عشرة حالات طلاق لفتيات قاصرات يومياً.. نصفهنّ من الموصل 

بغداد- مرتضى الحدود

بعد زواج دام حوالي السنة من أحد أقاربها تطلقت دعاء (وهو اسم مستعار لفتاة دون سن السادسة عشر) وانتهى بها الأمر في بيت أهلها حاملةً بين ذراعيها طفلاً صغير لا تملك معرفة في كيفية رعايته وتربيته.

فبعد أن أقنعها والداها بأن الزواج هو الأهم بالنسبة لها كفتاة، وأن لا فائدة من الدراسة، تركت طالبة المرحلة الثانوية ذات الرابعة عشر عاماً آنذاك مدرستها وتزوجت لتواجه أولى المشاكل مع زوجها.

تقول دعاء: “طليقي يملك عقلية متسلطة ويرى أن للرجل القيمومة وأن كلمته هي الأولى دون غيرها فضلاً عن تدخل والدته وشقيقاته في حياته الشخصية”. 

وتتابع قائلة إن السنتين اللتين أمضتهما معه كانتا حافلتين بالتعنيف بأشكال مختلفة، بالصوت والكلام والتنمر وأحياناً الضرب، ولم تمض ستة أشهر حتى أصبحت حاملاً لتضاف لها مشكلة أخرى تواجهها في حياتها، فبعد أن كانت طفلة في بيت أهلها عادت دعاء إلى منزلها، لكن هذه المرة أمّاً مسؤولة عن رعاية طفلٍ وعن تأمين مصاريفه المالية فضلاً عن مراجعة المحامين وأروقة المحاكم في محاولةٍ منها للفوز بحضانة ابنها.

دعاء ومثيلاتها تعرضن للطلاق بسبب عادات اجتماعية ما زالت موجودة في العراق حيث يدفع الأهالي بناتهن للزواج في عمر مبكّر.

مجلس القضاء الأعلى كشف مؤخراً عن إحصائية وصفها ناشطون حقوقيون بـ “المرعبة” بما يتعلق بزواج القاصرات، إذ بلغت أعداد اللواتي تطلقن وهن في سن دون الـ15 سنة لعام 2020    1498 حالة ليرتفع هذا العدد في عام 2021 ويبلغ 2594، أي بمقدار 57% عن العام الذي سبقه وهذا يعني أن كل يوم من عام 2020 يشهد 5 حالات طلاق لقاصرات، وفي العام الذي تلاه شهد مايقارب 10 حالات طلاق يومياً.

عضو مفوضية حقوق الإنسان السابقة فاتن الحلفي تعلق على هذه الإحصائية بالقول إن ظاهرة طلاق القاصرات لا تعتبر بحد ذاتها هي الأزمة بل تزويج الفتيات في سن الطفولة هو المشكلة الأكبر.

وتضيف الحلفي أن “أولى الأسباب التي تدفع بالفتاة نحو الزواج هو الأهل، ويأتي بعدها دخول التقنيات الحديثة وسوء استخدام التكنولوجيا، لذا تجد مؤخرا في الأماكن الأكثر تمدناً فتيات من يطلبن من ذويهن الموافقة على زواجهن في عمر مبكر”.

وبحسب الناشطة الحقوقية “العديد من الفتيات تزوجن من دون مصادقة المحكمة لعقود الزواج فازدادت مشاكلهن بعد الطلاق، خصوصا اللواتي أنجبن أطفالاً، إذ يمكنهن المطالبة بحقوقهن إلا بعد مصادقة المحكمة على العقد”.

طلاق القاصرات من اللواتي يكون زواجهن وانفصالهن خارج المحكمة عبر عقود رجالات الدين تخلق تداعيات قانونية في مجال نسب الأطفال بحسب مختصين، إذ عادةً ما يستغل الأب الفرصة ويقوم بالضغط على طليقته كي ينسب طفله لأحد أشقائه الذكور الذين يمتلكون عقد زواج مصدق من المحكمة، فضلاً عن استغلال البعض منهن في نشاطات تدخل ضمن الاتجار بالبشر.

الناشطة النسوية سارة الحسني قالت للمنصة إنها اطلعت على عدة حالات تم نسب الأطفال فيها لأعمامهم أو حتى لجدّهم، وبالتالي “يضيع نسب الأطفال وتحرم الأم من ولدها وهذه واحدة من مشاكل وتداعيات طلاق القاصرات”.

وتعزو الحسني عدم مطالبة الفتيات القاصرات بتصديق عقد المحكمة بأن جزءاً منهن يحصلن على رواتب آبائهن التقاعدية “والمصادقة على عقد الزواج تعني أن المسؤولية قد انتقلت الى شخص اخر وهو الزوج وبالتالي يتم حجب هذا المبلغ الشهري لذا هي غير مستعدة للتضحية من اجل راتب شهري وتعلم أن الطفل في المحطة الأخيرة سيعود إلى أبيه دون أمه”.

وأشارت الحسني أيضاً إلى أن “هناك من يتم استغلالهن من بعض الأطراف تحت عناوين تقديم المساعدات خصوصاً وبعضهن يتعرضن للاستغلال الجنسي تحت مسميات دينية، وهناك من يعرض على ذوي الفتيات مهوراً عالية لغرض الزواج بها ويتضح فيما بعد أن هذا الشخص قام ببيعها إلى ملاهٍ ونوادي ليلية في مناطق الشمال او حتى خارج البلاد وهذا الأمر قد تم تشخصيه”.

ويربط القانون العراقي إمكانية زواج القاصرات بموافقة ولي الأمر وتجيز المادة 8 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل لمن الخامسة عشرة من العمر الزواج بطلب يرفع إلى القاضي.

وبحسب القانون “للقاضي أن يأذن به إذا ثبتت له أهليته وقابليته البدنية بعد موافقة وليه الشرعي، فإذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له، فإن لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار أذن القاضي بالزواج”.

ويفسر قاضي الأحوال الشخصية في مدينة الصدر جعفر المالكي في حديث اعلامي  هذه المادة بأنها “أجازت زواج القاصر بإذن من القاضي أو إذن من الولي الشرعي، فالمشرع عند إجازته هذا الزواج أراد أن يكون ذلك منسجما مع الشريعة الإسلامية التي اقتصرت البلوغ على المظاهر الفسيولوجية عند الرجل أو المرأة”.

ويتابع المالكي ان “معظم الأزواج القصر يعانون من ضعف الموارد الاقتصادية لأنهم غير مؤهلين للحصول على عمل ولا يمكن ان تغطي إيراداتهم نفقات العائلة”.

لكنه يشير إلى أن “الظروف الاجتماعية تدفع إلى زواج القصر، كزواج الأقارب وكذلك العيش في الطبقات الاجتماعية الفقيرة حيث تهرب العائلة أحياناً من الفقر من خلال زواج القاصر خصوصاً ما يتعلق بزواج الاناث وفي كثير من الأحيان و بسبب ضعف الإدراك والوعي وعدم وجود فرصة كافية للتعليم ينتهي هذا الزواج سريعا بالطلاق”.

وتشير الإحصائيات التي أعلن عنها مجلس القضاء الأعلى إلى أن الموصل هي الأعلى من بين المحافظات الأخرى في طلاق القاصرات خلال عامي 2020 و 2021 اذ بلغ عدد حالات الطلاق في محكمتها 1155 وتلتها محكمة ديالى 532 ثم بابل 405 والكرخ 254 وكربلاء 242 و ميسان 235 والبصرة 195 و النجف 138 و القادسية 144 والانبار 109 وواسط 79 وصلاح الدين 23 وذي قار 7 وأقل المحافظات هي المثنى بحالتين اثنتين.

دعاء التي عادت مطلقة إلى منزل والديها في بغداد تقول للمنصة إنها تمضي جل وقتها بعد طلاقها تارةً في في أروقة المحاكم وتارةً بالتواصل مع رجالات العشائر للتدخل والوساطة مع طليقها لمنحها حضانة الطفل. 

لكنها تبدو محظوظة قياساً بغيرها من القاصرات المطلقات، إذ إنها خلال رحلة بحثها عن مصدر مالي لإعالة نفسها وطفلها تمكنت مؤخراً من الحصول على عمل في إحدى معامل صناعة الأغذية بدوام كامل ومرتب شهري قدره 400 ألف دينار عراقي.

  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى