلفة بناء المتر المربع الواحد تبلغ في المتوسط 400 دولار، لكن يتم بيعه بـ 1000 دولار وفي بعض المناطق 2000 دولار للمتر بسبب المضاربات وقلة المعروض.

وشهدت العديد من المناطق في مركز بغداد كالجادرية والكرادة والعرصات تقطيع البيوت ذات المساحات 300 و400 متر الى ثلاثة او اربعة بيوت بمساحات 75 الى 150 متر مربع.

في 18 أيار 2022 أعرب رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، خلال زيارته إلى مبنى أمانة بغداد وسط العاصمة، عن اسفه لما تشهده بغداد من تجاوزات وسوء في الخدمات وما تعانيه من التخطيط العبثي لأصحاب النفوذ الذي أسهم في ارتفاع أسعار العقارات في مناطق العاصمة.

من جانبه لا ينفي مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة تأثير عمليات تبييض الأموال في القطاع العقاري.

صالح يقول إن ارتفاع اسعار العقارات مصدره سببان رئيسيان، أولهما هو ان العالم عاش ظاهرة الانغلاق الاقتصادي عام ٢٠٢٠ “ما اعطى صورة غامضة عن مستقبل استثمار الاموال العراقية (في الداخل الخارج) التي تأخذ طريقها بصورة هروب اموال او اغتراب اموال او ما يسمى احيانا الاموال الساخنة من رأس المال قصير الأجل”.

وأضاف أن السبب الثاني “يتعلق بتعاظم القيود الرقابية الدولية على ظواهر التضخم السريع لأرصدة البعض ممن تتدفق ثرواته خارج البلاد ولاسيما في المصارف الاقليمية والدولية مما عزز من اجراءات المساءلة العالمية لوحدات مكافحة غسل الاموال والبحث عن مصدر الاموال وتقييد حركات البعض منهم”.

السببان اعلاه دفعا أصحاب الأموال الى استثمار أموالهم في العراق وتحديدا في قطاع العقارات الذي يحقق ارباح سريعة في ظل حاجة السوق المتعاظمة للعقارات السكنية مع حصول استقرار امني نسبي في البلاد. ولهذا يلاحظ زائر العاصمة بغداد وجود مشاريع سكنية متعددة قيد التنفيذ لكن ارتفاع أسعارها الخيالي وهيمنة المقربين من أحزاب على غالبية تلك المشاريع هو ما يمنع المواطنين من ذوي الدخل المحدود في الحصول على وحدات سكنية فيها

فرص عالية الربح

في ظرف ثلاث سنوات ارتفعت أسعار العقارات في بغداد بنسبة 44%، وفق ما يقدره الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، الذي يعزو الارتفاع إلى ادراج العديد من الشخصيات السياسية وقيادات الفصائل المسلحة على قوائم عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية، ما دفعهم لتغيير استثماراتهم بدلاً من تهريبها خارج العراق، عبر شراء عقارات وان كان بأسعار خيالية سجلت بأسماء وكلائهم، لأنهم وجدوا في الاستثمار العقاري جدوى مربحة أفضل من إيداع الأموال في البنوك.

المشهداني يقول، إن “انخفاض القوة الشرائية بعد قرار خفض قيمة الدينار أمام الدولار الأمريكي (من نحو 120 دينار للدولار، الى نحو 150 دينار للدولار) دفع أصحاب الأموال إلى الاحتفاظ بقيمة العملة عبر موجودات ثابتة لا تتأثر بمتغيرات السوق، مثل الذهب والعقارات”.

ما ذهب إليه المشهداني، يلخصه أيضا الخبير الاقتصادي، باسم انطوان، حيث أكد أن “المال السياسي ساهم في ارتفاع أسعار العقارات خصوصا التجارية منها للتغطية على الأموال المستولى عليها من خزينة الدولة”.

الارتفاع لم يأت نتيجة زيادة الطلب وقلة العرض فقط، كما يقول انطوان، فهناك عوامل أخرى مثل عدم بناء وحدات سكنية بأسعار مدعومة من الدولة لمحدودي الدخل، فضلا عن توسع النمو السكاني بالإضافة إلى الهجرة من المحافظات إلى بغداد، وارتفاع أسعار مواد البناء”.

برامج الاسكان الحكومية التي توفر وحدات سكنية للمواطنين يراها الخبير الاقتصادي، ضرورية لضبط السوق، خاصة ان المقبلين على شراء العقارات من ذوي الدخل المحدود محبطون من تحقيق رغبتهم بسبب ارتفاع أسعار العقارات في المشاريع السكنية الخاصة والتي وصلت إلى 200 الف دولار للوحدة السكنية.

أصحاب مكاتب بيع العقارات يرون من جهتهم في اقبال العراقيين بشكل كبير على السكن في العاصمة، وافتقار عمليات البيع والشراء لمحددات معينة هي التي أسهمت في تصاعد حاد باسعار العقارات.

صباح الجبوري، صاحب محل عقار بمنطقة الكرادة وسط بغداد، يقول إن “ارتفاع الرسوم والضرائب التي يدفعها البائعون وأصحاب الاملاك، فضلًا عن المزاجية والعشوائية في تحديد الأسعار واستغلال الاقبال الكبير والمستمر من قبل الوافدين من المحافظات على مناطق العاصمة وتحديدا القريبة من مركزها بسبب الدراسة أو العمل، سبب آخر في رفع أسعارها”.

أزمة أسعار العقارات، يصاحبها ارتفاع في تكلفة الإيجارات، وقد انعكس ذلك سلباً على كافة فئات المجتمع، بحسب الجبوري، الذي يضيف أن “إيجارات الشقق السكنية في بعض مناطق بغداد ارتفعت خلال العام 2021-2022 من 300$ إلى 700$ والمنازل من 500$ إلى 1000$”.

وأكد صاحب المحل العقاري، أن “أسعار بيع وايجار العقارات، يخضع لمزاجية وجشع بعض أصحاب شركات العقاري”، موضحاً أن “القدرة الشرائية العالية لبعض الفئات مثل السياسيين وبعض رجال الاعمال والتجار هي التي تدفع الأسعار”.

محاربة الفساد

معالجة ملف أزمة السكن لا تتم فقط عبر خطط ومشاريع توزيع الأراضي وتقديم المنح والقروض للمواطنين، بل يتطلب خطوات حكومية في محاربة الفساد في هذا القطاع، يقول عضو مجلس النواب السابق علي البديري.

ويؤشر وجود “خلل وشبهات فساد بما يقارب 18 مشروعا سكنيا تابع لوزارة الاعمار والإسكان” والتي كان يفترض بها ان تخفف ازمة السكن لبعض الفئات، داعياً “هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية الى تدقيق ملفات مشاريع الاسكان والتحقق من الشبهات التي تحوم حولها”.

وحمل البديري، الحكومات المتعاقبة “مسؤولية تفاقم أزمة السكن في البلاد”، مؤكداً أن “أسعار العقارات لا يمكن أن تنخفض دون تدخل حكومي على عدة مستويات بما فيها مواجهة الفساد”. ويقدر حجم ما خسرته الدولة منذ العام 2003 بنحو 178 مليار دولار بسبب الفساد في قطاع الاستثمار السكني ومشاريع البنى التحتية والمدارس والمستشفيات.

ويرى البديري ان التخلص من عوامل الفساد، التي وضعت العراق في المرتبة 160 من أصل 180 دولة على مؤشر مدركات الفساد لعام 2021 وفق منظمة الشفافية الدولية، هي الحل لمواجهة أزمة السكن وارتفاع أسعار العقارات في بغداد.

ويعد مشروع السكن الاقتصادي الذي اعلن عنه في العام 2012 بكلفة مالية تصل إلى 2 مليار دولار، لحل ازمة السكن، واحد من أبرز ملفات السكن بالعراق.

المشروع الذي لم يجد طريقه للتنفيذ أطلقته وزارة الإعمار والاسكان في تموز 2012 والذي كان يهدف الى مساعدة الفقراء الذين لا يتملكون وحدات سكنية ومالاً من خلال بناء مساكن اقتصادية توزع مجانا لهم ويشمل المشروع جميع محافظا البلاد.

مشروع “داري”

الزيادة الكبيرة في أسعار العقارات ساهمت في زيادة عدد التجمعات العشوائية في العاصمة والتي باتت بدورها تؤثر على انجاز بعض المشاريع الخدمية وتطوير البنية التحتية.

ويقدر مسؤولون وجود 400 الف وحدة سكنية عشوائية في بغداد، فيما تحولت حتى بعض المساحات الخضراء الى سكنية في ظل ضعف القانون في مواجهة سطوة بعض الجهات المسلحة.

لحل الأزمة طرحت حكومة الكاظمي مبادرة “داري” لتوزيع نصف مليون قطعة أرض سكنية على الفئات المستحقة مع تقديم قروض ميسرة في فترة تسديد تصل الى 20 عاما لتسهيل تملك الراغبين لمساكن ملائمة، كما يقول صباح عبد اللطيف مشتت مستشار رئيس الوزراء لشؤون الاعمار.

مشتت يضيف، أن “المبادرة تهدف الى تخفيف أزمة السكن في العراق، وهي ضمن مشاريع أخرى للحكومة لحل الأزمة”، مؤكدا أن “المبادرة تتضمن توزيع 550 الف قطعة أرض على المواطنين من ذوي الدخل المتوسط والمحدود تتوزع على بغداد والمحافظات الأخرى”.

ونوه المسؤول الحكومي، إلى أن “الأراضي التي ستوزع في بغداد ضمن المبادرة ستكون في منطقة النهروان شرقي العاصمة بغداد حيث تشمل حوالي 60 الف قطعة، ومنطقة معسكر طارق في قضاء أبو غريب بواقع 13 الف قطعة أرض ضمن المرحلة الأولى”، لافتاً الى أن “تلك المناطق ستكون مخدومة وجاهزة للبناء من قبل المواطنين أو شركات استثمارية”.

المستشار الحكومي، يؤكد حاجة العراق إلى “ثلاثة ملايين ونصف وحدة سكنية، أي أن نحو 20 مليون عراقي بحاجة إلى السكن إذا حسبنا متوسط معدل العائلة بستة أفراد”، عازيا ارتفاع أسعار الى قوة الطلب في سوق يحكمه العرض والطلب.

ويقول مشتت ان “سعر العقار في بعض مدن لندن أقل من سعر شقة سكنية في بغداد”، مبينا أن تغيير ذلك سيحتاج الى اطلاق مشاريع جديدة للاسكان ودعم صندوق الاسكان.

ويخلص الى القول إن الحكومة عبر البنك المركزي عملت على زيادة قروض الاسكان للمواطنين إلى 5 تريليون دينار ويمكن للمستفيد الحصول على قرض مالي يتراوح من 25- 100 مليون دينار عراقي، تدفع بكفالة دائرة الموظف وكفالة موظفين حكوميين اثنين.

ولم تقتصر آثار ارتفاع اسعار العقارات على عجز غالبية البغداديين عن تملك عقار وعلى ارتفاع اسعار الايجارات، بل امتد الى الجانب الصحي بزيادة معدلات التلوث نتيجة تضاعف أعداد السكان في الأحياء السكنية القديمة، ومع تقطيع البيوت الكبيرة الى بيوت أصغر بعدد طوابق أكبر.

وأظهر الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط، في تقرير له، ارتفاع نسب التلوث حيث ارتفع المعدل السنوي لتلوث الهواء بثنائي أكسيد الكبريت وهو أحد أكاسيد الكبريت، SO₂، بواقع 0.054، فيما بلغت معدلات ثنائي أكسيد النيتروجين 0.040، ومعدلات أحادي أكسيد الكربون أو أول أكسيد الكربون الذي يعتبر من الغازات الشديدة السمية 0.597، كما سجل الميثان CH₄، 1.740.

1000 مشروع

يأمل المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أن يدخل قطاع العقارات العراقي في حالة ركود بعد توزيع قطع الأراضي على المواطنين بمناطق مخدومة، وتنفيذ المشاريع السكنية المقرة، ليصبح العرض موازي او أكثر من الطلب وتهوي الأسعار حينها.

الهنداوي يقول إن “الجهود الحكومية تعمل على دعم أصحاب الدخل المحدود الذين يواجهون مشكلة في الحصول على وحدة سكنية”،  كاشفا عن “وجود نحو 1000 مشروع خاص ببناء المجمعات السكنية والدور واطئة الكلفة في بغداد، لحل أزمة السكن والحد من العشوائيات التي تقدر بـ1000 مجمع عشوائي في بغداد فقط”.

ورغم أن الهنداوي يقر بأن هناك استحواذ من أصحاب الدخل العالي على تجارة العقارات، لكنه يرجع السبب الى كثرة الطلب لأن 25% من سكان العراق يعيشون في بغداد، على اعتبارها مدينة جاذبة من حيث توفر فرص العمل، مستبعدا “وقوف عمليات غسيل الأموال وراء ارتفاع الأسعار”.

حتى في ظل الازمة السياسية التي عطلت تشكيل الحكومة منذ عشرة اشهر، مازال سوق العقار ملتهبا. يقول صلاح عبدالله، وهو مقاول صغير يتابع سوق العقارات “هناك نوع من الركود في السوق بسبب التوترات السياسية، وهذا عادة يدفع التجار والمستثمرين الى الاحتفاظ باموالهم، لكن رغم ذلك لم تنخفض الأسعار بل زادت”.

ويوضح “ارتفع سعر المتر الواحد من الأرض في بعض المناطق التي تشهد استثمارا تجاريا إلى أكثر من 7 الآف دولار في وقت لم يكن يتجاوز الـ 5 آلاف قبل أشهر”.

يؤكد ذات الأمر ابو حسين، الذي يعمل في السوق منذ 30 عاما “الأسعار ارتفعت في المناطق التي يمكن ان تستثمر تجاريا مثل الكرادة والجادرية والمنصور بنسبة 30%، ربما السبب يرتبط بارتفاع ارصدة العراق المالية نتيجة ارتفاع اسعار بيع النفط، فالوفرة المالية تؤمن للسياسيين والمستثمرين الذين يقفون خلفهم استحصال اموال كبيرة عبر المشاريع التي سيحصلون عليها”.

يوافقه الرأي جليل احمد (55 عاما) وهو موظف حكومي يعمل مساءً في محل للأجهزة الكهربائية ليتمكن من تأمين ايجار شقة قديمة يؤجرها بـ500 دولار ويطالبه صاحبها بمبلغ أعلى، الذي يرى ان السياسيين يستثمرون اموال الفساد في قطاع البناء لتحقيق ربح سريع “ابراج سكنية ومولات تجارية وأسواق، لا شيء آخر”

ويتساءل بلغة تهكمية “هذه الأبراج التي تعلو الآن في بغداد، هل اصحابها مستثمرون فعلا ويبحثون عن ربح معقول؟”. ويجيب بنفسه “الكل يعرف انها عائدة لكبار المسؤولين في الدولة وأصحاب الأذرع المسلحة، لا أحد يملك غيرهم كل تلك الأموال”.

ويختم “هم يستخدمون أموال الشعب لبناء شركاتهم العقارية، ربما يفعلون ذلك لانهم لايستطيعون اخراج اموالهم من البلاد او يرون ان الاستثمار هنا أفضل ولا احد يسألهم عن مصدر المال.. المصيبة حتى عندما يضعون أموالهم في مجال ما فانهم عبر مضارباتهم يحولونه الى نار”.

انجز التقرير بدعم من شبكة نيريج للصحافة الاستقصائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى